بعدما أعلنت منظّمة الصحّة العالمية حال طوارئ صحّية بعد تفشّي فيروس "زيكا" في 24 دولة، وخصوصاً في أميركا اللاتينية، أكّدت وزارة الصحّة العامة اللبنانية بدورها، عدم وجود أيّ إصابة بهذا المرض في لبنان حتى الآن. ولكن هل يجب علينا الخوف من فيروس منتشر في الأميركيَّتين وأفريقيا، بينما تعيش بيننا فيروسات أخطر منه بكثير؟

هل يجب اعتبار وباء "زيكا" حال طوارئ للصحّة العامة على نطاق دولي؟ سؤال طرحته منظّمة الصحّة العالمية، ويجيب عنه الاختصاصي في الطبّ الداخلي، وفي تشخيص الأمراض النادرة وأمراض المناعة الدكتور معين جمّال الذي أكّد لـ"الجمهورية" أنّ "فيروس "زيكا" لا يصنَّف كفيروس قاتل أو شديد الخطورة وأنه ليس بجديد، فقد ظهر عام 1940 في أوغندا وانتقل بعدها إلى آسيا وأميركا اللاتينية، وتكون بيئته الحاضنة عادةً البلدان الاستوائية"، مشيراً إلى أنّ "زيكا ينتمي الى عائلة الـ"Flavirus"، وينتقل عن طريق نوع محدّد ومعيّن من البعوض الذي يتكاثر على المسطّحات المائية، وينقل الإصابة من شخص مصاب للآخرين عبر اللسع".

عوارض "زيكا"

أمّا عن العوارض، فأوضح أنها بسيطة ونادراً ما يسبّب هذا الفيروس تعقيداتٍ كبرى، وتمتدّ من يومين الى أسبوع، قائلاً: "قد تسبّب الطفح الجلدي أو الحمّى الخفيفة، إحمرار في العينين، وجع في المفاصل والعضلات، وتتمّ معالجة العوارض عبر تناول أدوية مخفّضة للحرارة، وأخذ قسط من الراحة، ويمكن أن تسبّب نادراً متلازمة "غيلان باريه"، أيْ اضطراب المناعة الذاتية".

 

مضيفاً أنّ "الأطفال والمسنّين والحوامل هم أكثر عرضة للمضاعفات مثل مشكلات في الجهاز العصبي، حرارة مرتفعة جداً، مضاعفات على مستوى القلب، ما يستلزم ادخالهم الى المستشفى". مشدّداً على أنّ "80 في المئة من الاصابات تكون بسيطة بعوارضها، ولا تسبّب أية مشكلات بينما الـ20 في المئة تكون عوارضهم جدّية".

 

على صعيد آخر، شرح أنّ "هناك معلومات غير مؤكّدة تدلّ على امكانية انتقال الفيروس بين البشر عن طريق الاتصال الجنسي، كما من الممكن انتقاله من الأم المصابة إلى الجنين، فيكون الفيروس السبب للإصابة بتلف في الدماغ عند المواليد (صغر حجم الرأس بشكل غير عادي) والذي يؤثّر في نموّ الدماغ عند الأطفال".

 

ولفت د. جمّال إلى أنه "لا يوجد علاج أو لقاح لهذا الفيروس، الّا أنّ العلاج المتوفّر حاليّاً والذي يسمح للمصابين بالتحسّن بعد وصفة طبّية للأوجاع والآلام وأدوية خفض الحرارة وتسكين الألم، وشرب السوائل لتجنّب الإصابة بالجفاف".

 

وعن التشخيص، فسّر جمّال أنه "إذا وُجد الشخص في مكان يوجد فيه "الزيكا" وظهرت له العوارض التي ذكرناها، فمن الممكن أن يكون تعرّض للسع من قبل هذا البعوض، عند الاشتباه بالإصابة يمكن أن يخضع لفحص PCR للكشف".

هل يمكن انتشار "زيكا" في لبنان؟

احتمال انتقال هذا الفيروس الى لبنان ضئيل جدّاً، مفسّراً أنّ "لبنان ليس من البلدان الاستوائية، وبالتالي في حال قدوم مريض حامل للفيروس من الخارج إلى لبنان، يجب أن تلدغ الشخص المصاب بعوضة ناقلة، ونقله إلى شخص آخر، إلّا أنّ هذا النوع من البعوض غير ناشط هذه الفترة من العام في بلدنا، وبالتالي من المستحيل الإصابة به". موضحاً أنّ "طريقة انتقاله شبيهة بالملاريا، فإذا أصيب أيّ لبناني بالملاريا في إحدى الدول الأفريقية، لا يمكنه نقل العدوى إلى لبنان".

أمّا عن احتمال تسبّب النفايات المتراكمة في لبنان في انتشار "الزيكا" فقال "مشكلة النفايات، يمكن أن تولد مشكلات أخطر من "الزيكا" مثل الطاعون والتيفوئيد وغيرهما، ولكن لا يمكن أن تسبّب "الزيكا" التي تتكاثر على الماء". ونصح د. جمّال المسافرين إلى المناطق المتضرّرة بـ"اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة من أجل حماية أنفسهم من لسع البعوض مثل ارتداء القمصان ذات الأكمام الطويلة والسراويل الطويلة، إغلاق الأبواب والشبابيك، إفراغ الأوعية التي تحتوي على الماء كأواني الزهور مثلاً، من أجل إزالة الأماكن التي يمكن للبعوض أن يتكاثر فيها، واستخدام بعض الكريمات المخصّصة للحماية، وتوجيه عناية خاصة للأشخاص غير القادرين على حماية أنفسهم كالأطفال مثلاً، من خلال ارتدائهم رداءً كاملاً طويلاً لمنع تعرّضهم، وعلى النساء الحوامل الحذر خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأولى أو أوائل الثلث الثاني من الحمل. ويفضّل عدم ذهابهنّ إلى مناطق تواجد فيروس "زيكا" لأنّ أمر إصابتهنّ يصبح أكثر جدّية وقد يعرّض الجنين لمشكلات صحّية".

هل يوجد لقاح؟

من جهة أخرى، يخوض العلماء والشركات سباقاً مع الزمن من أجل ابتكار لقاح مضاد لفيروس "زيكا"، مع تنامي المخاوف منه، وارتباط الإصابة به بظهور تشوّهات عند المواليد الجدد، وتعاظم القلق بشأن تكاثر البعوض الناقل للفيروس. وفي هذا السياق، أعلنت شركة "سانوفي باستور" العملاقة المتخصِّصة باللقاحات، أنّ الأبحاث تجرى على قدم وساق للإنقضاض على هذا الفيروس الذي ينقله البعوض، من خلال إنتاج لقاح يضع حداً لتفاقمه في العالم أجمع. وأوضحت الشركة، في بيان نشر في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، أنها "تستند الى النجاح الذي تحقّق مع لقاحات استُنبطت لفيروسات مماثلة"، مثل لقاح "دنغفاكسيا" ضدّ حمى الضنك المستشري في المناطق الإستوائية.

 

وأضاف البيان "تُجرى الأبحاث حالياً لتحديد علاقة فيروس "زيكا" باضطراب عصبيّ خطر، فضلاً عن الشكوك في تسبّبه بتشوّهات خلقية، إذ تكمن الخطورة في عدم توافر أيّ علاج أو لقاح ضدّ هذا الفيروس الذي يشتبه أيضاً في أنه يتسبّب بمتلازمة غيان- باريه وهو مرض عصبي خطير يشلُّ المريض كلياً وقد يقضي عليه في حال إهمال أعراضه وعدم معالجته سريعاً".

 

وأشار مدير الاتصالات في مجموعة "سانوفي باستور" ألان برنال الى أنّ تركيب لقاح مناسب لا بدّ وأن يستغرق شهوراً على أقل تقدير، إن لم نقل سنيناً.

وأفاد مسؤولون من المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة أنّ مركزاً لعمليات الطوارئ يعمل على مدار الساعة للتعامل مع "زيكا" وبذل الجهود على المستوى العالمي للقضاء على الحشرة.

(الجمهورية)