إنه لشيء غريب بعد كلّ ما عاناه لبنان جراء الأزمة السورية أن يعمد المُجتمع الدولي إلى ربط المساعدات للبنان بتشريع عمل السوريين فيه. فما هي خفايا هذا الربط وما هي تداعيات تشريع عمل السوريين على الاقتصاد اللبناني؟
كلمة كارثة هي كلمة مُلطّفة لوصف تداعيات النزوح السوري في لبنان. نعم إنها كلمة مُلطّفة لأنّ مجرد معرفة أنّ هناك 650 ألف عامل سوري في لبنان أيْ 52% من اليد العاملة اللبنانية كافٍ لفهم ما وصل إليه حال الاقتصاد اللبناني. وحساب هذا الرقم بسيط ويعتمد على أرقام المفوّضية العليا للاجئين التي تُعطي عدد النازحين السوريين وتوزيعهم الديموغرافي والجغرافي على موقعها الإلكتروني.
وما يصعب فهمه من طلب المُجتمع الدولي بتشريع عمل السوريين في لبنان، هو أنّ البنك الدولي أصدر تقريراً قال فيه إنّ عدد العاطلين عن العمل من اللبنانيين سيزيد بـ 324 ألف عاطل عن العمل جديد نتيجة النزوح السوري خصوصاً أنّ البطالة في لبنان تخطّت الـ 35% والـ 50% بين الشباب. فلماذا إذاً يطلب المُجتمع الدولي تشريع هذا العمل وفتح العمالة على القطاعات كافة؟
المعطيات التي تستند إليها المنظمات الدولية
في تقرير أعدّه مكتب البنك الدولي في لبنان العام المُنصرم، أظهرت الأرقام أنّ حجم التبادل التجاري بين سوريا ولبنان زاد في العام 2014 وقسم من العام 2015. هذه الزيادة علّلها التقرير بضعف الماكينة الإنتاجية السورية والتي دفعت بالسوريين إلى الإستيراد من لبنان.
أيضاً تعتقد المنظمات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي أنّ إدخال العمال السوريين رسمياً إلى سوق العمل، يُلزمهم بإنفاق شقّ كبير من الأموال التي يجنونها في الاقتصاد اللبناني بحكم أنهم سيفقدون صفة النازحين ويُصبحون مهاجرين.
أضف إلى ذلك تلكّؤ المُجتمع الدولي عن تمويل المفوضية العليا للاجئين لتمويل العناية بالنازحين السوريين وهذا الأمر يُمكن التعويض عنه بفتح سوق العمل للسوريين ما يجعلهم يُموّلون معيشتهم اليومية.
معطيات خاطئة مبنيّة على تحليل غير إقتصادي
إذا ما وضعنا جانباً المعطيات السياسية وركزنا على المعطيات الاقتصادية فقط، نرى أنّ لبنان مُتضرّر بشكل كبير من النزوح السوري وفتح سوق العمالة وتشريعها سيقضي على الاقتصاد اللبناني. وتبرير هذا الأمر هو التالي:
أولاً: إنّ حجة زيادة التبادل التجاري بين لبنان وسوريا هو واقع لا يُمكن نكرانه لكن ما لم يره البنك الدولي هو أنّ الصادرات والواردات اللبنانية الإجمالية تراجعت بشكل كبير وذلك بسبب غياب الإستثمارات التي تقلّصت مع الأزمة السورية وبدء النزوح السوري وما حمل معه من إضطرابات أمنية وسياسية.
ثانياً: إنّ تشريع عمل السوريين في لبنان وفتح أسواق العمل لهم على مصراعيها لن يكون سبباً كافياً لكي يُنفق العامل السوري قسماً كبيراً من أمواله في لبنان. فغالبية العائلات السورية التي تعيش في المدن تعيش في شقق صغيرة جداً وبأعداد كبيرة وذلك على الرغم من عمل الرجال اليومي.
كما أنّ العامل السوري لا يهتمّ أقله في الأعوام العشرة المُقبلة بإستهلاك الكماليات كما والتسوّق والترفيه وذلك بحكم أنه يُقسّم إنفاقه إلى ثلاثة أقسام: الأوّل يطاول شراء الأساسيات في لبنان، الثاني إرسال أموال إلى الأهل في سوريا والثالث تخبئة قسم من هذه الأموال للأيام السوداء. وبالتالي فإنّ حجة تشريع العمل أيْ زيادة الإستهلاك هو أمر غير دقيق.
ثالثاً: إنّ النازحين السوريين على الأرض اللبنانية يعملون في لبنان بكلّ حرية. ويعمد رب العمل اللبناني إلى طرد العديد من موظفيه اللبنانيين وتوظيف سوريين بدلاً منهم. بالطبع رب العمل هذا يريد زيادة ربحيته وبالتالي يستفيد من وضع السوريين الذين يقبلون بأجور مُنخفضة ولا يستهلكون ما يجنونه في لبنان. وهذا يعني أنّ المواطن اللبناني العاطل عن العمل سيُقلّل من إستهلاكه ما يؤدّي إلى إقفال العديد من الشركات (يكفي النظر إلى القطاع السياحي والعقاري).
رابعاً: يتمحور إستهلاك النازحين السوريين في لبنان على الأساسيات وعلى رأسها المواد الغذائية والمحروقات والبنية التحتية الخدماتية. وهذه كلها مدعومة من الدولة إن بشكل مباشر أو غير مباشر وبذلك تتحمّل الخزينة اللبنانية خسائر جمّة لا تُعوّضها المُساعدات الدولية. وكلنا نتذكر كيف تمّ تهريب المازوت الأحمر (المدعوم) من قبل السوريين إلى سوريا في شباط 2015 ما خلق أزمة في لبنان.
خامساً: إنّ سوق العمل اللبناني بنظرة سطحية يُمكن قسمته إلى سوق يتطلّب مهارات فكرية وسوق يتطلّب مهارات جسدية. وإذا ما كان العامل السوري يعمل في سوق العمل الذي يتطلّب مجهوداً جسدياً، إلّا أنه حرم معظم اللبنانيين من العمل في هذا السوق.
على سبيل المثال، لا نجد أيّ عامل لبناني في القطاعات التالية: البناء، محطات الوقود، التنظيفات، الزراعة، والعديد من الصناعات، ومحال الدواليب... فهل يُريد المُجتمع الدولي إجراء الشيء نفسه مع القطاعات الأخرى؟ ألا يكفي هجرة الشباب اللبناني؟
سادساً: لم نرَ أيّ عامل سوري يدفع الضرائب للدولة اللبنانية مع العلم أنه يستهلك البنية التحتية الخدماتية ومنها الكهرباء والماء كما ويُساهم في أكثر من 40% من النفايات من دون أيّ تعويض على خزينة الدولة.
وللتذكير فإنّ 40% من كلفة ترحيل النفايات (نصف مليار دولار أميركي) يجب أن تكون على عاتق النازحين بحكم أنّ هذه النفايات تتراكم منذ تموز 2015 وهم موجودون على الأرض اللبنانية ويُساهمون بخلقها.
سابعاً: إنّ فتح سوق العمل وتشريع عمل السوريين يفرض فتح أبواب الطبابة والمستشفيات لهؤلاء العمال ولعائلاتهم. ما يعني أنّ فاتورة الضمان الاجتماعي ستنفجر وهي التي في عجز مُستمر.
وإذا ما اعتقد البعض أنّ هؤلاء العمال سيساهمون في الضمان، فإننا نقول لهم لا يوجد أيّ نظام صحّي في العالم يستطيع أن يستوعب عدداً إضافياً يُشكل أقله نصف عدد المضمونين لديه مع العلم أنّ نسبة أفراد عائلات النازحين السوريين هي 58% للعائلات المُكوّنة من 5 أشخاص وأكثر.
خطوة ستقضي على لبنان
إنّ فتح أسواق العمل للسوريين وتشريع عملهم في لبنان يطرح مسألة إستدامة الدولة اللبنانية إذ يكفي النظر إلى الخريطة التي تضعها المُفوّضية العليا للاجئين على موقعها الإلكتروني لنرى مدى إنتشار النازحين وتغلغلهم في المُجتمع اللبناني. نعم إنها كارثة والخوف الأكبر يبقى من فرض هذا الأمر من المجتمع الدولي لأهداف سياسية لا إنسانية بالضرورة.