عقد في لندن مؤتمرالمانحين من أجل سوريا وطغت على المؤتمر الخطابات التي تشير الى وجود أزمة نزوح فعلية جراء الأزمة السورية وقد طالت هذه الأزمة دول الجوار وأوروبا واستطاعت أن تكون الأزمة الأقوى تاريخيا منذ الحرب العالمية الثانية .
وفي تسويات سريعة لتفادي تطور الأزمة أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن مؤتمر المانحين من أجل سوريا استطاع جمع أكثر من 10 مليارات دولار من أجل اللاجئين السوريين.
وبين كاميرون: "حصلنا على 6 مليارات دولار للاجئين السوريين للعام الجاري و5 مليارات حتى العام 2020". وأشار الى أن جزءا من المبالغ سيوجه إلى دول الشرق الأوسط لخلق فرص عمل وظروف ملائمة لتدريس الأطفال، معتبرا أن "هذه المساعدة مهمة جدا للاجئين ودول المنطقة التي تعمل الكثير".
وأكد أن "ما توصلنا إليه اليوم يلعب دورا حاسما في إنقاذ اللاجئين الذين يحاولون السفر في رحلات خطرة الى أوروبا". من جانبها، أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل أنه من المهم الحفاظ على الوصول إلى المناطق السورية حيث الحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
ونوهت بأن ألمانيا قدمت مساعدات لصندوق "الثقة" لإعادة إعمار سوريا والذي يخصص المواد شمال وجنوب البلاد في المناطق الخاضعة للمعارضة السورية، فيما دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للعودة إلى المحادثات وعدم استغلال فترة تعليقها للسيطرة على مناطق جديدة في ساحة المعركة. وكان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك قد أعلن في وقت سابق أن الاتحاد الأوروبي سيقدم خلال العام الحالي 3 مليارات يورو كمساعدات للسوريين.
والصرخة اللبنانية من أزمة اللجوء السوري أطلقها الرئيس تمام سلام في كلمته أمام المؤتمر حيث أشار إلى أن لبنان يدفع أثمانا كبيرة نتيجة استقباله مليون ونصف مليون نازح سوري. واضاف ان "الاقتصاد اللبناني يدفع الثمن بشكل خاص سواء فيما يتعلق بارتفاع نسب البطالة والفقر الى تراجع لنسبة النمو الى الصفر الى غيرها من الامور".
وقال سلام في كلمة له الخميس امام "مؤتمر المانحين الدوليين حول سوريا" المنعقد في العاصمة الانكليزية لندن "لقد مضى وقت طويل قبل أن يعي العالم أن أزمة سوريا لن تنتهي سريعا وأن يعترف بأن المطلوب هو دعم طويل الأمد وان المساعدات الانسانية المحدودة لا تشكل حلا"، وتابع "لقد مضى وقت طويل لإدراك ان المساعدة المخصصة للتنمية هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع الأزمة لأنها تفتح آفاقا اقتصادية وتخلق فرص عمل بما يؤدي الى تأمين مصادر دخل للنازحين مع الحفاظ على كرامتهم في آن". ولفت سلام الى ان "هذا المؤتمر يجب ان يكون مناسبة للتأكيد على ان الحل الوحيد للأزمة السورية حل سياسي وهو طريق مليء بالمصاعب التي رأينا نموذجا منها في جنيف أمس"، واضاف "هذا المؤتمر هو مناسبة للتأكيد بأن النهاية الوحيدة لمأساة النازحين تكمن في عودتهم الى حياتهم الطبيعية في بلدهم"، واعتبر انه "يجب على العالم أن يدرك ان هناك خطرا فعليا من تدفق موجات نزوح جديدة الى ما هو أبعد من دول الجوار السوري وأن يتنبه الى عدم تحويل تجمعات النازحين الى أرض خصبة للارهاب".
إن هذه الصرخة المحقّة التي اطلقها الرئيس تمام سلام امام مؤتمر الدول المانحة لسوريا، من اجل مساعدة لبنان فعلياً وعملياً على مواجهة اعباء النزوح السوري اليه، تضيء على واقع مؤلم مفاده ان المجتمع الدولي يُظهر عجزاً واضحاً عن مقاربة النكبة السورية وتداعياتها على دول الجوار واوروبا والعالم بالإجمال، بالشكل المناسب والصحيح، ولا يتحرك الا بطريقة جزئية وغير جذرية.
وتعتبر هذه الأزمة من أكبر أزمات النزوح في الشرق الاوسط منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وهي الصورة القاتمة التي أرادها بشار الأسد عن سوريا والتي أودت حتى الآن الى اربعمئة الف قتيل واكثر من مليون جريح عدا الدمار الهائل الذي اصاب العمران والبنى التحتية في طول سوريا وعرضها.
ومع ذلك فإن المعالجات والمساعدات التي يقدمها ويعرضها المجتمع الدولي تشبه تقديم حبّة دواء لوجع الرأس الى مريض مصاب بمرض عُضال. الحل الأول والأخير والوحيد الذي يضمن عودة ملايين النازحين الى بيوتهم واراضيهم وارزاقهم من دون خوف ورعب، لا يكون إلا بإيجاد حل سياسي فعلي وليس شكلياً، وذلك يستدعي اول ما يستدعي إراحة السوريين وشعوب المنطقة والعالم من نظام الإرهاب الأسدي الذي تسبّب بكل هذه البلايا والمصائب.
وبانتظار ذلك، تصح دعوة الرئيس سلام الى المجتمع الدولي من اجل الوفاء بتعهداته والتزاماته السابقة تجاه لبنان وايصال ما تقرر بالأمس اليه، «وهو الذي سيصبح في وقت قريب عاجزاً عن منع انطلاق موجات من النازحين الى شواطئ بعيدة مع كل ما تمثله من تهديد للأمن والاستقرار»، في حال بقيت الأمور على ما هي .