ما آلت إليه جلسة مجلس الوزراء المالية أمس، ينطبق عليها المثل السائر: «فسر الماء بعد الجهد بالماء»، أي ان الحل للخروقات الكبيرة بين النفقات الاخذة بالتزايد والايرادات الاخذة بالتناقص هو بإقرار ميزانية الدولة لضبط حالات الانفاق، قبل البحث بزيادة الرسوم والضرائب على صفيحة البنزين أو سواها.
وإذا كانت المواقف الاستباقية لغالبية الوزراء، وربما لأسباب شعبوية تبحث جماح الحماس لرفع سعر صفيحة البنزين ثلاثة أو خمسة آلاف ليرة، وألغت اضراباً كان يمكن ان يحصل اليوم، فإنها أقرّت مرسوم تأمين ذخيرة للجيش اللبناني بقيمة 50 مليار ليرة لبنانية من موازنة الدفاع، ووافقت على مشروع مرسوم يرمي إلى تحديد الشروط الخاصة لوظيفتي رئيس مركز وعنصر دفاع مدني في المديرية العامة للدفاع المدني، في خطوة اولى على ان تعقبها مباراة محصورة يجريها مجلس الخدمة لتثبيت المتطوعين.
على ان الحدث المدوي داخل الجلسة وعلى هامشها، تمثل بانفجار الموقف بين وزير المال علي حسن خليل ووزير التربية الياس بوصعب، على خلفية ظاهرة تتعلق بتأمين رواتب الأساتذة المتعاقدين بالساعة، حيث طرح بوصعب موضوع هؤلاء الذين لم يقبضوا منذ ستة أشهر، فحصلت مشادة بينه وبين وزير المال انتهت إلى ان هذا الأمر سيبحث في جلسة اليوم، والا فإنه سيطلب من الأساتذة وقف التدريس.
وإذ تكتم مصدر وزاري على الأسباب الحقيقية للمشادة، علمت «اللواء» من مصدر وزاري آخر، ان المسألة ليست تقنية أو مالية، بل سياسية، في إطار تبادل العرقلات والكيديات بين الوزراء الممثلين لحركة «أمل» و«التيار العوني».
وقائع الجلسة
وبعيداً عن الذعر الذي احدثه الإعلان عن جلسة مالية، فإن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وصف حساب الخزينة بأنه «مرتاح مالياً» لكنه أكّد ان الموازنة ملحة، في حين أبى وزير الصناعة حسين الحاج حسن ان الحالة مالياً ليست سيئة، وأن كان من الضروري مراجعة السياسات المالية والاقتصادية، فما هي وقائع الجلسة:
بعد أن قدم الرئيس تمام سلام التهاني بعيد مار مارون، معتبراً ان لا استقامة لعمل المؤسسات قبل انتخاب رئيس الجمهورية، ثم انتقل إلى الحديث عن أهمية عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، وأن أهمية ذلك تكون بالانتاجية والفعالية وتأمين مصالح النّاس، داعياً إلى الانتقال إلى جدول الأعمال والبحث في الوضع المالي.
وقبل ان يعطي الكلام للوزير خليل، طرح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق المرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بالدفاع المدني، وجرى اقراره كسباً للوقت، فيما حاول وزراء آخرون إثارة قضايا أخرى ولكن الرئيس سلام أعطى الكلام للوزير خليل الذي قدم شرحاً مالياً يتعلق بارقام الانفاق والاحتياطي المتوفر والايرادات المتراجعة، متخوفاً من زيادة العجز إذا لم تتوافر موارد مالية تغطي الانفاق الجديد.
وفتح الباب امام المناقشة التي توافقت عند حقيقة الأرقام وأهمية العودة إلى مناقشة الموازنة واقرارها واحالتها إلى المجلس النيابي، فضلاً عن معارضة فرض ضريبة على البنزين، مع ان وزير المال لم يطرحها مباشرة.
وأوضحت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان وزير المال لم يقدم عرضاً مالياً بمعنى العرض، وانه اكتفى بالاشارة إلى ان هذه السنة يجب ان تكون مخصصة لمشروع الموازنة وأن المبلغ المعروض هو 23 ألف مليار، وأن هناك حاجة إلى إقرار سلسلة قوانين تتصل بتغطية مشاريع القوانين التي وفق المصادر لا تغطي سوى 180 مليار.
ولفتت المصادر إلى ان غاية الجلسة أمس كان للاضاءة على أهمية تشريع الانفاق، ما يعني انه من غير الممكن انفاق أي زيادة من دون أي مشروع قانون، وهو أمر يستدعي انعقاد مجلس النواب.
وقالت ان الوزير صور الأمر وكأن هناك كارثة مالية، في حين ان المسألة غير هكذا، مؤكدة ان حالة الدولة المالية ليست صحيحة من الناحية الإدارية فقط وأن الوزير أوحى بشكل غير مباشر إلى أهمية انعقاد المجلس النيابي.
ونفت ان يكون وزير المال قدم  خطة للحجم الانفاق أو ما يعرف بالـ«cost redution policy»، معتبرة ان لا خطط واضحة ولا أرقام محددة طرحت.
وأشارت إلى ان عدداً من الوزراء توقف عند الهدر الحاصل في الإدارات، في حين ان مالية الدولة لا تشكو من سوء إذ ان نسبة 57 في المئة من الدين ممسوكة من المصادر وأن الإصدار الأخير لسندات الخزينة كان ناجحاً وهناك 180 مليار دولار ودائع في المصارف وأن نسبة النمو للعام 2015 بلغ 7 بالمائة.
ورأت المصادر انه كان الاجدر عند الحديث عن التجزئة في المناقصة في بعض الوزارات الإشارة إلى الإيرادات، لكن ذلك لم يحصل وأن هناك مبالغ كان يفترض ان تكون دخلت في التوفير جرّاء انخفاض أسعار النفط العالمية، فأجمالي الانفاق في العام 2014 بلغ 13952 مليار وفي العام 2015 بلغ 13116 مليار فيما معناه ان تأثير الانخفاض بلغ 2 في المائة وكان يجب ان يكون 14 في المائة.
وكشفت المصادر ان مجموعة من الوزراء كانت تؤيد فرض ضريبة على البنزين قبيل انعقاد المجلس، غير انها داخل الجلسة أبدت معارضتها على هذه الضريبة.
وتحدث وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم لـ«اللواء» مؤكداً انه قال للحاضرين: هناك 24 مكباً بأسمائنا كوزراء وحراك شعبي وفراغ فلا يجب ان نتخذ قراراً نحو الانتحار، وهناك بدائل أخرى للايرادات منها التخمينات العقارية وتشغيل الهيئات الرقابية التي وحدها تأتي بـ5 مليارات دولار، فضلاً عن تنشيط المناقصات العامة، مشيراً إلى هناك نسبة 12 في المئة من الهدر بسبب الفساد وأن الإيرادات بلغت 10879 مليار في العام 2014 و9638 وأنها خفت مع انخفاض النفط، سائلاً: «أين ذهبت المبالغ»؟ وقال: «انها دولة اللاعقل واللامنطق واللاعلم».
ولفت مصدر وزاري «للواء» ان ما شدد عليه وزير المال خلال مداخلته هو مشكلة تشريع الانفاق، ومشكلة قدرة الدولة على الانفاق. واشار الى ان ما اعلنه خليل بالنسبة لتشريع الانفاق هو في اطار احراج بعض الكتل المعارضة لحضور جلسات التشريع قبل انتخاب رئيس لكي يحضروا هذه الجلسات ورمي الكرة في ملعبهم وهذا ليس في وارد هذه الكتل كما قال المصدر، الذي لفت الى دقة الوضع المالي والاتفاق على ان اي انفاق يزيد العجز المالي، من هنا رأى المصدر ضرورة وقف الموافقة على اي سلف للخزينة ووقف الهدر في مؤسسات الدولة.
وتوقع المصدر ان تكون جلسة اليوم حامية نوعا ما لانها ستبحث في امور حساسة ومهمة مثل البحث عن تمويل خطة ترحيل النفايات ودفع رواتب الاساتذة المتعاقدين في المدارس الرسمية اضافة الى البنود المتراكمة من الجلسات السابقة ومن هذه البنود بند احالة ملف ميشال سماحة على المجلس العدلي، في حال عاد وزير العدل اللواء اشرف ريفي من باريس.
وكان موضوع تمويل ترحيل النفايات بحث مساءً بين الرئيس سلام والوزير اكرم شهيب في حضور وفد من برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وأوضح الوزير شهيب في اتصال مع «اللواء» أن الوفد أبدى استعداده للمراقبة والاشراف على ترحيل النفايات ومراقبة خطة النفايات المستدامة في المستقبل.
ورداً على سؤال عمّا إذا تمّ توقيع الاتفاق بين لبنان والشركة الناقلة للنفايات اعتبر شهيب أن الموضوع أصبح في عهدة مجلس الإنماء والإعمار.
وعما إذا كان مجلس الوزراء في جلسته اليوم سيقر تمويل ترحيل النفايات أمل شهيب ذلك، واعتبر أن لا بدّ من ترحيل النفايات لذلك يجب تمويل الخطة حتى لا تبقى النفايات منتشرة في الشوارع.
كتلة «المستقبل»
سياسياً، توقفت كتلة «المستقبل» النيابية في اجتماعها أمس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة عند الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري التي تصادف يوم الأحد المقبل، فأكدت أن هذه الذكرى المخضبة بدماء التضحية والشهداء ستبقى اساساً ومحركا لاستمرار انتفاضة الاستقلال التي جمعت مكونات الشعب اللبناني على هدف إنهاء وصاية النظام الامني اللبناني - السوري، ومهدت لقيام تحالف قوى 14 آذار. مشيرة إلى ان الشعب اللبناني الذي رفض الوصاية القديمة وأسقطها، لن يقبل بأي وصاية جديدة بغض النظر عن شكلها او لبوسها الجديد أو المتجدد، في إشارة الى ممارسات «حزب الله» وحليفه «التيار الوطني الحر» لفرض تعيين مرشحهما بعيداً عن القواعد الديمقراطية.
وأكدت الكتلة، في هذا السياق، رفضها لمحاولات الحزب والتيار العوني لفرض ممارسات غير دستورية جديدة يكون بنتيجتها قيام نظام شمولي سياسي على صورة ما تبقى من الأنظمة الشمولية القائمة في العالم، لأنه نظام يلغي إرادة الشعب الحرّة.
ومن جهتها، اشارت مصادر في التيار العوني لـ «اللواء» إلى أن هناك لقاءات تعقد بين التيار و«المردة» على مآدب غداء أو عشاء، تأتي في إطار التواصل وإن هناك رغبة بتوسيعها، من ضمن الجهد المشترك لإيجاد الحلول، ورأب الصدع بين النائبين ميشال عون وسليمان فرنجية.
يُشار في هذا الصدد إلى أن غداء أعده النائب اميل رحمه جمع ممثلين عن «المردة» و«التيار العوني» كان ابرزهم العميد المتقاعد شامل روكز والوزير السابق يوسف سعادة في حضور ابن النائب فرنجية طوني.
ومن جهة ثانية، أوضحت مصادر وزارية لـ «اللواء» أن البطريرك الماروني بشارة الراعي ألغى الاجتماع الوزاري الذي كان مقرراً انعقاده غداً الجمعة، وقرّر الاستعاضة عنه بلقاءات يعقدها مع الوزراء المسيحيين كل على حدة، غير أن اي موعد لمباشرة هذه اللقاءات لم يحدد بعد.
وعزا المسؤول الإعلامي في بكركي المحامي وليد غياض إلغاء لقاء الجمعة إلى ان الراعي لا يريد أن يفهم منه بأنه تجمع طائفي ضد طائفة أخرى، على الرغم من أن بكركي لا تنفي الإجحاف اللاحق بالمسيحيين في وظائف الدولة، نافياً أن يكون قد تعرّض لضغوط لإلغاء الاجتماع.
الانتخابات البلدية
بلدياً، أطلقت الأحزاب والكتل النيابية العنان للماكينات الانتخابية لانتخابات مجالس بلدية في كل لبنان، إضافة إلى الهيئات الاختيارية والمخاتير في المدن والأحياء والقرى.
وعلمت «اللواء» أن التحضيرات انطلقت فعلياً في بيروت وصيدا وطرابلس والجنوب والجبل والشمال والبقاع.
وأدرج مصدر نيابي الحملة الإعلامية للأحزاب المسيحية حول التوظيف المسيحي في القطاع العام، بأنه يندرج في إطار تعبئة الصفوف وكسب الشارع.