لا نصاب ولا رئيس في جلسة الانتخاب الـ35 اليوم.
وبرغم أن الأوراق والتحالفات اختلطت مؤخرا، بحيث أصبحت المعركة محصورة عمليا بين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، إلا أن ذلك غير كاف لاستجرار «الطاقة الانتخابية» إلى المجلس.
وإذا كان الرئيس نبيه بري قد كررأمام زواره أمس دعوة المرشحين الثلاثة (ميشال عون وسليمان فرنجية وهنري حلو) إلى خوض المنافسة الديموقراطية في المجلس النيابي، إلا أن المرشحَين الإثنين الأساسيين سيكونان في طليعة المقاطعين اليوم، في انتظار التوافق السياسي حول أحدهما، علما أن بري أوضح أن المقاطعة هي حق ديموقراطي للنائب معتمد في مجالس العالم، مع إشارته في الوقت ذاته إلى ان استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية له منحى وطني.
وفي الانتظار، انشغل اللبنانيون بالطرح المتداول حول احتمال زيادة الضريبة على سعر البنزين، بعد انخفاض ثمن الصفيحة إلى ما دون العشرين ألف ليرة، وذلك بحجة تأمين مصدر تمويل إضافي للدولة، في مواجهة الأعباء المتراكمة عليها.
ولئن كان هذا الطرح لا يزال أوليا، إلا أن مجرد التلويح به يعكس استسهالا في استنزاف المواطن وإرهاقه بمزيد من الأعباء، وصولا إلى تجاهل كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية السلبية التي لا تسمح بأي مغامرة ضريبية جديدة، لا سيما في ظل التضخم الكبير والبطالة المرتفعة والركود الاقتصادي وتراجع المداخيل والواقع المعيشي السيئ، وكأنه لا يحق، أو لا يجوز، للبناني أن يكون مشمولا بمفاعيل الانخفاض العالمي في سعر النفط، وهو أمر ليس للدولة أصلا أي فضل فيه.
ويبدو واضحا أن البحث في إمكانية رفع سعر البنزين حوالي خمسة آلاف ليرة يعبر عن ميل رسمي مزمن إلى سلوك أقصر الطرق وأسهلها نحو زيادة إيرادات الخزينة، من جيب المواطن العادي الملزم، على سبيل المثال، باستهلاك يومي للوقود، في حين أن هذا الخيار يجب أن يكون الأخير في لائحة الاحتمالات، خصوصا أن هناك بدائل أقل وطأة وأكثر جدوى يمكن اللجوء إليها، إذا توافرت الإرادة، من نوع ضبط الهدر ومكافحة الفساد وتفعيل القطاعات الإنتاجية وتحسين جباية الضرائب.
بري: مع.. ولكن
ونقل زوار الرئيس بري عنه قوله إنه شخصيا ضد زيادة سعر صفيحة البنزين بقيمة خمسة آلاف ليرة إضافية، موضحا أن الرفع بنسبة ثلاثة آلاف ليرة قد يكون قابلا للنقاش، لأن هناك احتياجات مالية ملحة للدولة في مجالات عدة، محذرا من أن الوضع المالي للدولة بات صعبا، إلى حد أن وزير الدفاع رفع الصوت منبها إلى أن الجيش يواجه خطر النقص في الذخيرة بفعل الشح المالي.
وأشار إلى أن من واجب المجلس النيابي أن يؤدي دوره في التدخل التشريعي حيث تقتضي الضرورة المالية، مضيفا: يكفي أن النواب لا ينتخبون رئيس الجمهورية، فهل يجوز أن يمتنعوا أيضا عن التشريع؟
خليل: لا قرار بعد
وأبلغ وزير المال علي حسن خليل «السفير» أنه ليس لدى وزارته قرار أو توجه نهائي بخصوص زيادة سعر البنزين، لافتا الانتباه إلى أن الاقتراح «يجب أن يأتي بداية من وزارة الطاقة المعنية بطرح زيادة رسم الاستهلاك، وبعد ذلك نتولى نحن في الوزارة درس الأمر وتحديد الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي يمكن أن يترتب عليه، ليبنى على الشيئ مقتضاه».
وأوضح أنه عرض أمام مجلس الوزراء الوضع المالي الراهن، بحقائقه ووقائعه الموضوعية، لافتا الانتباه إلى أن الزيادات التي يطلبها الوزراء على موازناتهم ترتب إنفاقا إضافيا على الدولة، ما يتطلب مراعاة الشرطَين الآتيين: تشريع قانوني من قبل مجلس النواب لأي اعتمادات إضافية، وتقدير مدى قدرتنا على تحمل تبعات الإنفاق الإضافي الذي يحتاج إلى تأمين مصادر تمويل جديدة، إما عن طريق المزيد من الاقتراض مع ما يعنيه ذلك من زيادة في حجم الدين والخطر على الاستقرار، وإما عبر فرض زيادات ضريبية، وإلا فإن الخيار البديل هو أن يعمد الوزراء إلى ضبط الإنفاق.
وحذر من أن تضخم الإنفاق بشكل عشوائي وغير مدروس «سيرتب أعباء جديدة، خصوصا لجهة زيادة العجز إلى حدود غير محتملة»، مشددا على أن مجلس الوزراء هو المعني بأن يحدد الخيارات المالية الاستراتيجية، وبأن يقرر مصادر الإيرادات الجديدة إذا قرر زيادة الإنفاق.
وحول احتياجات الجيش اللبناني، أكد خليل انه «لا مبرر للقلق في هذا المجال، وقد اتفقت مع وزير الدفاع على آلية لتلبية متطلبات المؤسسة العسكرية».
السنيورة.. و «تلازم المسارَين»
أما الرئيس فؤاد السنيورة الذي أطلق في الأساس اقتراح الزيادة، فقال لـ «السفير»: إذا كان وزير المال يستطيع أن يحقق الأمان المالي للدولة، من دون أي زيادة ضريبية، فنحن معه، وبالتالي فهو المعني في أن يحدد ما إذا كانت هناك حاجة لرفع سعر البنزين أم لا. وأضاف مستدركا: ولكن عليه أن يعرف أنه إذا لم يقل الحقيقة فإنها ستنفجر في وجهه.
وأوضح أنه عندما كان وزيرا للمال تصرف تبعا لما تقتضيه المصلحة العامة، من دون أن يبحث عن كسب الشعبية كيفما كان. ويروي في هذا المجال أن الرئيس الراحل الياس الهراوي أخبر أحد الرؤساء العرب خلال زيارة رسمية كيف أنني لم أكن محبوبا من زملائي، فأجابه الرئيس العربي: أنا شخصيا، حين أشعر بأن شعبية وزير ماليتي تزيد، أسارع إلى إقالته..
وأشار السنيورة إلى أن الكثيرين ممن يعترضون في العلن على زيادة سعر البنزين ولو لقرش واحد، يؤكدون في الغرف المغلقة أن هناك ضرورة لرفع السعر خمسة آلاف ليرة وأكثر.
ولفت الانتباه إلى أن أي إجراءات مالية يجب أن تترافق مع تقويم أداء الدولة، مشددا على أهمية أن يكون هناك توازن وتلازم بين مسارَي الزيادات المفترضة والتدابير الإصلاحية التي من شأنها مكافحة الفساد وتفعيل إنتاجية الدولة، وعندها سيتقبل المواطن القرارات الصعبة.
وعن اقتراح رفع سعر البنزين 3 آلاف ليرة فقط، قال السينورة إن الأمر ليس مزاجيا، «والدواء المضاد للالتهابات إذا لم يؤخذ وفق الجرعة المطلوبة، فإنه لا يعطي النتيجة المتوخاة».
ونبه إلى أن الدولة وصلت إلى وضع متفاقم من الاهتراء والتحلل، باتت مواجهته تتطلب إحداث صدمة إيجابية، تبدأ من انتخاب رئيس الجمهورية وتُستكمل بمجموعة من الإجراءات المالية والإصلاحية التي يفترض أن تشكل رزمة واحدة.
كنعان: نعارض رأي السنيورة
في المقابل، أكد رئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان رفض فرض الضريبة على البنزين بشكل عشوائي، «ونحن نختلف مع الرئيس السنيورة جذرياً على هذا الصعيد»، معتبرا أنه من غير الجائز أن تُخضِع الدولة المواطن لضرائب كلما احتاجت إلى إيرادات.
وشدد على رفض تحميل المواطن أعباء تداعيات فشل الحكومات والسياسات الخاطئة، لافتا الانتباه إلى أن «العشوائية يجب أن تتوقف، والموازنة وحدها تُمكننا من تقدير ما لدينا من إيرادات واحتياجات، إلى جانب إقرار الحسابات المالية الصحيحة، وما عدا ذلك فهو فِخاخٌ لفرض ضرائب عشوائية على الناس».