أقر البرلمان الجزائري، يوم أمس، تعديلات دستورية ترسم ملامح النظام السياسي لمرحلة ما بعد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقية، الذي يقف وراء هذه الإجراءات، التي ستقيّد الرئيس المقبل بولايتين رئاستين غير قابلتين للتمديد، ولكنها، برغم ذلك، تسمح، ولو نظرياً، للرئيس الحالي بالترشح لولاية خامسة.
وعلاوة على الإجراءات المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية، منحت التعديلات الدستورية السلطة التشريعية صلاحيات اكبر، ومن جهة ثانية، تضمن مشروع الدستور الجديد اعتبار الأمازيغية «لغة وطنية ورسمية» وهو مطلب قديم لقطاع كبير من الجزائريين المتحدثين بهذه اللغة في منطقة القبائل في وسط البلاد ولسكان منطقة الأوراس في الشرق والطوارق في الجنوب.
وأقرت الإصلاحات الدستورية في وقت دقيق بالنسبة الى الجزائر، الدولة العضو في منظمة الدول المصدّرة للنفط («اوبك»)، والتي تواجه حكومتها مشكلة انخفاض حاد في أسعار النفط أدت الى تراجع إيراداتها بدرجة كبيرة، ودفعتها الى خفض الإنفاق.
«إصلاحات» سياسية
وقال مسؤولون حكوميون إن التعديلات استكملت الإصلاحات السياسية التي تعهد بها بوتفليقة بعد انتفاضات «الربيع العربي» في العام 2011، لكن قادة في المعارضة الجزائرية رفضوا التغييرات وقالوا إنها تعديلات ظاهرية على نظام يهيمن عليه منذ فترة طويلة حزب «جبهة التحرير الوطني» والمؤسسة العسكرية.
وبعدما حدَّ بشكل كبير من نفوذ أجهزة الاستخبارات، دفع بوتفليقة نحو إقرار التعديلات الدستورية، التي تطرق إليها للمرة الأولى في العام 2011، بعد بدء ما يعرف بـ «الربيع العربي».
والبند الأبرز في هذه التعديلات الدستورية يتضمن إعادة تحديد حكم رئيس الجمهورية بولايتين غير قابلتين للتمديد.
وكان بوتفليقة نفسه عدّل الدستور للتمكن من تولي اربع ولايات رئاسية متتالية، فقد انتخب في العام 1999، ثم أُعيد انتخابه في العام 2004، ثم تسلم ولاية رئاسية ثالثة في العام 2009 وهو اليوم في ولايته الرابعة التي بدأت في العام 2014.
وبإمكان الرئيس الجزائري حالياً إنهاء ولايته الرابعة حتى العام 2019، والترشح لولاية خامسة إذا رغب بذلك.
وبموجب التعديل الدستوري سيحظر على المواطنين المزدوجي الجنسية تولي مناصب رسمية عليا، في إجراء يثير غضب الجزائريين الذين يحملون الجنسية الفرنسية وهم بمئات الآلاف.
وأدخل التعديل الدستوري في مقدمة الدستور إشارة الى ضرورة الحفاظ على «سياسة السلام والمصالحة الوطنية»، التي اعتمدها بوتفليقة لإنهاء «المأساة الوطنية»، في إشارة الى الحرب الأهلية خلال التسعينيات.
وتعتبر منظمة العفو الدولية ان سياسة المصالحة هذه تحول دون كشف الحقيقة حول تجاوزات كثيرة حصلت خلال هذه الفترة.
وبموجب الإصلاحات الجديدة يتعين على الرئيس الآن التشاور مع الغالبية البرلمانية عند اختيار رئيس الوزراء، وتأسيس هيئة مستقلة للرقابة على الانتخابات.
كما يتيح الدستور الجزائري، بصيغته الجديدة، تعديل بعض نقاطه في حال وصول غالبية إسلامية الى الحكم.
يُذكر أن الجيش الجزائري ألغى، في العام 1992، استحقاقاً انتخابياً بعد نصر كاسح لـ «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (تم حلها)، التي أرادت إلغاء الديموقراطية وإقامة جمهورية إسلامية بموجب الشريعة. وأدى ذلك الى نزاع استمر عقداً وأسفر عن مقتل 200 ألف شخص.
وصوّت 499 نائباً في البرلمان، الذي يضم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، الى جانب التعديل، فيما اعترض اثنان وامتنع 16 عن التصويت.
وكان إقرار التعديلات الدستورية يتطلب موافقة 75 في المئة من النواب (462 عضواً) وأعضاء مجلس الأمة (144 عضواً).
وقال بوتفليقة، في بيان قرأه رئيس البرلمان نيابة عنه، إن الإصلاحات الدستورية «تسمح للمجتمع بالانتقال من مرحلة سياسية ودستورية معينة إلى مرحلة أخرى أفضل نوعياً»، وهو الأمر الذي يظهر من خلال «بناء مجتمع مؤسس على القيم الجمهورية ومبادئ الديموقراطية».
وأشاد رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال بالتصويت قائلاً، في كلمة أمام البرلمانيين، «استجبتم لنداء صانع السلم والاستقرار، صانع الجمهورية الجزائرية الجديدة» معتبراً أن التعديل يكرس التداول الديموقراطي «عبر انتخابات حرة» ويشكل «وثبة ديموقراطية ويمثل حصناً منيعاً ضد التقلبات السياسية والأخطار التي تهدد أمننا الوطني».
حذر المعارضين
ومع عدم التخلي عن الحذر، اعتبر المعارض جمال زيناتي، في مقالة نشرتها صحيفة «الوطن»، انه «مع التعديل الحالي، فإن دستور بلادنا بات يجمع أخيراً كل الأدوات اللازمة للبناء الديموقراطي»، لكنه استدرك قائلاً أنه «مع تحول خرق القانون الى قانون، فإن الأمر لا يشجع كثيراً على الثقة» بالنظام».
من جهته، قال جلول جودي، عضو البرلمان عن «حزب العمال» المعارض، إن التعديلات الدستورية تتضمن بعض الأمور الإيجابية لكنها لا تعكس أي إصلاح سياسي حقيقي.
اما رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق علي بنفليس الذي ترشح ضد بوتفليقة مرتين فكان أكثر حدة في انتقاده، معتبراً أن الهدف من هذا التعديل الدستوري «حل مشاكل النظام السياسي الحالي لا حل مشاكل البلاد».
ويأتي هذا التعديل للدستور بعد حل دائرة الاستعلام والأمن (الاستخبارات) نهائياً، في 30 كانون الثاني الماضي، واستبدالها بثلاث مديريات ينسق عملها مستشار في رئاسة الجمهورية، علماً بأنّ هذا الجهاز كان يعتبر بمثابة «دولة داخل الدولة».
وبعد إقرار التعديل في البرلمان أعلن بوتفليقة تشكيل «خلية متابعة» للعمل على التنفيذ الدقيق في أقرب الآجال لما أقر.
وستدفع الموافقة على الإصلاحات الدستورية بوتفليقة الى تشكيل حكومة جديدة.
اللغة الأمازيغية
وبعد نضال استمر لأكثر من نصف قرن، أصبحت الأمازيغية التي يستخدمها البربر لغة رسمية في الجزائر، بموجب التعديلات الدستورية، لكن اللغة العربية ما زالت تتقدم عليها بصفتها لغة الدولة.
وبحسب النص الدستوري الذي تبناه المشرّعون الجزائريون، امس، فإّنّ الأمازيغية اصبحت «لغة وطنية ورسمية» في البلاد، فيما اللغة العربية هي «اللغة الوطنية والرسمية» و «تبقى اللغة الرسمية للدولة».
يُذكر ان الأمازيغية، بفروعها المتنوعة (الشاوية، والقبايلية، والمزابية، والطارقية)، تستعمل من قبل عشرة ملايين شخص، أي ربع سكان دول شمال أفريقيا.
ولاقى إضفاء الطابع الرسمي على اللغة الأمازيغية ترحيباً من «المحافظة السامية للأمازيغية»، وهي مؤسسة أكاديمية حكومية جزائرية أنشئت في العام 1995، خلال عهد الرئيس الجزائري الأسبق اليمين زروال، بعد أحداث «الربيع الأمازيغي» في منطقة القبائل، وتعنى بنشر لغة البربر.
وقال الأمين العام لهذ المؤسسة سي الهاشمي أسعد إن هذا الإجراء «يعني أن الدولة ستحشد مزيداً من الموارد والآليات لاستدراك العجز» في نشر اللغة الأمازيغية.
وتتطلع الدولة خصوصاً إلى إنشاء أكاديمية لتعليم اللغة الأمازيغية، وستكون مسؤولة عن توفير شروط نشر الأمازيغية بهدف تثبيتها مع الوقت كلغة رسمية.
ولم يكن حتى الآن معترفاً بالأمازيغية، وكان الناشطون دفاعاً عن هذه اللغة يلاحقون في بلاد يحكمها حزب واحد.
وفي العام 1980، خرجت هذه القضية إلى العلن، بعد تظاهرات قُمعت بعنف في منطقة القبائل، حيث يتركز السكان البربر.
وفي التسعينيات أبدت الدولة نوعاً من الانفتاح على المطالبة بالهوية واللغة لهؤلاء السكان.
وفي العام 1995، أدخلت الدولة الجزائرية اللغة الأمازيغية في المناهج الدراسية في بعض مناطق البلاد حيث البربرية هي اللغة الأم.
وفي العام 2002، وبعد أعمال شغب دامية في منطقة القبائل، أسفرت عن سقوط 126 قتيلاً، اعترفت الدولة الجزائرية بالأمازيغية كـ «لغة وطنية» ثانية، بقرار من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وقبل ذلك التاريخ بست سنوات، أي في العام 1996، تم الاعتراف بالأمازيغية في الدستور الجديد، بوصفها مكوناً للهوية الوطنية إلى جانب العروبة والإسلام.
وفي العام 2009، أُطلقت قناة تلفزيونية حكومية تبث برامج بالأمازيغية بكل فروعها.
وسيستغرق إضفاء الطابع الرسمي على اللغة الأمازيغية وقتاً طويلاً في انتظار إجماع على كيفية كتابتها، وسط جدل بين أنصار الحروف البربرية (الأصلية) واللاتينية والعربية.
وبرغم الاعتراف باللغة الأمازيغية، إلا أن إضفاء الطابع الرسمي عليها لم يرضِ الجميع، فالمدافعون الشرسون عن اللغة يطالبون بمساواتها بالعربية.