الجلسة الخامسة والثلاثون لمجلس النواب اللبناني، للشهر الحادي والعشرين على التوالي، من دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية. المهزلة مستمرة. لا نصاب، لا انتخاب. لم يحضر المرشّح "الأوحد" ميشال عون ولا مؤيدوه، ولا مريده الوحيد "حزب الله" ولا نوابه، ولا المرشّح البديل سليمان فرنجية ولا كتلته الصغيرة.
لا يريد "حزب الله" لعملية التصويت أن تتم، ويعطّل عمل المجلس، الممرّ الضروري الى الرئاسة، مع أن المرشّحَين مرشّحاه، لكنه متشبّثٌ بعون وينتظره ليدرك على مهله أن حظوظه تضاءلت، ولعل الله يهديه فينسحب. وإذا لم يفعل فإن "الحزب" لا يسحب فرنجية، كما يُفترض، بل يتوقّع من مؤيدي فرنجية أن يسحبوا تأييدهم له لمصلحة عون. لاحظوا أن "الوفاء" يمنع "الحزب" من الضغط على مرشّحَيه. لاحظوا أيضاً أنه لا يضغط على الخصوم (!)، لكنه يعرف نقطة ضعف الخصوم فهم متمسّكون بوجود الجمهورية والدولة، أما هو فلا يعبأ بالدولة ولا مانع لديه من اقتيادها الى الزوال...
هذه بعضٌ من وقائع وصاية النظام الايراني، وريثة وصاية النظام السوري. كان العونيون رأس حربة مقاومة الوصاية السورية، ورموز الدفاع عن "السيادة"، لكنهم ارتضوا الآن بأن يكونوا سيف الوصاية الايرانية وألعوبتها المفضّلة. يظنون أنه بوصول "الجنرال"، أو أي مرشح آخر لـ"حزب الله"، الى الرئاسة سيسمح له وكلاء ايران بأن يحكم. سيحكمونه بسلاحهم وصواريخهم وفجورهم السياسي والطائفي. يتجاهل المرشحان اياهما طموحات اللبنانيين، بمن فيهم أنصارهما، ويعتقدون أنهم يشاطرونهما تبعيتهما المطلقة لهذا "الحزب" وخضوعهما للسلاح غير الشرعي في أيدي ميليشياه والميليشيات التي فرّخها لتهميش الجيش، على ما هي الحال في العراق وسوريا النظام وما كانت ستؤول اليه في اليمن وحيثما يكون لايران حضور. لم يقل أيٌ من المرشحين اللبنانيين، في أي ظهور اعلامي، أين يقف ولاؤهما لـ "حزب الله" ليبدأ ولاؤهما للبنان.
لدى المرشّحين، عون وفرنجية، هوس بالمنصب لا بـ "الوطن"، ولا رؤية لديهما للبلد، بل يعتمدان على قدرة "حزب الله" على الترهيب والتخريب، وعلى ارتباط هذا "الحزب" بالمشاريع الايرانية - الاسدية وطموحاتها التقسيمية، وعلى ميزان القوى العسكري الذي أقامه هذا "الحزب" بمواجهة المجتمع اللبناني بكل طوائفه... كل ذلك لا يمكن أن يكون أجندة رئيس لبناني. ولا يريد اللبنانيون من أي رئيس أن يأتي بنيات مغامراتية أو بمجازفات استعدائية، لكنهم يتوقعون منه بالتأكيد أن يضع نصب عينيه هدف التخلّص من الوصايات، ولا سيما الايرانية التي برهنت في كل مكان أنها تضمر الشرّ للدولة الوطنية. وأيّاً تكن مآلات الصراع في سوريا فلا مصلحة للبنان أن يعتمد رئيساً - وكيلاً لـ "الوصاية"، ومهما بلغت عربدات "حزب الله" فإنه لن يستطيع الغاء الوجه العربي للبنان بوجه فارسي.