لليوم الثاني على التوالي، بقيت حركة الرئيس سعد الحريري هي الحدث. ففي أقل من 24ساعة تمكّن رئيس تيّار «المستقبل» من إجراء حركة واسعة من الزيارات واللقاءات بعضها يتعلق بتفعيل العمل الحكومي عشية جلسة بعد غد الخميس، والتي سيشارك فيها وزير العدل أشرف ريفي، بعد زيارة «بيت الوسط» برفقة النائب أحمد فتفت، وبعضها الآخر بمراجعة التباينات التي طرأت بين القوى المكوّنة لـ14 آذار، وتمثّلت بزيارتين وصفتا بأنهما على غاية من الأهمية، الأولى إلى الصيفي حيث التقى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، وكان التزام الرئيس الحريري بدعم النائب سليمان فرنجية، مرشحاً للرئاسة البند الأساسي بين الرجلين، والثانية ليلاً إلى معراب، حيث عقد جلسة مطوّلة مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع تناولت «الإشكالات» التي طرأت على العلاقة بين الطرفين، فضلاً عن جلسة 2 آذار المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية والتي سيشارك فيها الرئيس الحريري شخصياً، مع التأكيد على مرشحه النائب فرنجية، في حين أن جعجع ما يزال داعماً للنائب ميشال عون.
ويمكن اعتبار أن زيارة الحريري إلى معراب يرافقه مدير مكتبه نادر الحريري ومستشاره الإعلامي هاني حمود، كانت من بين اللقاءات الأكثر أهمية، حيث تناول الوفد الزائر العشاء إلى مائدة جعجع، وحيث أكد الحريري وجعجع في المؤتمر الصحفي المشترك أن ما يجمع الطرفين هو 14 آذار و14 شباط، ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري وولادة حركة 14 آذار التي أنهت عهد الوصاية، وأعادت صهر اللبنانيين في بوتقة وحدة وطنية جديدة، ووضعت إعادة بناء الدولة كهدف استراتيجي على قاعدة الشراكة الوطنية والاحتكام إلى عمل المؤسسات.
والأهم في الموضوع أن جعجع لم يرَ في الزيارة إشارة للإعتذار عمّا أُسيء فهمه في العبارة الظرفية التي خاطب فيها الرئيس الحريري رئيس حزب «القوات» لجهة تحبيذه أن تكون المصالحة مع «التيار الوطني الحر» قبل عقود لوفّرت على المسيحيين واللبنانيين الكثير من الويلات.
ولم يخلُ المؤتمر الصحفي من إضفاء طابع الممازحة عندما أشار جعجع إلى أنه «سيتوسط لدى الجنرال عون للمشاركة في الجلسة والشيخ سعد لدى النائب فرنجية، وهو يدعو النواب للمشاركة في الجلسة لكن مرشحه لا ينزل أيضاً».
وكشف مصدر مطّلع أن مسألة تشجيع النواب على المشاركة في جلسة 2 آذار التي تصادف بعد أسبوعين، كانت محور اللقاء في الصيفي وفي معراب، في محاولة لإيصال رسالة أن الوقت حان لإنهاء الشغور الرئاسي، ليس على خلفية إتفاق سياسي شامل، وإنما على أساس تنافس ديموقراطي بعد توفير النصاب للجلسة، أي ما مجموعه 86 نائباً.
لقاء السراي
المهم أن جولة الرئيس الحريري على السراي، حيث التقى الرئيس تمام سلام، ومن ثمّ إلى الصيفي ومعراب، وحركة اللقاءات الديبوماسية التي أجراها في «بيت الوسط»، وكذلك لقاء المصالحة بينه وبين الوزير ريفي بمسعى من النائب فتفت، أرست مجموعة من الإشارات، أولها أن إقامته في بيروت ستطول في هذه المرحلة، وثانيها مشاركته في جلسة 2 آذار المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، وثالثها التزامه بدعم ترشيح فرنجية، ورابعها أن أحداً لا يمكن إجباره بمرشح واحد، في ردّ مباشر على الموقف المعلن من قبل «حزب الله» وعون.
وفي المعلومات، أن الاجتماع الذي عقد بين الرئيسين سلام والحريري، تركز، بحسب مصادر السراي، حول مجمل المستجدات السياسية الراهنة لا سيما بالنسبة الى تعطيل الانتخابات الرئاسية والشغور في موقع الرئاسة، وأثنى سلام خلال اللقاء على خطاب الحريري الذي القاه في «البيال» في ذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وأستمع منه لشرح حول اللقاءات والاتصالات التي اجراها في الفترة الاخيرة خصوصا في ظل غيابه عن لبنان، وأطلعه على طرحه بترشيح النائب فرنجية.
وأكد الحريري دعمه الكامل لسلام ولتفعيل العمل الحكومي. ومن ناحيته عرض رئيس الحكومة للحريري العقبات التي تعترض عمل حكومته والمناكفات التي ادت الى تعطيل الكثير من امور المواطنين، وسعيه الدائم لجمع كامل مكونات الحكومة في ظل المشاكل الكبيرة التي تعصف في لبنان والمنطقة، وعمله الدؤوب من اجل تسيير شؤون البلاد في ظل هذه الظروف الصعبة وتحمله المسؤولية في ظل الفراغ الرئاسي  من خلال مؤسسة مجلس الوزراء.
لقاء الصيفي
من ناحيته وصف وزير الاقتصاد الان حكيم لـ«للواء» لقاء الرئيس الحريري ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل بالممتاز وأكد ان وجهات النظر كانت متطابقة بين تيار المستقبل وحزب الكتائب، لا سيما بالنسبة الى احترام القانون وتطبيق الدستور وضرورة اجراء الانتخاب الرئاسية وفقا للعملية الديموقراطية.
وكشف حكيم الاتفاق على استمرار التواصل والتشاور بين الحزب والتيار، واوضح وزير الاقتصاد ان الرئيس الحريري كان واضحا بمواقفه التي اعلنها وهو اكد على اقتراحه بالسير في ترشيح النائب فرنجية وبتطوير هذا الاقتراح، اما النائب الجميل فجدد تأكيده لموقف الحزب غير المعترض على اي اسم او شخص طالما يوافق البرامج والمبادىء الذي يطالب بها حزب الكتائب، مشيرا ان لا مشكلة مع الاشخاص بل مع البرامج.
ونفى عضو المكتب السياسي الكتائبي ألبير كوستانيان في تصريح لـ«اللواء» ان يكون الرئيس الحريري سعى إلى إقناع رئيس حزب الكتائب بترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، وقال: ان موقف حزب الكتائب ثابت وينم عن استقلالية وهو قائم على عدم الدخول في بازارات وايلاء الأهمية لبرنامج المرشح وعدم انتخاب مرشّح من الثامن من آذار، وبالتالي فإن الموضوع لا يتعلق بالاقناع أو عدمه، مضيفاً: «نحن اليوم في حلقة حوارية مع فرنجية بشكل مباشر وليس هناك حاجة لأي وسيط».
مصالحة ريفي
ووصفت مصادر مطلعة لقاء الحريري بالوزير ريفي في «بيت الوسط» بأنه كان جدياً وصريحاً، وانه حقق كسراً حقيقياً للجليد بينهما، وهما تحدثا عن مجمل ما حدث من مستجدات حول الموقف الذي اتخذه ريفي في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة ورد الحريري القاسي على موقفه، وشددت المصادر على ان الخلاف بين الرجلين ليس خلافا مبدئيا، واشارت الى ان السبب الرئيسي لهذا الخلاف هو بسبب صعوبة التواصل بين الحريري وريفي، خصوصا وان من المعروف عن ريفي اتخاذه لمواقف دون العودة او التشاور مع الرئيس الحريري.
واعتبرت المصادر حضور ريفي احتفال «البيال» بالخطوة الجيدة باتجاه كسر الجليد.
وردا على سؤال اكدت المصادر ان الوزير ريفي سيشارك في جلسة مجلس الوزراء الخميس طالما ان بند احالة ميشال سماحة الى المجلس العدلي مطروح على الجلسة..
لكن المصادر لفتت الى انه في حال اتخذت المحكمة العسكرية قرارها النهائي في ملف سماحة يوم الخميس المقبل موعد انعقادها فسيصبح من المستحيل ان يحيل مجلس الوزراء الى المجلس العدلي هذا الملف، اما في حال لم يبت بمصير البند فلكل حادث حديث.
وكشفت المصادر أن ريفي لن يستسلم بل سيلجأ الى العدالة الدولية في ملف سماحة من خلال الخيارات التي كان أعلن عنها.
تقاطر دبلوماسي إلى «بيت الوسط»
في هذا الوقت، سجل «بيت الوسط» تقاطراً دبلوماسياً عربياً ودولياً تناول في بعض أحاديثه الخطاب المفصلي للرئيس الحريري بأبعاده الحوارية والتصالحية.
وكان في مقدمة هؤلاء سفير المملكة العربية السعودية في بيروت علي عواض عسيري الذي أمل ان يُشكّل خطاب الحريري في البيال خطوة أولى تسهم في إطلاق دينامية جديدة تنهي الشغور الرئاسي وتطلق عجلة الاقتصاد وتحصن لبنان من الاخطار الإقليمية.
ووصف سفير الإمارات في لبنان حمد بن سعيد الشامسي الخطاب بأنه «يعبر عن رؤية واضحة للحفاظ على ثوابت لبنان ومؤسساته الدستورية، معرباً عن أمله بأن يكون وجود الرئيس الحريري عاملاً لإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى.
ورأى القائم بالأعمال الأميركي السفير ريتشارد جونز بعد زيارة «بيت الوسط» ان الوقت حان لانتخاب رئيس للجمهورية، وهذه الرسالة يجب ان تصل للجميع، معتبراً ان الإسراع في ملء الشغور هو الأفضل للبنان في هذه المرحلة.
وفي السياق نفسه كان موقف السفير الفرنسي ايمانويل بون وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة سغيريد كاغ.
8 آذار
في المقابل، شهدت لهجة تحالف «حزب الله» - عون تصاعداً، متضمناً لهجة انتقادية وغير مؤيدة لحركة الحريري والتي يفترض ان تشمل الرئيس نبيه برّي من دون ان يُشارك في طاولة الحوار التي ستلتئم غداً الأربعاء، فالامين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله سيضمن خطابه عند السادسة والنصف من غروب اليوم، وفق المعلومات ردوداً على اتهامات ساقها الرئيس الحريري ضده في خطاب «البيال»، فضلاً عن المستجد في ما يتصل بالملف الرئاسي.
والرد الثاني سيكون من تكتل الإصلاح والتغيير والذي يجتمع اليوم برئاسة عون لبحث الخطاب من ثلاثة زوايا:
1- تمسكه بترشيح فرنجية، وما يترتب على هذا الموقف من أداء.
2- استمرار الحوار بين الطرفين، والبحث في زيارة عون إلى «بيت الوسط» أو استبعاد هذا الخيار.
3- تأثير اتصالات الرئيس الحريري لتأمين النصاب للجلسة النيابية المقبلة، وما يمكن ان يقدم عليه تحالف عون - حزب الله الذي يتمسك بأن لا انتخابات ولا نصاب ما لم يكن عون المرشح الأوحد للرئاسة.