لايدرك مدى التغير القادم إلا من له قدره على الاستبصار ,وقدرة على قراءة الواقع بدون تحيز مذهبي او طائفي , لان هذه الصورة قد لاتعود إلا بعد عصر من الزمان تفرض على الاجيال مزيدا من القهقرى والتخلف الجاهلي الذي اصبح يسابق العصر , تنكرت كل النخب العربية سابقا احزاب وحركات وشخصيات ومنظمات لكل الشارع العربي , استخدمته وسيلة وغاية في ان معا للوصول الى كرسي السلطة او المشاركة فيها او اقتسام مغانمها وبالطبع لا يرضيها اليوم ان هذا الشارع بدأ يفرض نفسه وممثليه .
يتحرك الشارع بفعل وبتوجيه وبتصور لاشك فى ذلك , قد يكون ذلك التحرك ايديولوجيا وقد يكون غريزيا للمحافظة على الحياه. التحرك الايديولوجي للشارع غير موجود فى الشارع العربى لطبيعته الديمقراطيه أصلا . يقول احدهم : فالايديولوجيا بمفهومها السياسى خارج الاطار العربى.
نعم هناك نخب أيديولوجيه ولكنها اعجز من تفعيل حركة الشارع لاسباب عده , منها غياب الاحزاب المفعله للإطار الأيديولوجي ثم إقصائها للاخرين ومنها كذلك عقيدتها المغلقه التى لاتستوعب الاختلاف بالاضافة الى اسلوبها الوصولي الذى افقدها ثقة الشارع تاريخيا فهى فى موضع شك ولا تزال ,والاطار السياسي الذي تتحرك فيه هذه النخب وطبعا ليس ابعد من اطارها واهدافها الفئوية الضيقة , وهو ما تعاني منه النخبة العربية على إتساع الارض العرض , تسرب هنا وهناك وإنشاق فى موقع وآخر , وإلتحام بالسلطه حينا , وطلاقها بائنٌ معها أحيانا أخرى..
اذا لم تتمكن هذه النخب من ردم الهوه بين الشارع والنظام بشكل يجعل من النظام مدفوعا على معاملتها وأعتبارها جزء لا يتجزأ من الشارع مصدر التغيير الحقيقي واصبحت لا وزن لها مهما عقدت من إجتماعات ومؤتمرات وهذا الأمر واضح كل الوضوح فى مسرح السياسه العربي و نخب تتحرك ميدانيا داخل الفنادق وأروقتها بينما الشارع يسيل فى جنبيها دون استشعار لهذا الحراك.
الاتجاه الايديولوجى لايعني القدره على التغيير , فالقدره على التغيير تعنى حركه وتضحيه ومواجهة واضحه مع النظام , وهو ما لاتقدر على إتيانه كثيرا من النخب فهى تعيش فى المنطقه"الرماديه" بين الفكر والنظام إذا أحسن فلها ,إذا أساء واقترب موعد زواله فلها كذلك حق التصرف والالتفاف. إعادة الاعتبار للأجيال وكسر مسلمات الامتداد الوصائي لجيل على آخر أو لفكر على فكر, هذه مسلمة لدى الغير هناك ترتيب للمواقف والافعال من كان يتحرك فى السبعينيات مثل كيسنجر , يمكنه اليوم أن يوصى أو يقترح لاغير , منطق العصر, بينما يشيخ الولدان فى عالمنا مع فكر واحد وبرنامج واحد وشخص واحد , حتى إذا مات , إنبرى تلاميذه يكررون ذلك كتكرار البغبغاء.
إن أزمة الامة تتمثل فى عدم إدراكها للعصر ولا للإنسان ومحدوديته , وفى إغفالها للحاضر على حساب الماضي كذلك وعلى إعتبار أن الخبرة هى النشاط والفعل , وعلى إعتبار أن الحاضر لايمكن أن يثمر حتى يصبح ماضيا, فأي مستقبل ننتظر ونحن نريد منه أن يتحول الى ماض أولا حتى ندخله فى الإعتبار وفى الوعي.
إن الامم الواعية هى تلك التى تجعل من الزمان كله مستقبلا , لا غير وهل وجدت إنسانا اليوم لايفكر في ساعته القادمة وإحتمالاتها. إنه المستقبل فقط, وإن حاول بعض من الماضي أن يندس بين فجوات الزمن ولكنه حتما سيسقط بين هذه الفجوات إلا من نصيحة أو خبرة ترتجى . فادي ماضي