في العراق وفي ظل هيمنة مراكز القوى الإيرانية على محاور السلطة المركزية وسط تزايد مضطرد للوجود العسكري الأميركي، تدور مماحكات غريبة، وتتداول إشاعات وأقوال وتخرصات كثيرة بعضها خيالي جدا حول سيناريوهات تغييرية بعيدة الأثر لا نعتقد أن لها حظا من التطبيق والتنفيذ لعدم واقعيتها.
ويدور في العراق اليوم همس حائر تطور لأصوات مسموعة حول نية الإدارة الأميركية، وهي في شهورها الأخيرة، إحداث تغييرات نوعية في قلب المعادلة الداخلية العراقية، وإدارة أمور ملف الصراع الداخلي نحو طرق ونهايات مختلفة عن المعالجات السابقة، وبما سيصحح الأوضاع المعوجة التي وصلت أحوال العراق خلالها وبعدها لطريق مسدود من الاحتقان الطائفي والفشل الحكومي والتخبط في مختلف المجالات.
وتتحدث أطراف، داخلية وخارجية، عدة عن وصفة أميركية عاجلة لحزمة متغيرات إصلاحية مقبلة ستشمل فيما تشمل منع الميليشيات الطائفية وحظر نشاطاتها وسحب المظاهر المسلحة من الشارع العراقي! وهو ما يعني ضمنا الصدام مع النظام الإيراني علنا فوق الأرض العراقية، ولعل إنسحاب المرجعية الدينية الشيعية من العمل السياسي الداخلي، كما أعلن الناطق بلسان السيستاني، يعني فيما يعني أن تلك المتغيرات المقبلة قد تمت تهيئة الأرضية والمناخ المناسب لها! ولكن بين التحركات والأجندات الأميركية الغامضة، ومثيلتها الإيرانية الواضحة تبدوالأوضاع متأرجحة، وتبدوالحكومة العراقية من خلال رئيسها العبادي متذبذبة، حائرة، ولربما تعيش في منزلة بين المنزلتين، فلا هي قادرة على الوقوف بوجه الإرادة ألأميركية إن قرر الأميركان شيئا، ولاهي تستطيع مقاومة ومعارضة الأوامر الإيرانية إن صدرت، لذلك كان حديث وخطاب حيدر العبادي في مؤتمر ميونخ الامني الأخير حول شرعية الحشد الطائفي مع استثناء بعض الجماعات المنفلتة فيه، هوموقف وسطي لايقتل الراعي ولا يفني الغنم، ولايقيم الدنيا الطائفية في العراق ضده في وقت هو وغيره ليس على استعداد لمواجهتهم ميدانيا، فليس سرا أن الميليشيات المسلحة هي من تهيمن على مراكز السلطة الحيوية في العراق، فالأجهزة الأمنية والعسكرية تحت تصرفهم بالكامل، ووزارة الداخلية هي وزارة ميليشياوية بإمتياز تأخذ أوامرها ونواهيها من الحرس الثوري الإيراني!، فالوزارة من حصة جماعة “بدر” وهي تنظيم تابع للحرس الثوري يقوده هادي العامري العميد في ذلك الحرس، كما أن وزير الداخلية محمد الغبان هوأحد المقاتلين السابقين في الحرس الثوري الإيراني ضد الجيش العراقي في ثمانينات القرن الماضي!، إضافة إلى السيطرة العسكرية الواسعة للمدعو أبومهدي المهندس القائد الفعلي والميداني لحشود الحشد الطائفي. وهو مطارد أميركيا وكويتيا ومحكوم بالإعدام غيابيا في دولة الكويت، ولم تسقط التهمة عنه حتى اليوم.
إذن في ظل المعطيات السابقة فإن أي تغيير فعلي يمكن للولايات المتحدة فرضه في العراق لابد أن ترافقه حالة مواجهة وصدام عسكري مع الجماعات الطائفية المسلحة، وبما يعني مواجهة غير مباشرة مع النظام الإيراني، وهو سيناريو لا أعتقد أن الأميركيين يتلهفون أو يسعون لحدوثه في العراق في الوقت الحالي لأنه سيخلط الأوراق بشكل كبير على مستوى إدارة ملفات الصراع في الشرق القديم بأسره!، والميليشيات تعلم تلك الحقيقة وتتقوى تحت ظلال التناغم الأميركي- الروسي في الحقبة الحالية على الأقل أي في الشهور الأخيرة من حكم الرئيس أوباما، لذلك فجميع أطراف الصراع في العراق تحتشد وتتهيأ وتحفر خنادقها، وتؤسس مواقعها تمهيدا لمواجهات مستقبلية لربما لن تكون حتمية ولكنها ضرورية لصياغة أوضاع جديدة!
حجم الخراب في العراق مريع مأسوي وأي محاولة للإصلاح والتغيير لابد أن تصطدم بحيتان الفساد وبمافيا السلطة الطائفية وبمواقع متفجرة عدة، تبدوالأجواء الإقليمية غير مناسبة لها حاليا، لكن ثمة حقيقة مركزية تتمحور حول إستحالة تطبيق أي متغيرات مالم تتم المباشرة بإجراءات صعبة على الأرض وأهمها حظر الميليشيات وتجريدها من أسلحتها ومطاردتها، بل وتفعيل المذكرات القانونية باعتقال قادتها كأبي مهدي المهندس مثلا، وهو أمر يعتمد تماما على حلحلة الملف السوري، فالتقدم في ذلك الملف عبر إزاحة النظام السوري يعني تلقائيا إنهيار الجماعات المسلحة في العراق، والتي لن تترك الساحة أبدا من دون مواجهة عسكرية حتمية لكون مشروع تأسيس وإقامة “الحرس الثوري” بنسخته العراقية قد وصل لمرحلة الحصاد وقطف النتائج، وحدها الولايات المتحدة تستطيع عرقلة ذلك المشروع الإيراني- الطائفي، فهل تفعلها فعلا وتطارد قادة الميليشيات ليستطيع التغيير الداخلي الفعلي أخذ مداه؟ أم أن العملية بأسرها مجرد بالونات اختبار لوضع عراقي يقف على حافة البركان؟ هذا ما ستكشفه قوادم الأيام.