تتصدر محافظة حلب الأحداث، في الأسبوعين الأخيرين، وتشغل موقعا مركزيا في معادلة الصراع المحلي والإقليمي والدولي في سوريا. فهل تشكّل أحداثها مفتاحا للحسم أم مدخلا إلى مزيد من التصعيد؟
وبدا واضحا أن العملية العسكرية الروسية الكبيرة في سوريا تتجه نحو استكمال تغيير المعادلة الميدانية في الشمال الغربي، والتي تشكل فيها حلب بيضة الميزان، بعدما كانت لسنوات ثلاث ساحة صراع لمختلف القوى العسكرية من دون أن ينجح طرف من الأطراف في فرض سيطرته على الآخر.
وقد تمكن الجيش السوري وبدعم جوي روسي، من السيطرة على أهم المفاصل في محافظة حلب، بدءا من مطار كويرس العسكري وتلة برلهي في الشرق، إلى مطار منغ العسكري وبلدات ماير ورتيان ونبل والزهراء ومقالع قرية الطامورة في الشمال إلى بلدة قال والحاضر والعيس في الجنوب.
هدف موسكو، كما يرى خبراء، هو إغلاق الحدود التركية السورية نهائيا والحيلولة دون دخول مقاتلين وأسلحة للجماعات الإرهابية أولا، وحصر هذه الجماعات بين فكي كماشة الجيش السوري والقوات الكردية.
وتحقيق هذا الهدف يتطلب تحقيق السيطرة على كامل الحدود التركية - السورية غرب نهر الفرات التي يبلغ طولها نحو 160 كلم، وهي منطقة منقسمة بين ثلاث قوى:
1ـ داعش يسيطر على نحو 100 كيلومتر بين جرابلس في الشرق وأعزاز في الغرب.
2ـ «وحدات الحماية الكردية» تسيطر على نحو 45 كلم في منطقة عفرين من
3ـ فصائل إسلامية أخرى تسيطر على شريط ضيق بطول نحو 15 كلم شمال أعزاز.
الأمور الآن تجري في غير صالح الفصائل، إذ أصبحت مدينة إعزاز ومحيطها قاب قوسين أو أدنى من الوقوع تحت حصار الجيش السوري في الريفين الجنوبي والشمالي، و«وحدات حماية الشعب الكردي» المدعومتين من قبل روسيا.
ونجحت مجموعات من «وحدات حماية الشعب» الكردي من طرق أبواب مدينة أعزاز ومحيطها من جهة الغرب والشمال، في تقسيم واضح للمعارك: قوات الحماية الكردية اقتربت من غرب المدينة في محيط مشفى أعزاز الوطني وحاجز الشط، و«قوات سوريا الديمقراطية» تطوق الطريق الدولي بين حلب - أعزاز وتهاجم المدينة أيضا.
المقاربة العسكرية الروسية تستند إلى قيام الجيش السوري بشن هجوم من بلدتي نبل والزهراء نحو الشمال الشرقي إلى كفر نايا وتل رفعت ومارع اللواتي تشكلن مع مدينة أعزاز جغرافيا الفصائل المسلحة، في وقت تشن فيه القوى الكردية هجوما من عفرين في الغرب نحو أعزاز والطريق الدولي.
في هذه الأثناء، يستكمل الجيش السوري عملياته العسكرية في محيط نبل والزهراء، وكان آخرها السيطرة على قرية الطامورة المطلة على مواقع للمعارضة.
السيطرة على مدينة إعزاز تعني انتهاء سيطرة الجماعات المسلحة في حلب بشكل شبه نهائي، وانتقال الشريط الحدود الذي تسيطر عليه هذه الفصائل للجيش السوري أو الوحدات الكردية، التي يرى مراقبون أنها تسارع الوقت للسيطرة على إعزاز وضمها إلى كانتون عفرين.
وصرح مصدر عسكري سوري بأن وحدات الجيش تمكنت من السيطرة على رويسة خندق البلاط ورويسة جرد الشوك ورويسة حريقة سليمان وجبل السويدية ورويسة قطيلبة حوكة وقرية كفرتة، في ريف اللاذقية الشمالي.
في هذه الأثناء أقرت التنظيمات الإرهابية التكفيرية على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي بمقتل عدد من أفرادها من بينهم من سمته «القائد العسكري في حركة فجر الشام الإسلامية» نمر الشكري وزكريا أورفلي «القيادي» في الحركة.
التقدم نحو الرقة
واللافت ما ادلى به مصدر عسكري سوري امس إن الجيش السوري يعتزم التقدم باتجاه محافظة الرقة التي تمثل معقلا لتنظيم الدولة الإسلامية بعد الاستيلاء على مواقع متاخمة لحدود هذه المحافظة.
ومن شأن التقدم نحو الرقة أن يمنح القوات الحكومية موطئ قدم مرة أخرى في منطقة لم يكن لها وجود بها منذ آب 2014 وتعقيد أي محاولة من قبل السعودية لإرسال قوات برية إلى المنطقة بغرض قتال الدولة الإسلامية.
وقال المصدر العسكري المطلع على الأمر إن العملية مستمرة منذ عدة أيام. واستعاد الجيش خلال اليومين الماضيين عددا كبيرا من المواقع من الدولة الإسلامية في المنطقة الحدودية بين حماة والرقة.
وأضاف تستطيع أن تقول إنها مؤشر على اتجاه الأعمال المقبلة باتجاه الرقة. بشكل عام المحور صار مفتوحا باتجاه الرقة. هي منطقة على الحدود الإدارية بين حماه والرقة.
هم على مسافة 35 كيلومترا من الطبقة.. إحدى مناطق الرقة.. فيها السد المعروف والمطار المعروف. المسافة 35 (كيلومترا) عن الطبقة هي من اتجاه الحدود الجنوبية الغربية باتجاه حماه.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان امس إن الحكومة السورية تستعد للتقدم صوب الرقة معقل تنظيم الدولة الإسلامية. والتقدم صوب الرقة سيمنح الحكومة السورية من جديد موطئ قدم في المحافظة لأول مرة منذ عام 2014 وقد يستهدف استباق أي خطوة من جانب المملكة العربية السعودية لإرسال قوات برية لمحاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد في سوريا.
الجيش التركي قصف أهدافا لمسلحين أكراد
من جهته، قال مصدر حكومي تركي لرويترز امس إن الجيش التركي قصف أهدافا لمسلحين أكراد بالقرب من بلدة أعزاز في شمال سوريا لكن المصدر لم يدل بمزيد من التفاصيل عن مدى كثافة القصف وأسبابه.
وأضاف المصدر «أطلقت القوات المسلحة التركية قذائف على مواقع للأكراد في منطقة أعزاز.» في إشارة لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية.
وجدد رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو ان بلاده ستتحرك عسكريا عند الضرورة ضد مقاتلي حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا الذي تعتبره انقرة جماعة ارهابية. واضاف في كلمة متلفزة في مدينة ارزينجان «نستطيع اذا لزم الامر ان نتخذ في سوريا نفس الاجراءات التي قمنا بها في العراق وقنديل» في اشارة الى حملة القصف التركية ضد معقل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
واضاف «نتوقع ان يقف اصدقاؤنا وحلفاؤنا معنا».
واستهدفت المدفعية التركية السبت مناطق سيطر عليها المقاتلون الاكراد خلال الايام الماضية في ريف حلب الشمالي في شمال سوريا، وفق ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان ومصدر كردي وكالة فرانس برس.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن «ان القوات التركية قصفت أماكن خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية في ريف اعزاز وريف حلب الشمالي، حيث استهدف القصف قرية المالكية ومنطقة منغ التي سيطرت عليها الوحدات الكردية قبل نحو يومين بالاضافة الى منطقة عفرين».
من جهته، اكد مصدر في وحدات حماية الشعب الكردية لفرانس برس استهداف المدفعية التركية قرية المالكية ومطار منغ العسكري الذي سيطر عليه المقاتلون الاكراد في 11 شباط.
وتعتبر انقرة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب التابعة له فرعا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا منذ عقود على الدولة التركية كثفه في الاشهر الاخيرة.
وردت تركيا بغضب هذا الاسبوع على تصريحات المتحدث باسم الخارجية الاميركية قال فيها ان واشنطن لا تعتبر حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي منظمة ارهابية وستواصل دعم عملياته في سوريا.
وقال داود اوغلو ان «الكادر القيادي والايدولوجي في حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي هو ذاته».
والاسبوع الماضي صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية جون كيربي ان المقاتلين الاكراد «كانوا من انجح الفصائل» في القتال ضد جهاديي تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا. وقال ان الولايات المتحدة دعمت المقاتلين الاكراد خصوصا بالغارات الجوية «وهذا الدعم سيستمر».
واعلنت تركيا العام الماضي انها قتلت العشرات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني ودمرت معاقلهم في غارات عبر الحدود مع العراق.
طائرات سعودية تصل إلى تركيا
كشف وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو» امس، أن السعودية ترسل طائرات إلى قاعدة إنجرليك العسكرية في تركيا لمحاربة تنظيم داعش، مؤكداً على دعم بلاده لاستعداد السعودية المشاركة في التدخل العسكري البري في سوريا.
«أوغلو» أكد على ضرورة إجراء تدخل بري في سوريا ضمن استراتيجية معينة، واستعداد بلاده والسعودية للمشاركة فيه.
ونقلت صحيفتا «يني شفق» و«خبر ترك» عن جاويش أوغلو قوله بعد مشاركته في مؤتمر ميونيخ «غذا كانت هناك استراتيجية (ضد تنظيم داعش) فسيكون من الممكن حينها أن تطلق السعودية وتركيا عملية برية».
وتابع الوزير «يقول البعض أن تركيا مترددة في المشاركة في مكافحة داعش لكن تركيا هي من يقدم مقترحات ملموسة».
أوغلو أضاف أيضاً أن السعودية «ترسل طائرات إلى تركيا (قاعدة إنجرليك). وصل (مسؤولون سعوديون) للاطلاع على القاعدة. وحتى الآن ليس واضحا كم عدد الطائرات التي ستصل».
الوزير التركي أكد «أن السعوديين قالوا إذا لزم الأمر يمكننا أيضا إرسال قوات برية، فالسعودية تظهر تصميما كبيراً في مكافحة الإرهاب في سوريا».
جاويش أوغلو كشفت عن أن القيادة السعودية أرسلت فرقاً استكشافية إلى تركيا لإجراء عدد من التحريات، وذلك تمهيداً لإرسال مقاتلاتها التي ستشارك في الحرب على التنظيم، وفقاً لما نشرته صحيفة ديلي صباح التركية.
وتعتبر السعودية وتركيا أن الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد أمراً ضروريا لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا وينتقدون بشدة دعم إيران وروسيا للنظام.
وردا على سؤال عما إذا كانت السعودية سترسل قوات إلى الحدود التركية للتدخل في سوريا، قال جاويش أوغلو «هذا أمر يمكن أن يكون مرغوبا. لكن ليس هناك خطة. فالسعودية ترسل طائرات وقالت عندما يحين الوقت اللازم للقيام بعملية برية، يمكننا أن نرسل جنوداً».
تصريحات أوغلو تأتي بعد أن أعلن الرئيس الأسد لوكالة فرانس برس في مقابلة، تصميمه على استعادة كافة المناطق السورية والاستمرار في »مكافحة الإرهاب».
خطة للتدخل البري
من جانبها حذّرت روسيا على لسان رئيس وزرائها «ديمتري مدفيديف» من أن «حرباً عالمية جديدة» ستنشب في حال التدخل البري في سوريا.
وتخشى العديد من الدول من نشوب مواجهة مباشرة بين القوات الإيرانية والسعودية في حال تدخّلها في سوريا وأبدت مخاوفها من اتساع نطاق الحرب في حال حدوثها.
وتوقع وزير الدفاع الأميركي أن ترسل السعودية والإمارات قوات خاصة إلى سوريا من أجل دعم مقاتلي الفصائل المسلحة في معركة استعادة مدينة الرقة، معقل تنظيم «داعش» في سوريا. ولم يؤكد الوزير توقيت إرسال تلك القوات أو عددها.
روسيا ترسل طرادا قاذفا للصواريخ
اعلنت روسيا امس إرسال طراد لإطلاق الصواريخ إلى البحر المتوسط، ويتوجه حاليا الى سواحل سوريا بحسب معلومات صحافية.
والطراد «زليوني دول» المجهز بصواريخ عابرة من طراز «كاليبر» الذي انضم الى الاسطول الروسي في البحر الاسود في كانون الاول الماضي، ابحر باتجاه البحر المتوسط على ما اعلن اسطول البحر الاسود في بيان.
ونقلت وكالة الانباء ريا-نوفوستي عن مصدر أمني في القرم- حيث يتمركز اسطول البحر الاسود ـ ان الطراد يتوجه الى سوريا وقد يشارك في الحملة العسكرية الروسية لدعم الجيش السوري النظامي.
وقال المصدر نفسه «ان اهداف السفينة لم تكشف لكن بما انها مجهزة بصواريخ عابرة طويلة المدى، فانه يفترض عدم استبعاد مشاركتها في العملية العسكرية».
احصاء «خمس هجمات كيميائية»
أعلن فريق خبراء تابع للامم المتحدة في تقرير رفعه الى مجلس الامن الجمعة انه احصى خمس هجمات كيميائية خطرة «من المحتمل» ان تكون وقعت في سوريا خلال العامين 2014 و2015، مشيرا الى انه لم يتوصل بعد الى تحديد الجهات المسؤولة عنها.
وكان هذا الفريق الذي كلفه مجلس الامن في آب 2015 التحقيق في هجمات كيميائية وقعت في سوريا ولا سيما بغاز الكلور، بدأ في تشرين الثاني تحقيقاته بهدف تحديد الجهات المسؤولة عن هذه الهجمات.