لقد قرّر علماء النفس والاجتماع بعد بحوثٍ وتجارب وإستقراء ودراسات معمّقة للظواهر الاجتماعية والاحداث السياسية , من حيث السبب والغايات , ومن حيث الاثار التي تتركها على شخصية الفرد وبنيته الفكرية , وعلى الاجتماع الانساني , أن هذه الظواهر والاحداث الاجتماعية والسياسية , لها تأثير مباشر على تكوين شخصيته وبنيته الفكرية , وهي التي تسيطر على طريقة تفكيره , وتفرض عليه قناعاته وقراراته , وتفرض عليه كثير من السلوكيات بطريقة لا شعورية , بمعنى أنه لا يعلم سبب سلوكه الحقيقي , وكما تسيطر هذه الظواهر على الفرد كذلك تسيطر على الجماعة , وتفرض عليهم قناعات , وبالتالي يكون سلوكهم متاثرا بتلك الظواهر والاحداث .
إذاً الظواهر لها تأثير على مستوى الفرد و الجماعة , وكما أن الفرد يتأثر نفسيا , كذلك الجماعة تتأثر نفسيا , وتشعر بعقدة معينة تجاه جماعة معينة , هذا بناء على نظرية العالم الكبير " إميل دوركهايم " الذي قال : إن الظواهر الاجتماعية هي خارجية عن شعور الفرد , وهي أيضا ليست موجودة في أفراد المجتمع من حيث هم متفرقون , وهي موجودة في الاجتماع من حيث كونهم مجتمعين , وهذه الظواهر تأتي الى عقل الفرد بقوة الجماعة وتفرض عليه ما لا يريد , والبعض عبّر عنها بمصطلح " الجبرية الاجتماعية " , من هنا إعتقد " دوركهايم " بوجود عقل فردي وعقل جماعي , وشعور فردي وشعور جماعي .
أن الانسان قد يتأثر نفسيا بظاهرة معينة , أو بحدث معين , ويؤثر ذلك على طريقة تفكيره , ويكبت في داخله ما تأثر به , وقد يتجلى هذا التأثر ويظهر في سلوكياته تجاه الاشياء .
وكثرا ما نسمع عن إشخاصٍ يعانون من عقدة نفسية , نظرا لبعض التصرفات والسلوكيات التي يقومون بها , ونظرا لبعض التناقضات في حياتهم , مما يجعلهم في حالة إضطراب دائم , وممكن أن يكونوا في حالة عداء لكل شيء من حولهم , وقد تسيطر عليهم حالة الغضب والعصبية والرفض لكل شيء , ومنهم من تسيطر عليه حالة الخوف من كل شيء أيضا , ومنهم مَن يرفض كل شيء ليس نابعا من ذاته , ويعتبر أن كل شيء من الآخر هو باطل وضده ...الى أخره من حالات كثيرة ومتنوعة ....كذلك نسمع عن جماعة أو عن مجتمع كامل يعاني من نفس المشكلة التي يعاني منها الفرد , ويتصرف بشكل جماعي كتصرف فرد .
تعرّف العقدة النفسية – وهي ظاهرة إجتماعية موجودة في كل المجتمعات - بأنها فكرة اومجموعة من الافكار المترابطة والتي يكبتها الانسان جزئيا أو كلياً ، و تكون هذه الأفكار مترابطة بانفعال معين ، كما أنها تكون في صراع مع مجموعة من الأفكار الأخرى , و توصف بكونها استعداد لاشعوري لاينتبه الفرد الى وجودها ولايعرف منشأها أو اصلها ويكون كل مايشعر به هو آثار هذه العقدة في سلوكه وشعوره وجسمه، ومن هذه الآثار القلق الذي يغشاه او الشكوك التي تنتابه واضطرابات جسمية نفسية المنشأ والأشخاص الذين يشعرون بوجود عقدة ما لديهم فذلك نتيجة لما يقوله الناس عنهم, كذلك على مستوى الجماعة قد تشعر بنفس شعور الفرد نتيجة ما يعتقدونه عن مجتمع آخر .
لا يُستبعد أن الظواهر التي نراها في لبنان مثل : خوف الطوائف من بعضها البعض , والاستقواء بالخارج , والشك ببعضهم البعض , ومحاولات إلغاء البعض للبعض الآخر , والتكتل على اساس مذهبي وعصبي , ومحاولة كل طائفة السيطرة على كل أفرادها وعدم السماح لأي فرد منها الخروج عن إجماعها , وفي حال خرج أحد الافراد من الجماعة برأي مخالف صبّ عليه جام غضب الجماعة , ما هي إلا عُقّد نفسية جماعية , يشعرون بسببها بالخوف والنقص أمام الآخر , مما يدفعهم إلى سلوك العداء تجاه الآخر أو سلوك حّذر .