يتخوف الأمين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي من استخدام النظام السوري أسلحة فتاكة وحصول إبادات واسعة مطالباً المجتمع الدولي بالإسراع لإقناع بشار الأسد بالتنحي أو إجباره على ذلك. وأشار إلى ان أعضاء الائتلاف الوطني المعارض هم المعارضة الحقيقية الأكثر تعقلاً وحكمة وتمنى من جهة أخرى، أن لا تستخدم القدرات العسكرية لحزب الله التي تتطور إلا في قتال العدو الصهيوني.
ورأى إمكان تشكيل أفراد وتيارات تحررت من قيود سياسة الاطماع والاحقاد والصراع بين الشعوب والدول، تيار جارف يضغط بقوة على مواقع القرار في العالم وتحويل العولمة إلى مشروع تكامل بين الشعوب.
هذه المواضيع وغيرها تشكل محاور هذه الحلقة من الحوار مع الشيخ الطفيلي.
أجرى الحوار زين حمود
*أجاز الاسلام القتل للدفاع عن النفس ودفع الظلم
*في صفوف المعارضة السورية مسلحون يقترفون الكثير من المحرمات ويقتلون الابرياء وجزء من هؤلاء مرتبط بأجهزة السلطة أو جهات خارجية
*إسرائيل ستزول حتماً بحكم سنة الحياة وتأكيد القرآن
*أنظمة الحثالة الحاكمة أوصلت الأمة إلى السقوط ولن نخسر شيئاً في زمن الفوضى الخلاقة
*بالإمكان تشكيل تيار جارف يضغط بقوة على مواقع القرار في العالم
*المشاريع القومية أفكار غربية انتهت حيويتها
# أعلن وزير الاعلام السوري ان سوريا دخلت الآن في أعقد مرحلة وأخطرها، ما رأيك بهذا التوصيف ولماذا؟
- منذ فترة تحول النظام السوري من سياسة الهجوم العسكري إلى الدفاع، واستخدام الطيران والأسلحة البعيدة في محاولة منه لتخفيف الخسائر في صفوف جنوده، وشهدت هذه الفترة سقوط العديد من المدن والمواقع العسكرية في يد المعارضة، مما ينذر بقرب المعركة من مراكز قوة النظام، وهذا يكشف ان النظام بات منهكاً، ولن يستطيع الصمود طويلاً، واذا استمرت المعركة العسكرية سيشهد الشعب السوري محنة عظيمة، قبل أن تصل المعركة إلى نهايتها، ومجدداً أطالب النظام ومن يدعمه بإعادة النظر بالمواقف الرافضة لاستقالة الرئيس، والانتقال إلى مرحلة انتقالية انقاذية بشكل سلمي.
مسوغات القتل
# تتزايد أعمال العنف في سوريا، من الوجهة الشرعية القتل حرام، لكن هل من مسوغات شرعية له في بعض الاحيان؟
- قال الله عز وجل ((من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً))، الأصل عدم جواز القتل إلا لسببين: القتل قصاصاً وهو قوله تعالى: ((كتب عليكم القصاص في القتل)) والثاني الفساد في الأرض، قال عز وجل ((إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً)) جعل الله عز وجل قتل نفس كقتل الجنس البشري، واحياء نفس – أي مساعدتها وانقاذها – كإحياء الناس جميعاً. من جملة مسوغات القتل الدفاع عن النفس، ودفع الظلم، ((أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير)).
# هل يراعي المقاتلون في سوريا أحكام الشرع والدين وحرمة الانسان وحياته وكرامته؟
- في سوريا هناك من يلتزم بحدود الشريعة، ويتحرز من سفك الدم الحرام، وهم كثر ولله الحمد، لكن في المقابل هناك مسلحون في صفوف المعارضة يقترفون الكثير من المحرمات، ويقتلون الأبرياء، وجزء مهم من هؤلاء مرتبط بأجهزة أمنية تابعة للسلطة، أو بجهات خارجية تعمل ضد مصلحة الشعب السوري، وثورته.
# إلى أين تتجه الامور في سوريا في هذه المرحلة؟
- وصل القتال إلى أبواب السلطة المركزية، وهناك تخوف حقيقي من استخدام أسلحة فتاكة، وحصول إبادات واسعة، على المجتمع الدولي أن يسرع لإقناع الرئيس السوري بالتنحي، أو إجباره على التنحي، وتشكيل وزارة انتقالية مرحلية، تحفظ الجميع وتنقل البلاد إلى نظام ديموقراطي مستقر.
# ما رأيك بالائتلاف الوطني للمعارضة الذي شكل في الدوحة مؤخراً؟
- هؤلاء هم المعارضة الحقيقة، الأكثر تعقلاً، وحكمة ، وتمثيلاً للشارع السوري، وهم صمام أمان سوريا في المستقبل، طبعاً دون أن نغفل بعض الوجوه الطيبة خارج هذا الائتلاف، والتي يجب أن لا تبقى خارجة.
قدرات حزب الله
# بالنسبة لحزب الله، بالرغم من الانتقادات التي توجه اليه فإنه يزيد من قدراته القتالية ضد اسرائيل وآخرها ما كشف عنه السيد حسن نصرالله عن ان صواريخ المقاومة قادرة على قصف إسرائيل من كريات شمونة حتى الحدود الاردنية، ما تعليقك على هذا الامر؟
- هذا أمر حسن، يفرح كل مؤمن، ونسأل الله ألا يستخدم هذا السلاح وغيره إلا لقتال العدو الصهيوني.
# هل يمكن اعتبار ان الحروب الاسرائيلية على العرب انتهت الى الأبد بعد تصاعد وتيرة تسليح المقاومات وإظهارها جدوى في الردع؟
- هذه مبالغة في غير محلها، المعركة مع العدو ما زالت في بدايتها، وما زالت المسافة بعيدة بيننا وبين الردع الحقيقي، ولا ننسى أن العدو يملك قدره هائلة على نشر الدمار في العالم العربي، ومن المهم أن نتذكر أن بين يديه أسلحة ذرية. يجب علينا أن نعمل بجهد عظيم لسنوات وبنجاح حتى نصل إلى موقع يخولنا ردع العدو، نسأل الله أن يوفقنا لذلك، ونطهر فلسطين من رجس الصهاينة.
# ما مصير إسرائيل في ظل هذا الوضع؟
- إسرائيل باقية لأمد، نسأل الله أن لا يطول، وستزول حتماً بحكم سُنة الحياة، ووقائع العلم وسيرة البشر، وتأكيد القرآن الكريم لهذه الحقيقة، بقوله تعالى ((وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً.. فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا)).
القرآن الكريم يؤكد أن الكيان الصهيوني سيكون قوياً، ومفسداً في الأرض، وسيحتل المسجد الأقصى، كما يؤكد أن عباد الله سيذلون الصهاينة، ويحررون المسجد، ويدمرون كل ما بناه اليهود، نسأل الله أن يكون لنا شرف المشاركة في هذه الحرب، والشهادة على أبواب القدس الشريف، إنه سميع مجيب.
# هل يمكن، ليس بالتمنيات، بل في الواقع، ان تشهد حرب تحرير فلسطين كل فلسطين قريباً؟
- ((وما ذلك على الله بعزيز)) لكن حسب قواعد القوة الأمر ليس قريباً وهو يحتاج إلى الكثير الكثير من العمل والجهد، وليس لنا حق أن نخدع أنفسنا، وأهلنا، كما فعل عبدالناصر، حينما أوهمنا بظافره وقاهره وخطبه الجوفاء، وترك نصف مليون جندي في سيناء طعمة لسلاح أضعف خلق الله اليهود، واحتلت سيناء، ومعها الضفة والجولان، ولم يبق جندي مصري واحد بين الجيش الصهيوني على القناة والقاهرة، كما اعترف هو بذلك لاحقاً، وما زلنا حتى اليوم نعيش مهانة عبثية حكامنا في تلك الفترة المحزنة والمذلة التي ستبقى تلاحقنا حتى تحرير القدس الشريف.
الفوضى الخلاقة
# من الواضح اننا بتنا نعيش في زمن (الفوضى الخلاقة) التي نظر لها (المحافظون الجدد) في الولايات المتحدة تحت عنوان (الفوضى الخلاقة). فالمذهبية تستشري في كل لبنان وثمة دول مثل السودان قسمت أو جرت فدرلتها مثل العراق فيما تنتشر الاضطرابات في عدد من الدول خاصة في دول ما سمي الربيع العربي. أما سوريا فالتشظي فيها لا يوصف، معنى ذلك ان مخطط تعميم الفوضى يضرب بقوة، كيف يمكن برأيك وقف أو لجم هذه الفوضى؟
- هذا السؤال المرعب يفرض علينا أن نحافظ على أنظمة البؤس العربي. يا أخي الأمر ليس كما يصوره السؤال. أولاً يجب أن نعرف أن أنظمة الحثالة الحاكمة في العالم العربي أوصلت الأمة إلى غاية السقوط، ولن نخسر شيئاً لا في زمن الفوضى الخلاقة، ولا على يد المتمذهبين من أعداء الاسلام في لبنان وغير لبنان، ولا في تقسيم السودان، وفدرالية العراق، والاضطرابات في دول الربيع العربي، ولا في تشظي سوريا، أو غيرها. لا يجوز الاستسلام للموت الذليل، يجب أن لا نخاف ونركع، ونخضع، واجبنا أن نقف، ونناضل لبناء أمة قوية عزيزة، كما أمر الله وسنصل بعونه تعالى، وستنهض الأمة، وترجع إلى موقعها الطبيعي في العالم، ولو بعد حين. نعم في الأثناء وعلى طريق الجهاد سيكون مخاض، وفي بعض الأحيان عسير، وستسفك دماء، وسنتعرض للمخاطر، ولأكثر من فوضى خلاقة، وسينتشر المتمذهبون والمال الحرام، وسيعمل الاعلام وغير الاعلام لإحباط الأمة، ومنعها من النهوض، لكن من المهم أن يدرك الجميع أن الخطر الأعظم يكمن في استسلام الأمة، ورضوخها للأمر الواقع، وقدرها على يد بعض الفاسدين من حكامها. هؤلاء سيرحلون. وستنتصر الأمة ((سيهزم الجميع ويولون الدبر* بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر)) النصر يحمل معه الوحدة، والقوة، والعزة والخير كل الخير. والهزيمة تجر خلفها التمزق والجوع والذلة وكل الأمراض الفتاكة.
فلنحذر الهزيمة وأخواتها، وعلينا المضي نحو تحقيق النصر على الهزيمة في أعماقنا، وفي ساحات الجهاد.
# يتم التعاطي مع المشكلات القائمة باعتبارها مشاكل منفصلة وغير متصلة تتعلق بأوطان ودول وجماعات وأقليات، ناجمة عن صراعات فيما بينها، كيف يمكن معالجة هذه المشاكل مع الاحاطة ببعدها العام والشامل، هل يمكن ذلك بعقد مؤتمر يضع أطروحة تتضمن الرؤى المطلوبة للخروج من دائرة الاستهداف والتعاطي مع العولمة باعتبارها تكاملاً بين الشعوب وليس كأداة للهيمنة والسيطرة والتجهيل وتوليد الصراعات؟
- ما أشرت إليه خطوة مهمة جداً على طريق الخروج من الخصوصيات الوطنية، والقومية، والحضارية، والدينية، والأقلية والأكثرية، وتحول المجتمع البشري على الأرض إلى كيان واحد مع تنوعه، ومؤسسة واحدة مع تعددها، يجمعها هدف واحد وسقف واحد، هو العدالة الشاملة غير المنقوصة للجميع. ويمكن من خلال تكاتف الجهود والتعاون بين الأفراد والتيارات، التي تحررت من قيود سياسة الأطماع، والأحقاد، والملحمة الدموية للصراع التاريخي بين الشعوب والدول، أن نفتح نافذه في جدار الحواجز بين الأمم، ونشكل تياراً يمكن ان يتحول إلى سيل جارف، يضغط بقوة على مواقع القرار في العالم، ويفرض تحولاً استراتيجياً في علاقات الأمم والشعوب ببعضها، ويعمل على تطوير المؤسسات الدولية، حتى تخرج من دائرة الاستقطاب والاستخدام القذر، وتصبح مؤسسات انسانية بحق، تنشر العدالة، وتحارب الفساد والظلم، طبعاً مع توسعة صلاحياتها، ودورها في إدارة شأن المجتمع الدولي.
ربما البعض يستعظم هذا الهدف، ويراه غير عملي، ولا يمكن الوصول إليه، وبعض آخر غارق في خصوصياته، وجهله، لا يرى من الدنيا إلا ألمانيا فوق الجميع، كما كان شعار هتلر في الحرب العالمية الثانية. وثالث رضي من الدنيا بالسلامة. صحيح قد يكون هذا الطموح غريباً على البعض، وبعيد المنال، ومن أحلام اليقظة، ومثار للسخرية عند آخرين، لكن أليست كل مشاريع الاصلاح في التاريخ البشري بدأت طموحات غريبة، وأحلام بعيدة المنال، ثارت من حولها السخرية والرفض.
اليوم مع تحول العالم إلى قرية صغيرة جداً، حاضرة بين يديك في بيتك، بأحداثها وأسواقها، واعلامها، وحروبها وفكرها، وجوعها وترفها، ويمكن أن تتواصل وتناقش تفاصيل الحياة الصغيرة مع من هو في أقصى الأرض, أكثر من تواصلك مع جارك، وأخيك القريب. نعم العالم اليوم مفتوح على ألوان جديدة من النشاطات الاجتماعية، والفكرية، والسياسية التي يمكن أن تصنع على المدى البعيد مجتمعاً مغايراً تماماً للقديم الموروث، ويمكن في زمن منظور أن تنشط حركة الاصلاح بين أمم الأرض، وتعقد المؤتمرات لهذه الغاية، ولغيرها من الغايات الحميدة، وتتحول العولمة إلى مشروع تكامل بين الشعوب، وتخرج من دائرة الهيمنة، والسيطرة والتجهيل، وتوليد الصراعات، وهو بنظري قدر الأمم، الذي سيصنعه أحرارهم ، الذين أسقطوا أغلال العرق والدم واللغة والوطن، والقومية، والاستئثار والتسلط، وأخلصوا للنوع البشري، ونشر العدل، وبسط سلطانه، وهو هدف الأنبياء وشعارهم، قال الله جل جلاله ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)).
# ثمة سؤال يتعلق بواقع الاكراد حاضراً ومستقبلاً، ومع تفجر الاشتباكات في سوريا بين الجيش الحر وأحزاب كردية وتوجس تركيا من انفجار اللغم الكردي، فإن السؤال المطروح: ما هو برأيك الحل الأمثل لمعالجة قضية الاكراد المنتشرين في سوريا والعراق وتركيا وايران، هل تؤيد من حيث المبدأ مطلبهم القديم - الجديد بإقامة دولة كردستان، وبماذا تنصح الاكراد في هذه الظروف العاصفة التي تمر بها المنطقة.
- ذكرت في جواب سؤال سابق أن طموح الأكراد نحو دولة قومية كردية غاية لا سبيل إليها، بحكم ظروف المنطقة والدول المحيطة بالأكراد.
وأذكّر دعاة القومية من أكراد وغيرهم، ان مشاريع القومية أفكار غربية انتهت حيويتها، والحماس إليها مع نهاية الحرب العالمية الثانية، واتجهت الشعوب نحو التواصل فيما بينها، وإزالة الحواجز القومية وغير القومية، وأوروبا اليوم هي أقرب إلى الوحدة بين شعوبها وقومياتها مما يظن كثيرون. وبدل أن نمزق الممزق، علينا أن نعمل لقيام أشكال متطورة من الوحدة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية بين أبناء دول المنطقة.
وأنصح الأكراد في سوريا وغير سوريا أن يعملوا لتطوير بلدانهم، ونشر الديموقراطية فيها، والانخراط بجد في مشاريع إعمار دولهم خاصة وان التمرد العسكري لم يجلب لهم سابقاً إلا الآلام، والدمار، وهو ما ينتظر أي تمرد عسكري في المستقبل.
لا مستقبل لتمردهم في سوريا، لأن موقعهم وعددهم لا يسمح لهم، والدول التي تدغدغ أحلامهم القومية ستستخدمهم لأهدافها ثم تنبذهم