على مدى أكثر من ساعة، وقف السوري حسّان المعراوي يروي كلّ ما حصل معه خلال تنقلاته من لبنان إلى سوريا.
ما إن طلب منه رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن خليل ابراهيم أن يتحدّث بصراحة، حتى نزل عند طلبه من دون أن يكلّفه عناء طرح الكثير من الأسئلة.
وبدا واضحاً أن ابن القصير يختزن الكثير من المعلومات، فيما يبقى أبرزها علاقته المباشرة بسيارة مفخّخة من نوع «غراند شيروكي» كان من المفترض أن يتمّ تفجيرها في منطقة المعمورة بالضاحية الجنوبية خلال عيد الأضحى، قبل أن يقوم الجيش اللبناني بتفكيكها وضبطها في منتصف تشرين الأوّل 2013.
استطاع المعراوي، الذي انتقل سريعاً من مساعدة الجرحى للقتال إلى جانب «كتائب الفاروق» في «الجيش الحر» ثمّ تأليفه مجموعة مسلّحة مكوّنة من 25 عنصراً، أن يوطّد علاقاته مع التنظيمات المسلّحة في سوريا.
كان «أبو مصطفى» من الأوائل الذين قدّموا الدّعم إلى «جبهة النّصرة» في القصير، إذ أتاحت له فرصة الدخول لفترة إلى السّجون السوريّة التعرّف على أحد قياديي «النصرة» وهو «أبو العباس» الذي صار يتواصل معه عبر «سكايب» حتى أخبره في بداية العام 2012 أنّ هناك مجموعة تحمل اسم «جبهة النصرة» ستستقرّ في القصير، على أن يكون مسؤولها هو مسؤول منطقة حمص الملقّب بـ «أبو همام». وما إن انتقلت «الجبهة» إلى مسقط رأسه، حتى بدأ يتردّد إلى أميرها في القصير «أبو علي» ومسؤولها الشرعي «أبو الزبير» اللذين كانا يطلبان منه مساعدات في صرف الأموال وتأمين الأكل ومعرفة المناطق.
ولم يكتف الرّجل بذلك، بل تكفّل أيضاً ببدء التنسيق بين «النصرة» و «الجيش الحرّ» عبر مسؤوله موفّق أبو السوس الملقّب بـ «الجربان» (تولّى منذ أيّام إمارة القلمون في داعش). وبعد اللقاء الأوّل، كانت النتيجة «مثمرة»: انفجار شاحنة محمّلة بـ19 طنا من المتفجّرات في القصير.
وبرغم انزعاجه من الطّرفين اللذين لم يخبراه بشأن الشاحنة، إلا أنّه لم يقطع معهما وبقي يتردّد إلى مقرّ «النصرة» الملاصق لمقرّ مجموعته العسكريّة، حيث تعرّف هناك على أحد المسلحين الذين بايعوا «النصرة».
في البداية، ظنّ المعراوي أنّ «أبو القاسم» الذي يحمل الجنسيّة الجزائرية ويتحدّث لغتها هو مقاتل مهاجر، قبل أن يتقرّب منه ليكتشف أنّه ابن بابا عمرو وليصبحا بعد مدّة قصيرة أصدقاء.
وبعد سقوط القصير، طلب منه أبو القاسم أن يأخذ مبلغ 62 ألف دولار (منه 100 ألف ريال سعودي) وأمّنه أن يعطيها لأولاده، لأنّه يشعر أنّه سيموت على الطريق.
أمّا أمير القصير في «الجبهة»، فما إن علم بقرار المعراوي بدخوله إلى لبنان خلسةً لأنّه كان يعمل سابقاً فيه كعامل ديكور، حتى طلب منه أن يساعده في تحويل الأموال من أشخاص يلتقيهم في لبنان إلى سوريا.. فكان له ما أراد.
وبدأ الرّجل يستلم الأموال إلى أن اتصلت به مخابرات الجيش طالبةً حضوره. خاف المعراوي فقرّر العودة إلى سوريا وتحديداً إلى يبرود عن طريق عرسال، ليعاود الاتصال بـ «أبو القاسم» الذي أخبره أنّه ترك «جبهة النصرة» وأسّس كتيبة مسلّحة تحمل اسم «أنصار الشريعة»، مطالباً إيّاه بالأمانة.
وهكذا بدأ المعراوي يأتي له بالمال الذي تركه في منزل شقيقته على دفعات حتى بقي له في ذمتّه أقلّ من 6000 دولار حينما عاد إلى لبنان واضطر أن يستعملها لاحقاً لشراء أكثر من سيارة. فكان كلّما اشترى واحدة يتبيّن له أنّها غير صالحة للاستعمال.. حتى ثبت على سيارة من نوع «غراند شيروكي».
كان «أبو القاسم» قد انتقل رسمياً إلى «داعش» وأبلغه بذلك عندما نقل له رغبة أسامة منصور (الذي تعرّف عليه في القصير) بشراء سيارة ليعمد إلى تفخيخها وتفجيرها في لبنان، فردّ «أبو القاسم» بأنّ لديه «سيارات جاهزة» (أي مفخّخة)، وطلب منه أن يزوّده بالمبلغ الذي بقي له من الأمانة.
ارتبك المعراوي ولم يخبره أنّه صرف المبلغ بأكمله بعد أن تبيّن له أن سيارته الجديدة أيضاً تحتاج إلى الكثير من التصليحات. في البدء، عرضها للبيع بـ4000 دولار أميركي وصارح «أبو القاسم» بالحقيقة متمنياً عليه أن يصبر قليلاً حتى يؤمّن المبلغ.
ولما لم يجد شاريا للسيارة، قرّر أن يأخذها إلى يبرود عبر أحد المهربين وانتقل هو عبر فان للركّاب لأنه مطلوب.
في إفادته الأوليّة، يشير المعراوي إلى أنّه حاول إقناع «أبو القاسم» أن يأخذ السيارة لأنّها «لبنانيّة نظاميّة وبالإمكان الاستفادة منها»، فرفض الأخير هذا العرض.
أما خلال استجوابه أمام المحكمة العسكريّة، فيؤكّد الموقوف أنّه لم يفعل، بل اتّصل به «أبو القاسم» بعد حوالي الأسبوع وأخبره بأنّه بحاجة للمال، طالباً منه أن يقصد مقرّ «داعش» في القلمون ويعطي السيّارة لـ«أبو عبدالله العراقي» كبدلٍ عن الأموال «حتى نبقى أصحاب».
هكذا قصد صديقه محمود المحمود الذي اصطحبه إلى مركز «داعش» في مزارع ريما في القلمون، ليلتقيا بـ «أبو عبدالله العراقي» ويسلّماه السيارة وأوراقها الشرعيّة.
لم يرد في ذهن المعراوي، كما يقول، أنّ «داعش» سيقوم بتفخيخ السيارة ولم يفكّر في الأمر إلا عندما لمّح له بذلك أمير «الكتيبة الخضراء» السعودي عمر سيف (انضمّ وكتيبته المؤلّفة بأكثريتها من سعوديين إلى داعش لاحقاً)، الذي كان قد طلب منه مساعدته في تأمين هويات مزورة من أحد المزوّرين في بريتال.
وعند سماعه بالأمر من سيف، صار يتردّد على مقرّ «داعش» لملاقاة الأمير من دون جدوى، حتى كاد الموجودون هناك أن يقتلوه قبل أن يعدوه بأنهم سوف ينقلون إلى «أبو عبدالله العراقي» رسالته بعدم تفخيخ السيّارة لأنّ اسمه على الأوراق.
وبعد أن أنهى المعراوي أمر السيّارة وارتاح لوعد «الدواعش» على اعتبار «أنني كنت أفكّر أنهم يخافون الله»، عاد أدراجه إلى لبنان ومن دون أن يتوقّف كثيراً عند عمليّة إحباط عمليّة تفجير سيارة مفخخة من نوع «غراند شيروكي» في محلّة المعمورة في الضاحية، بل إنه لم يربط بين الأمرين إلا عندما رأى لوحتها على الانترنت والتي تحمل رقماً مميّزاً هو «234777».
ارتعد «أبو مصطفى» خوفاً، وقصد أحد الأشخاص المقربين من «حزب الله»، حسبما يقول، والذي نصحه بالخروج من لبنان، إلا أنّ القوى الأمنيّة كانت أسرع لتلقي القبض عليه بعدما وجدت اسمه على صكّ البيع.
كيف وصلت السيّارة المفخّخة إلى «المعمورة»؟
كيف وصلت السيّارة المفخّخة إلى...لبنان الجديد
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
السفير
|
عدد القراء:
2233
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro