أميركا «العدو»، كانت الحاضر الأول في خطاب المرشد آية الله علي خامنئي أمام قادة وضباط سلاح الطيران. لم ينقص في هذا الخطاب السنوي تقليداً لخطاب الإمام الخميني، سوى هتاف سلاح الطيران «الموت لأميركا». لم يكن هذا التشدّد الخامنئي سوى «الشجرة» التي يراد منها أن تخفي «غابة» الانتخابات التشريعية والخبراء. المرشد يريد أن تأتي نتائج الانتخابات كما «هندسها» مع «مجلس صيانة الدستور»، وبلا مفاجآت كما حصل في الانتخابات الرئاسية عندما فاز حسن روحاني على مرشحي التشدّد بمن فيهما مرشحه علي ولايتي ومرشح «الحرس الثوري» جليلي.
تهديد الشعب الإيراني بالغزو الأميركي، هو برأي خامنئي وكل المتشددين أفضل سلاح لإحداث «تسونامي» شعبي على صناديق الاقتراع لإسقاط مرشحي الاعتدال والوسط والإصلاحيين. المرشد لم يعد يمكنه في زمن الاتفاق النووي التحذير من خطر «الحرب الخشنة»، فاستعاض عنها بـ»الحرب الناعمة« التي تهدف الى «تجريد النظام والشعب الإيراني من أي عنصر من عناصر القوة»، أما أهم «سلاح» يستخدمه «العدو» في هكذا حرب «الابتسامة وهي ترتكب أبشع الأعمال لذلك ينبغي اتخاذ الحيطة والحذر من هكذا عدو».
أما أبرز «سلاح» لمواجهة هذه «الحرب»، فهي كما حدث في شطب نصف المرشحين من مجمل المرشحين بحيث لا يبقى سوى عدد محدود للجبهة التي تجمع «الروحانيين» و»الرفسنجانيين» و»الإصلاحيين»، وبالتالي لا يمكن لهذه الجبهة الفوز بالأغلبية في مجلس الشورى والخبراء. الشيخ هاشمي رفسنجاني المستهدف الكبير من حرب التصفية ردّ على المرشد دون أن يسميه. بدايةً طلب من الشعب الإيراني «تخييب« التوترات الاستفزازية واتخاذ انتخاب حسن روحاني مثالاً ضد التهديد والخطر، والعمل على:
[ استكمال الملحمة السياسية لعام 2013 (انتخاب روحاني رئيساً للجمهورية) في انتخاب أعضاء معتدلين وأوفياء لمبادئ الثورة، والإمام الخميني (لم يشر الى خامنئي والوفاء له).
[ «التصويت لمرشحي الشعب بنسبة عالية لأن الأعضاء المنتخبين وحسب تناسب الأصوات ستكون لهم القدرة على اتخاذ القرارات». ما يؤشر إليه رفسنجاني هو حصول النواب الفائزين من جبهة المعتدلين، على «التكليف الشعبي الواسع» في مواجهة «الرسم الخامنئي».
رسم مسارات الانتخابات عند «المصفاة الدستورية» ولا التهديد بـ»شبح العدو الأميركي». توجد «آلة« متكاملة لفرض مسارات فوز المتشددين، «نصف» فوز وليس بالضربة القاضية، لأن إبقاء الهدوء والمحافظة على الحد الأدنى من الموافقة الشعبية يفرض ذلك. «الحرس الثوري» دخل على مسار التهديدات بالمواجهة الشاملة، «رأس الحربة» في هذا الهجوم يقوم به الأدميرال فدوى قائد البحرية الذي قال: «وتيرة المواجهة مستمرة وستبقى كذلك». «الحرس الثوري» يريد المحافظة على وجوده» في السلطة عبر استمرار صيغة «الكيبيه» تحت «عمامة» المرشد. بهذا يحرّك العملية السياسية التي تضمن له مصالحه، من دون أن يتحمّل مسؤولية ما يحصل وما ينتج عن ذلك.
المتابعون للمسارات الحالية للانتخابات وما توحيه مستقبلاً، يرون أن النظام الإيراني سيشهد تعديلاً طفيفاً ولكن مهمّاً بحيث يبقى «الأمن« من اختصاص «الحرس الثوري» بعيداً عن أسماء القادة ومن يبقى منهم ومن يبعد أو يرَحل الى «مكتب» المرشد. وأن التشريع سيكون للمحافظين ضمن مجلس الشورى الذي سيشهد تعديلاً في توزيع القوى داخله، ومن أبرز هذه التعديلات أن المتشددين لن يشكلوا الأغلبية المطلقة لكنهم سيبقون قوة راجحة، أما التنفيذ فسيكون للمعتدلين الذين نجحوا في تنفيذ سياسة المفاوضات وصولاً الى توقيع الاتفاق النووي، وسيكون على روحاني ومعتدليه في الحكومة المقبلة «معالجة حال الركود وتوجيه الأرصدة نحو الانتاج الصناعي والزراعي».
طبعاً المعتدلون بقيادة الثنائي رفسنجاني روحاني، بعد استبعاد حسن الخميني، لن يستسلموا لهذا الرسم وكأنه قضاء وقدر. بداية فإن إبعاد حسن الخميني ومعه صهره مرتضى اشراقي ليس لأسباب انتخابية كما يجري تعليله بأن إيران تهتم بالجغرافيا وليس بالتاريخ. من مبادئ هذا الاهتمام، لا مكان للوراثة والورثة حتى لا يشكلوا بالاسم التاريخي الذي يحملونه «مركز قوى» حاضراً ومستقبلاً، وأن المظاهر المؤكدة لهذا التوجه أن أبناء خامنئي خصوصاً مجتبى «الرجل القوي» حالياً في مكتب والده المرشد، سيخرج من الصورة بعد غياب والده.
إذاً على ماذا يعتمد المعتدلون والوسطيون والإصلاحيون؟
[ اتحاد هذه القوى في لائحة واحدة، تضم وجوهاً من الصف الثالث بعد استبعاد الأسماء الكبيرة، بحيث «يكون وجودها هو المهم وعملها متحداً بإدارة متمرّسة وعارفة وهادفة بقلب الموازين».
[ أن المتشددين متفرقون على ثلاث لوائح وليست واحدة. الأكثر تشدداً يقودها آية الله «الطالباني» محمد مصباح يزدي، والثانية بقيادة «المؤتلفة«، والثالثة «جمعية مضحي الثورة». ويبدو جلياً أن «بيت» المرشد يعي الخطر ولذلك قال حداد عادل (تربطه مصاهرة عائلية مع خامنئي) «ان المنافسة ليست سهلة«.
ما يزيد من صعوبة ودقة وضع «المتشددين«، أن علي لاريجاني، يقود لائحة رابعة مستقلة في قُم. ويبدو أن لاريجاني يفكر أولاً في استعادة موقعه رئيساً لمجلس الشورى المنتخب، وفتح الباب على مصراعيه أمام انتخاب شقيقه رئيس الهيئة القضائية آية الله صادق لاريجاني مرشداً خلفاً لخامنئي عندما تدق ساعة الاختيار.
من بعيد تبدو النتائج في الانتخابات التي ستجرى في 26 شباط الجاري «مظهرَة» فما رُسم قد رسم. لكن واقعياً ما زالت النتائج معلقة على الاقبال الشعبي وتقلبات المزاج الشعبي أمام صناديق الاقتراع، وما سيحدث من مناورات وتحالفات في الدقائق الأخيرة كما حدث في 72 ساعة قبل انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية.