اذا كان في حكم المؤكد ان الجلسة النيابية الـ 35 لانتخاب رئيس للجمهورية الاثنين المقبل لن تشهد "المفاجأة الصاعقة" التي ستفضي الى حسم الازمة الرئاسية والسياسية التي تشد على خناق البلاد، فان المحطات الأخرى المتعاقبة التي سيشهدها الاسبوع المقبل مرشحة بدورها لزيادة قتامة الواقع السياسي وتداعياته السلبية المتزايدة في كل الاتجاهات ولا سيما منها الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية.
لم يكن ينقص هذا المشهد المأزوم وسط فوضى الملفات الا اضافة موضوع التعيينات الادارية في الوزارات والادارات العامة الذي أثير على نطاق واسع منذ السبت الماضي على خلفية ترقيات في وزارة المال بدت كأنها النقطة التي فاضت بها كأس الاحتجاجات المسيحية. ثم كرت السبحة واتسعت ولم تكف لوضع حد لها المؤتمرات الصحافية والتوضيحات التي قدمها وزيرا المال علي حسن خليل والاشغال العامة غازي زعيتر، بل بدا انهما زادا الغضبة المسيحية التي انخرط فيها الى جانب بكركي الاحزاب والوزراء المسيحيون مبرزين وقائع مناهضة للتوضيحات "الدفاعية" بلغت بأحد الوزراء حد القول إن المسيحيين يشكلون ما نسبته 31 في المئة فقط من الوظائف الادارية فيما تملأ الطوائف الأخرى ما نسبته 69 في المئة.
واذ لا يمكن التنكر لواقع الشكوى المسيحية المزمنة من الخلل الوظيفي والاداري، فان ذلك لا يحجب الطابع الشديد الحساسية الذي بدأ يكتسبه هذا الملف "الصاعد" سواء لجهة السجالات التي راحت تتخذ طابعاً طائفياً او لجهة تداعياته غير المباشرة على صعيد السباق الرئاسي أيضاً، باعتبار ان أحداً لا يخفى عليه ان "حفلة" تصفية حسابات تجري تحت جنح السجالات التي حصلت في الأيام الأخيرة، كما ان تقدم هذا الملف في الأيام الاخيرة سيشعل المزايدات ويضع المعنيين بالسباق الرئاسي أمام وقائع تتسم بالتشنج الطائفي. وعلمت "النهار" في هذا السياق أن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وجّه أمس دعوات خطيّة الى الوزراء المسيحيين للاجتماع يوم الجمعة 12 شباط الجاري في بكركي للتشاور في وضع المسيحيين في الادارة والدولة.
التمويل الشاق
أما الملفات الأخرى المطروحة التي تنتظر تمرير جلسة الاثنين واحياء عيد القديس مارون الثلثاء، فتعيد الاهتمامات الى جلستين سيعقدهما مجلس الوزراء الاربعاء والخميس المقبلين لاستكمال مناقشتها ومن أبرزها تثبيت متطوعي الدفاع المدني واحالة ملف ميشال سماحة على المجلس العدلي، علماً ان احدى الجلستين ينتظر ان تشهد نقاشاً شاقاً لتمويل الحاجات والمشاريع الملحة انطلاقا من ناقوس الخطر الذي دقه وزير المال في الجلسة السابقة مشترطا تأمين التغطية القانونية لهذه الملفات وتوفير الواردات التي تغطي النفقات. وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان جلسة مناقشة التمويل مرشحة لان تتحول جلسة مساءلة في الملف المالي كله انطلاقا من عبثية الدوامة التي تحول دون اقرار الموازنات العامة في حين ترزح الدولة تحت اعباء الاولويات المتسابقة والتي صارت كلها غير قابلة للتأجيل بفعل تصاعد التداعيات الاجتماعية والاقتصادية. وأشارت الى اتجاه لدى بعض الوزراء الى اعادة طرح ملف النفايات الذي يكاد يصير منسياً وسط بطء تنفيذ الخطة المحكى عنها في عملية ترحيل النفايات، علماً ان الحراك المدني يعاود موجات الاحتجاج على هذا الملف.
وقد فرز في ملف ميشال سماحة أمس عامل جديد تمثل في اتصال وزير العدل اللواء اشرف ريفي بالنائب العام التمييزي سمير حمود طالباً منه التدقيق في صحة معلومات تحدثت عن وجود رابط مصاهرة بين عضوين من اعضاء هيئة محكمة التمييز العسكرية التي أصدرت قراراً بتخلية سماحة تمهيداً لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة في حال ثبوت صحة هذه المعلومات.
مساعدات موعودة
في غضون ذلك، لم يتبين للبنان الرسمي بعد، باعتراف رئيس الوزراء تمام سلام، حجم المساعدات التي ستعود اليه من مؤتمر المانحين الدوليين في لندن الذي عاد منه الرئيس سلام أمس الى بيروت. واكد سلام ان لبنان لم يعرف ما ستكون حصته، مشيراً الى مسار صعب ومعقد تسلكه المساعدات من المصدر الأم الى الوجهة النهائية. وشدد على ضرورة اتباع آلية عمل وتنسيق او جهاز متابعة لتنظيم هذا الامر" خصوصاً ان كل المؤشرات تؤكد ان الأزمة ستكون طويلة وستحتاج الى آليات عمل واضحة وشفافة". لكن سلام نفى ما يتردد عن اتجاهات غربية الى توطين اللاجئين السوريين قائلاً: "لم نسمع كلاماً يؤشر للتوطين والموضوع غير مطروح اطلاقاً".
لكن مصادر وزارية قالت لـ"النهار" إن الطرح الرسمي الذي عبّر عنه الرئيس سلام في مؤتمر لندن لم يكن موضع إجماع في اللجنة الوزارية التي واكبت التحضير للمؤتمر. فما قاله في المؤتمر من "ان المساعدة المخصصة للتنمية هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع الأزمة، لأنها تفتح آفاقاً اقتصادية وتخلق فرص عمل، بما يؤدي الى تأمين مصادر دخل للنازحين مع الحفاظ على كرامتهم في آن واحد"، كان موضوع نقاش لم ينته الى إجماع في اللجنة. ففي حين قالت هذه المصادر المشاركة في اللجنة "أن لبنان طالب بإستثمارات خارجية ضمن القانون اللبناني بما يوفر فرص عمل للاجئين في قطاعات حددتها ورقة العمل وهي: المدارس والحضانات والزراعة والطاقة وتربية المواشي والصناعات الغذائية، وهي ترد على مطالبة المجتمع الدولي بتشغيل اللاجئين فيما لبنان يعاني من عدم وجود فرص عمل بسبب الازمة الاقتصادية التي يواجهها.
في المقابل، أبلغ وزير العمل سجعان قزي، وهو عضو في اللجنة الوزارية "النهار" أن منطق إيجاد فرص عمل للاجئين تحديدا "هو خاطئ وينطوي على خطر بقاء اللاجئين في لبنان وتوطينهم، علماً أن لبنان يوفر فرص عمل حالياً لنحو نصف مليون سوري من دون الوقوف على خاطر المجتمع الدولي وفق ما ينص عليه قانون العمل اللبناني. وكان الاجدر بالمجتمع الدولي بدلاً من الاشتراط على لبنان أن يتولى مساعدته على تحمل أعباء مليون و700 الف لاجئ وهو رقم مرشح للارتفاع بفعل أفكار تشغيل اللاجئين حصرا وليس السوريين عموماً، الى نحو مليوني لاجئ في الفترة الممتدة الى سنة 2020".