لا يدّعي هذا النص تقييماً لمجمل مواقف الرئيس الفلسطيني (المنتهية ولايته منذ مدّة) محمود عباس من الشأن السوري بعد العام 2011. هو مجرّد إيراد لملاحظات على بعض ما قاله وعلى ما لم يقله في هذا الشأن وفي ارتباطه بأوضاع أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني مقيمين في سوريا.
ولعل التوقّف عند بعض المحطات والتواريخ يفيد في هذا السياق.
في أيار 2011، لم يعلّق أبو مازن على إرسال النظام السوري والفصائل الفلسطينية العميلة له مئات الشبان من مخيّمات سوريا للتظاهر على تخوم الجولان وترك بعضهم نهباً للقتل برصاص الاحتلال الإسرائيلي بهدف صرف الأنظار عن بدايات الثورة السورية ومظاهراتها.
ثم لم يعلّق بعد شهر من ذلك على مقتل شبّان فلسطينيين من مشيّعي ضحايا التظاهرة تلك برصاص النظام وأدواته في مخيم اليرموك لاعتراضهم على إرسال رفاقهم وأخوتهم للموت المجّاني.
وفي الفترة إياها، لم تصدر عن رئيس السلطة مواقف من تنكيل النظام السوري المُمنهج بأهل مخيّمات درعا وحمص وتهجير الآلاف منهم، واعتقال العشرات وتعذيبهم.
في آب 2011، اكتفى الرئيس بالبيان الذي أصدرته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لاستنكار قصف الجيش السوري مخيم الرمل الفلسطيني في اللاذقية رداً على التظاهرات التي خرجت فيه مناصرة لجيرانه الثائرين سلمياً في مواجهة النظام.
في كانون الأول 2012، لم يصدر عن الرئاسة الفلسطينية أي موقف رافض أو مستنكر لبدء النظام عدوانه الواسع على مخيم اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني، وقصفه إياه بالطيران، ولا عن تدهور أوضاع مخيّمات حلب وتحوّل بعضها الى مناطق منكوبة.
في العام 2013، صمت الرئيس الفلسطيني عن مقتل العشرات من الفلسطينيين في اليرموك وفي غيره من مخيّمات دمشق، بعضهم من المنتمين الى حركة فتح، قنصاً أو تعذيباً في سجون النظام. وصمت كذلك عن بدء حصار المخيّم وما تسبّب به الأمر ابتداءً من الصيف وطيلة العام 2014 من مآسي.
أما في العامين 2014 و2015، فتحوّل صمت الرئاسة الى سمة للسياسة "الرسمية" الفلسطينية تجاه تتابع مصائب فلسطينيي سوريا، وتحوّلهم الى مشرّدين في البلد الذي سكنوا لسنوات وفي البلدان المجاورة له، ثم غرق بعضهم في البحر المتوسّط وهم يحاولون عبوره نحو الضفة الأوروبية.
في المقابل، ذُكر طيلة تلك المرحلة أن اتصالات كانت تدور بين السلطة الفلسطينية ونظام الأسد بهدف استعادة أملاك للأولى صادرها النظام في مراحل سابقة، ونُسبت الى محمود عباس كثرة من التصريحات التي تحثّ الفلسطينيين على عدم التدخّل في "شؤون الدول العربية"، وعلى البقاء محايدين تجاه ما يجري حولهم. وتداولت صحف لبنانية مقرّبة من نظام دمشق أن أبا مازن كان صاحب مبادرة للمصالحة في سوريا وأنه تداول بها مباشرة أو عبر مبعوثين مع أطراف سوريّة ومع مصر والجامعة العربية...
هل يمكن استنتاج شيء من كل ذلك؟
يمكن على الأرجح الوقوف على ثلاث مسائل.
الأولى، أن الرئيس في رام الله لم يعتبر فلسطينيي الشتات أولوية وطنية، ولو أنهم تعرّضوا الى نكبات استثنائية العنف والقسوة على يد نظام له باع طويل في التنكيل بهم وقتلهم، لا سيما في تراجيدياهم اللبنانية الممتدّة من العام 1976 ولغاية أواخر الثمانينات.
الثانية، أن سياسة "النكاية" بحركة حماس والتموضع في أي مقلب لمجرّد وجودها في المقلب الآخر بدت أهمّ للرئاسة وسلطتها من أوضاع مئات آلاف الفلسطينيين. وفي هذا دليل على رداءة سياسية لا تكفي جودة تصريحات وخطابات في الأمم المتّحدة العام 2012 لتغطّي عليها.
الثالثة، أن تراجع الأداء "الرسمي" الفلسطيني تجاه الفلسطينيين في الداخل والشتات والمنافي يحصل في نفس وقت سعي السلطة "رسمياً" الى انتزاع أكبر قدر من الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، وفي نفس وقت تحرّك آلاف الشبان في الأراضي المحتلة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين على نحو مستقل تماماً عن السلطة وعن معظم القوى السياسية الفلسطينية، إن لم نقل جميعها. وهذا دليل آخر على مدى التخبّط السياسي والتناقضات في المقاربات.
الطامة الكبرى، بعد كل هذا التقصير والانحدار، أن تُنسب الى الرئيس الفلسطيني العام 2016 تصريحات تؤيّد التدخّل الروسي في سوريا، أي تؤيّد العدوان الهمجي على السوريّين من قبل قوّة مستعمرة ومن قبل رئيس هو مزيج من أفيغدور ليبرمان وبنيامين نتانياهو، فلا تصدر عنه تكذيبات للأمر أو توضيحات لمراميه.
الرحمة لشهداء فلسطينيّي سوريا والسلامة لمئات الآلاف منهم من نيران النظام وحلفائه، ومن صمت العالم وتخاذل مَن يُفترض أنه يقودهم سياسياً...
المصدر: ناو