لم يترك فريق 14 آذار، وعلى رأسه تيار المستقبل، مناسبة إلا أعلن فيها أن تعطيل الانتخابات الرئاسية عائد إلى قرار إيراني. وبعد هذه الأزمة، تتفرع الأسباب الثانوية: الهدف هو تحصيل أوراق في المفاوضات مع الغرب؛ أو تحصيل أوراق لتحسين الموقف التفاوضي مستقبلاً مع السعودية؛ أو الرغبة في تغيير النظام السياسي اللبناني.

ورغم إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مسؤوليته عن هذا «التعطيل» الذي يهدف إلى دعم المرشح العماد ميشال عون للوصول إلى الرئاسة، ورغم تأكيده في إطلالته الاخيرة التزام اتفاق الطائف، استمرت قوى 14 آذار بالغزل على نفس المنوال: حزب الله يريد تغيير الدستور.
وفي ظل ما يجري تداوله بشأن الموقف الإيراني، وتحديداً بالنسبة إلى المداولات التي جرت في العاصمة الفرنسية بين الرئيسين الإيراني والفرنسي قبل أقل من أسبوعين، كشفت مصادر دبلوماسية لـ»الأخبار» بعضاً من جوانب هذه المداولات. وأوضحت أنه قبل أيام من الجولة الأوروبية للرئيس حسن روحاني نهاية الشهر الماضي، تواصلت السفارة الفرنسية في لبنان مع نظيرتها الإيرانية. كانت رسالة باريس مباشرة ودقيقة: «ستطرح الرئاسة الفرنسية خلال اللقاء مع روحاني ملف الرئاسة اللبنانيّة، رتبوا أموركم على هذا الأساس. نريد حلاً لهذه القضية». وكان الرد الإيراني بالوضوح والمباشرة نفسها، وملخصه: «افعلوا ما ترونه مناسباً لكم. نحن لا نتصرف على هذا النحو. الرئاسة ملف داخلي لبناني لا نتدخل فيه. إذا طُلبت منا المساعدة وكنا قادرين على تقديمها سنفعل، لكن لا تتوقعوا منا تدخلاً لمصلحة هذا المرشح أو ذاك، أو من أجل دفع هذا المرشح أو ذاك للانسحاب».


طلبت السفارة الفرنسية من السفارة الإيرانية قبل زيارة روحاني تحضير ملف الرئاسة اللبنانية

 

 

وتضيف المصادر: «عند استقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند روحاني في الإليزيه، بدأ كلامه بالحديث عن العلاقات الثنائية وضرورة تعزيزها، قبل أن ينتقل إلى تأكيد ضرورة التعاون لحل الأزمات الإقليمية. وكان لافتاً أن الموضوع الأول الذي تطرق إليه كان لبنان والانتخابات الرئاسية فيه. لكن عوض أن يتولى روحاني الرد، جاءت الإجابة من وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الذي كان حاضراً في اللقاء. إذ قال: «لقد أعطينا العناية لهذا الموضوع، وذهبنا إلى بيروت وجلسنا مع اللبنانيين»، في إشارة إلى زيارته وزيارة مستشار المرشد للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي للعاصمة اللبنانية. وأضاف: «ليكن واضحاً للجميع، نحن لا نريد أن نتدخل في هذه القضية، لأن هذا الموضوع قضية لبنانية، ومسيحيّة بالدرجة الاولى. لطالما كان الأمر يجري على النحو الآتي: يتفق المسيحيون في ما بينهم على تسمية شخص لرئاسة الجمهورية، ويتوجه النواب إلى البرلمان لينتخبوه. هذه المرة لا يوجد إجماع بين المسيحيين، بل على العكس، هناك خلاف، فعلى أي أساس وكيف لنا أن نتدخل؟».
يشار إلى أن الطلب الفرنسي لتدخل إيران في الرئاسيات اللبنانية يعود إلى نهاية تموز الماضي، يوم زار وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس طهران في تموز الماضي. وقتها عرض على الإيرانيين ضرورة التعاون في حلحلة الملفات الإقليمية العالقة، واعتبر أن الملف الأسهل والأقل تعقيداً هو الملف اللبناني، مطالباً بضرورة بدء التنسيق به. وكان يفترض، بحسب التسريبات حينها، أن يبحث الفرنسيون مع الإيرانيين خلال زيارة روحاني لباريس التي كانت مقررة في 16 تشرين الثاني الماضي، قبل أن تُرجأ بسبب الاعتداءات التي استهدفت العاصمة الفرنسية. منذ ذلك الحين، تسارعت التطورات الداخلية اللبنانية، وقرّر الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية إلى الرئاسة. وسارع حينها هولاند إلى الاتصال بفرنجية، بناءً على اقتراح من الحريري لدى دوائر القرار في الإليزيه. وكانت الرئاسة الفرنسية تتعامل مع ترشيح فرنجية كمبادرة لا يمكن حزب الله أن يرفضها، ما يعني وصول رئيس تيار المردة إلى قصر بعبدا حتماً. لكن الحسابات الحريرية ــ الفرنسية لم تتطابق مع الواقع. ففيما فوجئ الفرنسيون برفض الإيرانيين الخوض في الملف الرئاسي اللبناني، «صدمتهم» أيضاً ردة فعل حزب الله المتمسك بترشيح العماد ميشال عون.