يُعتبر القرن الخامس الهجري عصر الانفتاح السياسي والثقافي والنضج الفكري , وقد سميّ العصر الذهبي للمسلمين ولغيرهم نتيجة الاوضاع السياسية التي سادت لفترة ليست قصيرة , وخاصة في بغداد عاصمة الخلافة العباسية , فيها برز أكابر العلماء أمثال : الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهم من العلماء الذين أقرّت لهم السلطة بحضورهم العلمي المميّز , وبالتالي أسندت لهم الوظائف الكبرى أهمها منصب القضاء والافتاء العام .
تميّز العصر العباسي الذي نقصده بالحديث بظاهرة الصراع الفكري وإنتشار المدارس الكلامية والفقهية , وكان يخفت أحيانا تبعا لسياسة وموقف السلطة من طرف ما , وفي هذا الزمن بالتحديد برزت النزعة العقلية مقابل النزعة السلفية وقد إنعكس ذلك على الساحة السياسية والفكرية بشكل واضح في فترة الخليفة العباسي المستكفي بالله ( 333- 334ه ) , الذي إستقدم البويهيين لتسليمهم السطلة وزمام الحكم .
بعد إستلام البويهيين الشيعة للحكم في بغداد سنة 334ه , إتخذوا سياسة متوازنة في التعامل مع المذاهب والفرق الاسلامية , ولم يكن تشيّعهم يدفهم إلى التحامل على أي طرف أو اي مذهب أو أي فرقة مهما كانت إتجاهاتها ما دامت محافظة على النظام العام والسلم الاهلي , وقد شهدت فترة صراع بين السنة والشيعة على بعض الشعائر فوقفت السلطة البويهية ضد الشيعة في بعض الاحيان , وذلك حصل بحضور شيخ الطائفة الشيخ المفيد , مع أن شوكة الشيعة كانت الغالبة ولم يتعصبوا مع الشيعة ضد السنة , كثير من الحوادث الطفيفة التي حصلت بين المذهبين وكانت السلطة على الحياد مع فرض الامن والحفاظ على النظام العام , وبذلك إزدهرت تلك الفترة بالثقافة والحريات الدينية , وهذه الحالة برزت أكثر وضوحا في زمن عضد الدولة ( 337 – 372 ه ) .
ولتجنيب الناس من الفتنة المذهبية في تلك الفترة وخاصة أوائل دخول البويهيين إلى بغداد وبروز الشعائر والمجالس الحسينية سنة 352 هجرية , مما اثار حفيظة البعض , أصدر الوزير البويهي أبو الحسن علي بن محمد الكوكبي قرارا بمنع إقامة العزاء في منطقة الكرخ , كذلك فعل عميد الجيوش أبو علي هرمز حاكم العراق من طرف بهاء الدولة سنة 392هجرية بنمع الشيعة بإقامة العزاء ومنع السنة من إقامة العزاء على مصعب بن عمير , وبعد فترة أعيدت الشعائر وعادت الاضطرابات بين الفريقين .
ما نريد أن نشير إليه بعد سرد سريع لبعض المواقف السياسية , هو أن البويهيين ,أعني الدولة الشيعية , لم تسلّط السيف على رقاب المخالفين لها مذهبيا , بل بالعكس في كثير من المواقف كانت ضد الشيعة , حتى أنها شدّدت الرقابة على شيخ الطائفة " المفيد " , ومنعت بعض الشعائر خوفا من إضطراب الاوضاع , ووقوع الفتن .
إنها تجربة شيعية سياسية في الحكم كانت مُشرقة , فيها إتجهت السلطة إلى الاهتمام بشؤون الحكم والتنظيم , وإلى الاهتمام بالثقافة الوحدوية , وإلغاء الشرخ بين المسلمين , وتعاملت مع السنة والشيعة بوصفهم مواطنين تحت رعايتها , وبهذه الفترة بالتحديد تداخلت الحوزات الشيعية والسنية , وحضر علماء المذاهب نفس حلقات الدرس في بغداد , وقد أسندت المناصب الكبرى لعلماء شيعة من قِبل الخلفاء السنة , فكان الشيخ المفيد زعيم الامامية والشيخ الطوسي , موضع إحترام من السلطة البويهية ومن بعدها من الخلافة العباسية .