عندما لفحت رياح الربيع العربي البلاد العربية من مشرقها إلى مغربها، استبشرت هذه الشعوب خيراً بسقوط الديكتاتوريات القابضة على رقابها منذ أكثر من أربعة عقود، وتطلّعت إلى مستقبل واعد بالديمقراطية والحريات ووقف الهدر والفساد، وتأمين فرص عمل لملايين الشبيبة التي تعاني البطالة والتهميش.
ورغم ما صادفته ثورات الربيع العربي من نجاحات بارزة في تونس وليبيا ومصر واليمن ، وما رافقها من إخفاقات وانتكاسات في مصر وليبيا واليمن، ومن اصطدام عنيف ومريع في سوريا بين قوى الثورة والنظام الديكتاتوري، إلا أنّها تظل علامة فارقة في تاريخ الأمة العربية مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
فقد انهارت ديكتاتوريات تونس وليبيا ومصر واليمن، وما زال دكتاتور سوريا ممعنا في تدمير البلد، البلد التاريخي والحضاري والعروبي والإسلامي وملتقى الأديان والثقافات، وما زال العالم شاهدا على سقوط هذا البلد في حمأة صراع دموي وتدميري لم تعرفه البشرية منذ الحرب العالمية الثانية.
ورغم الانتكاسة الخطيرة التي أصابت ربيع اليمن العربي، فلا يزال هذا البلد يكافح للخلاص من مخازي الدكتاتور العائد على أجنحة المذهبية ليُمعن في تأخير خلاص هذا البلد المرجو.
وكما كان الربيع العربي واعداً، كان التدخل الخارجي فجّاً ومُروعاً، من إيران إلى اميركا إلى روسيا، وتركيابادوار متعددة، لا ترقى إلى الموقف الذي يساهم في الخلاص العربي، إلا أنّ أسوأ ما أفرزه الربيع العربي، والذي لم يكن بالحسبان، تنامي أدوار الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن ، مليشيات تزرع الحقد والدم والخراب في المشرق العربي ومغربه.
ومازال الربيع العربي يعاني من تعاظم لعبة الأمم على أرضه،أمم بمصالح متنافرة، وهيئات إنسانية عاجزة، وقيادات دولية مترددة ومحبطة، وأكثر ما يطفو على السطح من خيبات ومخازي أن تكون الساحة العربية والإسلامية قد تحولت إلى سوقٍ رائج للأسلحة الفتاكة، يتغذى من استمرار الصراع الدموي والنزيف العمراني والإنساني.
أمّا تنامي الاصوليات المنفلتة من عقالها فهمٌ ّدائم ومُستجد بأشكال عُنفية لا يتحملها عقلٌ ولأ جنون.