وسط عودة الحراك المدني الى الشارع ومع تصاعد الرفض لفرض ضرائب جديدة، تجنب مجلس الوزراء الاتجاه في المسالك الوعرة ولم يثر موضوع الضرائب إلاّ من باب النقاش المبدئي المتصل بوضع المالية العامة المتعبة وهو النقاش الذي طغى على جلسة البارحة عاكساً واقع الاولويات المالية المتزاحمة بحثاً عن تمويل سريع وضروري. واذا كان بت موضوع متطوعي الدفاع المدني شكل انفراجاً لجهة بداية معالجة هذا الموضوع المزمن والمحق متزامناً مع بت الاولويات التمويلية للجيش، فان الجلسة تميزت بكونها تحولت أشبه بمراجعة عامة وشاملة للملف المالي للدولة مع كل ما ينطوي عليه من ضغوط لم تعد تحتمل تسويفاً وانتظاراً.
وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان مجلس الوزراء خاض في نقاش مالي مستفيض لوضع المالية العامة انتهى الى خلاصة واحدة هي انه لا يمكن معالجة الخلل المالي الا بإقرار الموازنة، وحيث ان اقرارها يحتاج الى قرار سياسي، تقرّر ان يقوم وزير المال علي حسن خليل بجولة على القوى السياسية، تأميناً لهذا القرار كي تباشرالحكومة تخصيص سلسلة جلسات لمناقشة مشروع الموازنة واقراره.
وفيما وافق مجلس الوزراء على مرسوم تثبيت أجراء الدفاع المدني والشروط الخاصة بإجراء مباراة محصورة للمتطوعين، تبيّن للوزراء أن تنفيذ المرسوم التطبيقي لا يحتاج الى نفقات جديدة، بعدما قيل في الجلسة السابقة إن لا قدرة على تثبيت هؤلاء الا بتغطية مالية.
كذلك وافق مجلس الوزراء على تخصيص الجيش باعتمادات بقيمة خمسين مليار ليرة للتسليح تأمّنت من الموازنة المخصصة لوزارة الدفاع.
وأوضحت المصادر أن معظم الوزراء رفضوا مبدأ فرض ضريبة على صفيحة البنزين، لكنهم عادوا وتحدّثوا عن ضرورة ايجاد موارد مالية لكل انفاق جديد تحتاج اليه الدولة، وذلك بعد الاطلاع على الارقام التي عرضها وزير المال وبيّنت مبالغ الانفاق الذي يرتفع، والواردات التي تنخفض، مشيراً إلى زيادة في العجز تستدعي مداخيل اضافية لمالية الدولة.
وشهدت الجلسة سجالاً حول ملف رواتب موظفي أوجيرو الذي طالب به وزير الاتصالات بطرس حرب، ولكن وزير الصحة وائل بوفاعور فتح حملة على رئيس هيئة أوجيرو عبدالمنعم يوسف. وقد استمهل وزير المال للتدقيق في بعض الأرقام على أن يبتّ موضوع هذه الأجور في جلسة اليوم.
وأثار الوزراء جبران باسيل وارتور نظاريان والياس بو صعب قيمة الوفر الذي حققته مالية الدولة بفعل انخفاض الفاتورة النفطية، بقيمة مليار ونصف مليار دولار في السنة منذ العام 2014. فجاء الردّ بان تراجع سعر صفيحة البنزين أدى الى خفض الواردات المحقّقة من الضريبة على القيمة المضافة. إلاّ أن وزراء اعتبروا أن المبلغ الذي خسر في الضريبة على القيمة المضافة لا يقاس بالمبالغ التي تحققت بانخفاض الفاتورة النفطية.
كما أثار عدد من الوزراء، وخصوصاً وزراء الكتائب مكامن الهدر والفساد والتهرب الجمركي، وتغييب المؤسسات الرقابية، و سألوا عن حجم فاتورة الفساد في المشاريع الاستثمارية الاستنسابية. وقال وزير الاقتصاد ألان حكيم: "إن قيمة الفساد والهدر في الدولة اللبنانية هي بنسبة 32 في المئة من موازنة الدولة، أي ما يوازي خمسة مليارات دولار في السنة، ويضاف اليها ثلاثة أو أربعة مليارات هي فرص مالية ضائعة،يمكن معالجتها بتحسين الجباية، وتحسين الايرادات وخصوصاً في الدوائر العقارية وفي السياسة الضريبية وبتنشيط الهيئات الرقابية ولا سيما منها ادارة المناقصات التي تغيّب عن معظم المشاريع والتلزيمات.
وانتهت الجلسة بخلاف بين وزير المال ووزير التربية الذي احتجّ على عدم ادراج طلبه الذي قدمه قبل ستة أشهر لدفع مستحقات الاساتذة المتعاقدين على جدول الأعمال، فلم يدرجها رئيس الوزراء، منذ 20 /10/2015 كما لم يقبل وزير المال بطرحها من خارج الجدول على غرار ما تمّ بالنسبة الى بند تسليح الجيش، وعلى غرار بنود مالية اخرى. وأعلن بوصعب انه سيضطر الى الطلب من هؤلاء المتعاقدين التوقّف عن العمل ما لم تدفع مستحقاتهم.
ووعد وزير الداخلية نهاد المشنوق متطوعي الدفاع المدني الذين فكوا اضرابهم بعد الجلسة وتوجهوا الى وزارة الداخلية لشكره، باستكمال اقرار كل المراسيم العائدة الى تثبيتهم.

لقاء بكركي
في سياق آخر متصل بمسألة التعيينات الادارية في مؤسسات الدولة الذي أثيرت حوله احتجاجات مسيحية واسعة أخيراً، ألغى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الاجتماع الذي كان دعا اليه الوزراء المسيحيين والذي كان مقررا عقده غداً في بكركي للنظر في هذه المسألة. وأفاد المسؤول الاعلامي في بكركي وليد غياض ان البطريرك الراعي ألغى الاجتماع لئلا يفهم منه انه تجمع طائفي ضد طوائف أخرى وان البطريرك يرى جدوى في لقاءات فردية نافيا ان تكون بكركي تعرضت لضغوط سياسية من أي جهة.

 

14 شباط
على الصعيد السياسي، علمت "النهار" أن هناك إنتظاراً لخطاب الرئيس سعد الحريري في ذكرى 14 شباط وما سيحمله من إستخلاص لحال المنطقة والمأزق الذي أدت اليه الانتخابات الرئاسية. وعشية هذه المحطة قالت كتلة "المستقبل" النيابية ان ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري "ستبقى أساساً ومحركاً لاستمرار انتفاضة الاستقلال التي جمعت مكونات الشعب اللبناني على هدف انهاء وصاية النظام الامني السوري – اللبناني ومهدت الطريق لقيام تحالف قوى الرابع عشر من آذار". وشددت على تمسكها "بالقيم والأسس التي قامت عليها هذه الانتفاضة المجيدة لقوى 14 آذار والدفاع عنها رغم التباينات العابرة والمرحلية القائمة بين بعض قواها"، مؤكدة ان "الشعب اللبناني لن يقبل باي وصاية جديدة بغض النظر عن شكلها او لبوسها الجديد او المتجدد".
وفي حديث الى "تلفزيون المستقبل" مساء أمس، قال الرئيس ميشال سليمان إن قوة رئيس الجمهورية "هي في تحرره من أي ارتباط او وصاية"، وعزا الفراغ الرئاسي الى سببين: "عدم السماح للبنان بان يمارس ديموقراطيته والحفاظ عليها والتورط في الحرب في سوريا". وفي مواقف بارزة من ايران لفت سليمان الى ان طهران "فاخرت بسلطتها على أربع عواصم"، ملمحاً الى انها تريد ابقاء لبنان "ورقة لمقايضة نفوذها". وحذر من أي حل في سوريا من دون ترسيم حدودها مع لبنان وجدولة عودة اللاجئين في أسرع وقت "قبل ان يطير لبنان عن الخريطة".