تتحسب المنطقة لسيناريو حرب عالمية ثالثة قد تخاض على مسرحها، أما لبنان، فإن مجرد نقل موظف فئة ثالثة من مركز الى مركز، يكاد يشغل بال كل الطبقة السياسية والمراجع الروحية، الى حدّ عقد مؤتمر وطني «لإعادة الأمور الى نصابها»!
هذا يعني أننا لا نعيش في بلد طبيعي، اذ كيف يمكن لمن يتقدمون الصفوف أن ينهمكوا بالأرقام والاحصاءات والجداول والدراسات والقوانين والمراسيم والدساتير وكل ترسانة الأحقاد الطائفية والمذهبية، من أجل تبرير أو تبخيس مجرد عمل وظيفي، وهم أنفسهم يذهبون الى مؤتمر في لندن، ولا يملكون الحد الأدنى من «الداتا» التي تخوّلهم أن يحصلوا ولو على فتات المساعدات الدولية لتغطية «الاحتضان القسري» لقضية اللاجئين؟
في المنطقة ترسم خرائط جديدة، بينما في لبنان لا يملك أهل السياسة سوى ترف الخطاب البغيض والرخيص والتافه، والأنكى من ذلك، أنهم عندما يقرأون كلمات كهذه، يهزّون رؤوسهم موافقين على كل كلمة تقال بحقّهم.. ولكنهم ليسوا مستعدين أن يغيّروا حرفاً من كلماتهم.
تمر الجلسة التي تحمل الرقم 35 ولا يأتي الرئيس الموعود. يمرّ اليوم الخامس والعشرون بعد الستمئة، ولا ينتبه أحد الى أننا نعيش بلا رئيس وبلا حكومة وبلا مجلس نيابي أو دستوري أو اقتصادي ـ اجتماعي.
نعم هذا هو لبنان.
يقرع المسؤولون المعنيون جرس الخطر الاقتصادي، فتصنّف صرختهم بأنها «إنذار سياسي لا ضرورة له».. لأن البلد تعوّد على المديونية والهدر والفساد وكل صنوف النهب والتهرب من تحمّل المسؤولية!
نعم هذا هو لبنان.
÷ تشتعل المنطقة وتكاد ترتسم خريطة سايكس بيكو جديدة فيها، لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عنها، لكن المؤسسات العسكرية والأمنية لا تجد من يحميها، بل دائما هناك من يريد ليّ ذراعها أو تناتشها الى حد أنه صار من المعيب استمرار تصنيف كل جهاز بوصفه «مؤسسة طائفية أو مذهبية».. وهذا الضابط أو ذاك، بوصفه محسوباً على «جماعته».
÷ في أقل من 48 ساعة، تتمكن الأجهزة العسكرية والأمنية من توقيف نحو 20 مشتبهاً به بالانتماء الى «النصرة» أو «داعش»، ليس في تجمعات النازحين السوريين بل في بيئات لبنانية مختلفة في الشمال والعاصمة والجبل والجنوب والبقاع.
÷ في الساعات الأخيرة، تشتد المواجهات في جرود عرسال والقلمون بين «داعش» و«النصرة» وتزداد المخاوف من احتمال حدوث خرق إرهابي في خاصرة لبنانية رخوة، ويبدي مرجع أمني لبناني بارز مخاوفه من ان تشكل التطورات الميدانية المتسارعة في حلب وريفها الشمالي، مناسبة لإقدام المجموعات الإرهابية على تنفيذ عمل من اثنين في الداخل اللبناني:
- أولهما، احتمال قيام بعض الخلايا النائمة بتنفيذ عمليات انتحارية سواء أكانت فردية أو مركبة (مجموعة انتحاريين دفعة واحدة على طريقة تفجيرات السيدة زينب في دمشق مؤخراً)... وثمة رصد لبناني على مدار الساعة لأعداد كبيرة من المشتبه بهم، خصوصاً بعد العملية العسكرية الأخيرة في عرسال، وما استتبعها من تهديدات وجهها القيادي في «داعش» أبو بكر الرقاوي على خلفية توقيف زوجته في أحد مخيمات عرسال ومن ثم أحد أشقائه في الشطر الشرقي لبيروت.
- ثانيهما، احتمال قيام بعض الخلايا النائمة باشعال جبهة جديدة في الشمال اللبناني، عبر منطقة وادي خالد في عكار وصولا الى محاولة اختراق منطقة الحدود اللبنانية ـ السورية والسيطرة على بعض النقاط الاستراتيجية على طريق حمص ـ بيروت الرئيسية. وهذا الخيار له أساسه، ولو أن الرصد اللبناني أظهر أن لا وجود لمعسكرات ارهابية في منطقة عكار، كما كان يروج سابقاً، لكن ذلك لا ينفي وجود مجموعات بايعت «النصرة» أو «داعش» وتم تدريبها وتسليمها أسلحة وأحزمة ناسفة وهي في جهوزية كاملة في انتظار تحديد ساعة الصفر لها.
وربطاً بالاحتمال الثاني، سرت تكهنات في اليومين الماضيين عن احتمال قيام «داعش» باختراق جبهة عرسال وفتح ممر ضيق عبر جبال أكروم وصولا الى وادي خالد، ولكن مراجع أمنية لبنانية معنية استبعدت احتمال كهذا وقالت لـ «السفير» إن الحصار المفروض على المجموعات الإرهابية في جرود عرسال بدأ يعطي مفاعيله بدليل الصراع المفتوح بين تنظيمي «النصرة» و«داعش» على المؤن الغذائية والمحروقات ومياه الشرب.
وقالت المراجع إن «النصرة» استفادت بعد عملية التبادل الأخيرة من كميات الأغذية والمحروقات التي تصل إلى مخيمات النازحين خارج وادي حميد، الأمر الذي أثار «داعش» فقرر توجيه ضربة عسكرية لـ«النصرة» نجح خلالها في الإمساك ببعض المعابر الحيوية التي تكفل وصول بعض المؤن إليه.
وأشارت المراجع إلى أن تدحرج الأمور عسكرياً وتبادل عمليات الأسر وإعدام «النصرة» أسيرين من «داعش» جعل الأمور تصل إلى نقطة حرجة، لكن يجب أن لا يغيب عن بال أحد أن احتمال سقوط مدينة حلب وباقي ريف حلب الشمالي بيد الجيش السوري وحلفائه في المرحلة المقبلة قد يُدخِل واقعاً جديداً ليس في سوريا، بل في كل دول الجوار، ولن يكون مستغرباً بعد ذلك أن يزداد الضغط الأمني عبر الساحة اللبنانية.
ووفق المراجع نفسها، فإن لا شيء يمكن أن يحول دون اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية الا حدث أمني كبير، وهذا أمر يجب أن يوضع في الحسبان، علما أن التقارير التي رفعها جميع قادة الأجهزة العسكرية والأمنية الى وزير الداخلية نهاد المشنوق، بيّنت أن الظروف الأمنية تسمح بإجراء هذه الانتخابات في موعدها.
وينتظر أن تشكل اطلالة رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري في مناسبة إحياء الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط الجاري، مناسبة لإطلاق أوضح اشارة باتجاه اجراء الانتخابات البلدية في موعدها، وهو صارح بعض زواره في الرياض مؤخراً بأنه يفكر بالعودة سريعا الى بيروت لعقد مروحة واسعة من اللقاءات مع الاقطاب والشخصيات اللبنانية تتمحور حول الاستحقاق الرئاسي، على قاعدة استمرار تمسكه بمبادرته الرئاسية (ترشيح سليمان فرنجية)، كما سيدشن بعدها سلسلة مهرجانات جماهيرية في بيروت وطرابلس وصيدا، خصوصا مع بدء الهمس عن تشكيل نواة لوائح في هذه المدن ستخوض المعركة بوجه اللوائح المدعومة من «المستقبل».
من جهته، يحيي «حزب الله» ذكرى الشهداء، السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والحاج عماد مغنية، في مهرجان «الوفاء للقادة الشهداء»، حيث من المقرر أن يتحدّث فيه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، وذلك عند الساعة السادسة والنصف من مساء الثلاثاء 16 شباط في «مجمع سيد الشهداء» في الضاحية الجنوبية.