رحل زين العابدين بن علي،رئيس تونس، بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية ضده، وكان النظام التونسي من
الأنظمة الراسخة والمتماسكة ظاهريا، وما زالت صورة الشاب التونسي بو عزيزة ،الذي أحرق نفسه، فداءّ لقيم
العدالة والحق الطبيعي بالعيش الكريم، ماثلة في أذهان الأحرار، وما يزال صوت الشاب التونسي الذي بدا
وحيدا في الشارع المهجور،يصرخ بأعلى صوته: بن علي هرب، عاشت تونس حرة، بن علي هرب، بن علي
هرب، يتردد صداه في ضمائر الشعوب التواقة للحرية والعدالة الاجتماعية. أمّا الرئيس المصري حسني مبارك،
فقد غالب الإرادة الشعبية، واتكل على القوى الأمنية في تأخير سقوطه المريع، وعرفت مصر انتفاضة
جماهيرية عظيمة لم تقو قوى التسلط والاستبداد عليها، حتى اضطر الرئيس مبارك على التنحي تحت ضغط
الشارع والجيش الذي آثر المصلحة العليا للبلاد. في ليبيا، أمضى الزعيم الليبي معمر القذافي فترة حكمه
الطويلة وهو يُبشّر بعصر الجماهير، وعندما خرجت الجماهير لتقول كلمتها تنكّر لها، وبما أنّ الغرب كان
مستعجلا للخلاص من نظام القذافي، فقد سارع للقضاء عليه عسكريا، حتى قُتل في طريق صحراوي، في
الصحراء التي كان يدعي حبه وتفانيه لها،بدليل الخيمة التي كانت ترافقه في حلّه وترحاله. في اليمن ،قاوم
علي عبد الله صالح انتفاضة اليمنيين، واستعمل مختلف الولاءات القبلية والعصبية والعسكرية لاطالة أمد
بقائه، وبعد إصابته البالغة في قصره الجمهوري، وانتقاله إلى السعودية للعلاج، فقد عاد إلى البلاد واضطر
إلى الاستقالة والتنحي عن مقاليد الحكم. مناسبة هذا القول، أنّ الرئيس بشار الأسد ورث حكم سوريا من
والده، حتى شارفت فترة الحكم الأسدي نصف القرن، وكان من المفترض أن يكون بشار أول الراحلين، بعد
اندلاع الثورة السورية، فإذا به يثبت أنّه سيدُ التشبث بالحكم والسلطة، وسيد المجازر، وما لم يقو عليه
القذافي وبن علي ومبارك وصالح، هاهو الرئيس الأسد يظهر جدارته في تدمير البلد وترحيل سكانه، بفضل
المدد الإيراني والروسي، وميليشات مؤيدة بجنود من الملائكة لم تروها ولن تروها، وتقاعس الغرب وتواطؤه.
ومع ذلك سيكون الرئيس السوري آخر الراحلين ولا شك، ولا فخر طبعاً.