كل الأنظار غداً الى مجمع "البيال" حيث يقام الاحتفال باحياء الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. لا يمكن الزعم أن الذكرى هذه السنة تقل أهمية ودلالات عن السنوات السابقة منذ وقوع زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخصوصا في ظل سنوات حرب الاغتيالات التي تعاقب مسلسلها وطاول شهداء من "ثورة الأرز" ورزح لبنان طويلا تحت وطأتها الدامية سياسيا وأمنياً. لكن الذكرى الحادية عشرة تبدو مثقلة هذه السنة ليس بآثار معاني الجريمة التي أودت بالرئيس الحريري بما كان عليه من حيثيات استثنائية فحسب وانما أيضاً بالخشية الكبرى على "أبناء الثورة" الاستقلالية الثانية الذين حملوا لواء المضي في الدفاع عن مشروع الدولة والاعمار والسلام والاعتدال والسيادة بعدما تنامت الى حدود شديدة الخطورة وغير مسبوقة أخطار تداعي تحالف قوى 14 آذار في ظل أزمة الفراغ الرئاسي المتمادية على أيد داخلية واقليمية معروفة، فاذا بالارتدادات الخطيرة تصيب من يجب ان يبقوا جاهزين مستنفرين عند خطوط الدفاع عن النظام والدستور ومبادئ "انتفاضة الاستقلال".
تجري التحضيرات الأخيرة لاحياء الذكرى غداً فيما تعتمل بعمق أزمة ضياع الاستراتيجية السياسية لقوى 14 آذار التي شهدت انفصاماً هو الأخطر قبل أشهر لم يعد جائزاً التستر على تداعياته وانعكاساته كالمريض الذي يرفض الاعتراف بمرضه أو علته فيما هو يقترب من مستويات الخطورة المتقدمة. ذهب ركن أساسي من هذه القوى فجأة الى تأييد مرشح من الخصوم، فلاقاه بل واجهه فجأة ركن أساسي آخر بترشيح آخر من الخصوم أيضاً والأنكى ان القابض على زمام الأزمة لم يرضه بعد تلقي "الهديتين" تاركاً الكلمة الحاسمة لتوقيته بل لأجندته الاقليمية فيما أهل 14 آذار باتوا يتوزعون محاور متباينة. وفي ظل هذا الواقع تثار الاسئلة بل الشكوك الكبيرة حول ما اذا كانت الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ستشكل حافزا لأهل "ثورة الأرز" لاعادة الاعتبار الى منطلقات هذه الثورة واذا كان شبح انهيار التحالف سيشكل قوة دفع معاكسة لاعادة لملمة الصفوف القيادية التي ابتعدت كثيراً عن قواعدها وجمهورها تحت وطأة عوامل الكثير منها يسأل عنه القادة السياسيون والحزبيون في التحالف وخصوصاً لجهة القصور الهائل في عدم التماسك وراء استراتيجية واحدة في معركة ملء الشغور الرئاسي.
وسط هذه المناخات القاتمة ليس غريباً ان تحمل الكلمة الوحيدة التي ستلقى غداً في احتفال "البيال" للرئيس سعد الحريري الكثير من الترقب والانتظار والقلق كما ستحمل آمالاً عريضة. ذلك ان الانشطار الذي حصل بين ترشيحين لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ورئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون على أيدي الرئيس الحريري ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وبالشكل الصدامي الذي اتخذته "المبادرتان"، أرخى على عاتق الزعيمين تبعة كبرى لم تشفع في تبريرها الرغبة الحارة لدى كل منهما في كسر الحصار الذي يحكم طوقه "حزب الله" تحديداً على الانتخابات الرئاسية بالتكافل والتضامن مع حليفه العماد عون من خلال تسببهما باخفاق 35 جلسة انتخابية حتى الآن في انتخاب رئيس للجمهورية. فيما سجلت الأزمة الرئاسية الراهنة الرقم القياسي في تجارب الفراغ التي عرفها لبنان سيكون طبيعياً أن تعود "انتفاضة الأرز" الى أصولها ومبادئها وتماسك صفوفها، وإلاّ فإن التوازن المفقود والخلل السياسي الضارب بقوة في مفاصل السياسة وبقايا الدولة لن يفضي إلا الى نتيجة مأسوية خطيرة واحدة هي اطاحة النظام وليس فقط قوى قامت على أساس الدفاع عن مشروع الدولة برمته. ولعل الصورة الرمزية الأكثر تعبيراً عشية الذكرى تمثلت في احتلال 128 تلميذاً وتلميذة من مدرسة الحاج بهاء الدين الحريري في صيدا مقاعد مجلس النواب في ساحة النجمة أمس تحية لذكرى الرئيس رفيق الحريري في "رسالة حب للوطن تستلهم مواقف الرئيس الشهيد وتمسكه بدولة القانون والمؤسسات وبالنظام البرلماني الديموقراطي".

سعيد
وعشية الذكرى قال منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعَيد لـ"النهار"، في خلاصة للقاءاته واتصالاته المعلنة وغيرالمعلنة في الرياض وبيروت قبل ذكرى 14 شباط، "إن ما يجري في سوريا حرب عالمية مصغّرة وأكبر من محاولات اللبنانيين فصل وضع بلادهم عن الوضع السوري"، واصفاً تأييد مرشحين للرئاسة قريبين من "حزب الله" بأنه "كان تنازلاً لمحاولة رشوة هذا الحزب وإيران ولكن تبيّن أن المسألة غير ناضجة لديهما، ولا قدرة لدى أحد على كسر قرارهما احتجاز رئاسة الجمهورية حتى يضطر الجميع إلى الموافقة على شروطهما". ورأى أن "حزب الله يريد تفاهماً مع المسلمين السُنّة على مستقبل النظام في لبنان وتوزيع الحكم فيه"، ملاحظاً أن "حوار "تيار المستقبل" و"حزب الله" هو الذي يدير لبنان حالياً".
وأكد سعَيد "أن 14 آذار بصرف النظر عن تنظيماتها لا تزال تشكل حاجة لمواجهة الأخطار الكبيرة المحتملة، والناس لا يزالون مع هذه الحركة الإستقلالية ويدعون الزعماء للعودة إليها". وجزم بأن "كل الأطراف سوف يشاركون في مناسبة إحياء 14 شباط الوجدانية والعاطفية والتأسيسية، وستسودها الرصانة السياسية".