شن رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو امس هجوما كلاميا عنيفا ضد بشار الأسد وروسيا وايران وحزب الله فاتهمهم جميعا بارتكاب ابادة عرقية جماعية ضد مكون معين من الشعب السوري، واكد ان بلاده ستساعد لبنان على انهاء ازمة الفراغ الرئاسي فيه، وانه سيزور بيروت قريبا تلبية لدعوة وجهها له امس الرئيس تمام سلام.

«المستقبل» سألت داود اوغلو خلال مشاركته في مؤتمر «دعم سوريا والمنطقة» في لندن، أمس عما اذا كانت بلاده ستساهم في الجهود الدولية لحل العقدة الرئاسية اللبنانية المستمرة منذ قرابة العامين، فقال: «تركيا صديقة للبنان، وبالتأكيد ستبذل كل ما في وسعها لحل المشاكل اللبنانية، وهذه ليست المرة الاولى ففي ازمة عام 2008 ساهمت تركيا بحل الخلاف الداخلي اللبناني. وفي الازمة الرئاسية الراهنة اذا وجدت تركيا ان اللبنانيين بحاجة لمساعدتها لن تتأخر في بذل ما يمكنها فعله لحل هذه المشكلة..جميع الاطراف في لبنان هم اصدقاء لتركيا».

أضاف رئيس الوزراء التركي انه «عقد لقاء امس مع رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام على هامش مؤتمر لندن. لقد دعاني الرئيس سلام لزيارة بيروت وقد قبلت دعوته بكل سرور وسأتجه لزيارة لبنان قريبا». وتابع بابتسامة «عندما كنت وزيرا للخارجية كانت زياراتي للبنان متعددة ولكن منذ اصبحت رئيس وزراء تركيا ونظرا للظروف الداخلية والاقليمية الضاغطة ستكون هذه اول فرصة لي لزيارة بيروت كرئيس للوزراء«.

وشدد داود اوغلو امام المشاركين في مؤتمر «دعم سوريا والمنطقة» على ان «العالم يجب ان يدرك اننا نقف امام اكبر مأساة انسانية منذ الحرب العالمية الثانية. في تركيا وحدها هناك مليونان ونصف مليون سوري وآلاف الاطفال السوريين يولدون الآن في تركيا. وتركيا فتحت ابوابها لاحتضانهم لأن اهل سوريا هم ايضا اهلنا. وتركيا لا تفرق بين مواطن تركي ومواطن سوري. ان السوريين الذين يفرون من النظام البربري ومن الميليشيات الارهابية مرحب بهم في تركيا بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والاثنية. والسوريون كالاتراك تماما يعيشون في المدن والمناطق التركية ويدخلون المدارس ويعودون المستشفيات». اضاف «لقد وافقت تركيا بالتنسيق مع المجتمع الدولي على خلق فرص عمل للسوريين على اراضيها رغم ان نسبة البطالة التي تطال المواطن التركي هي حاليا بنسبة حوالى 10 في المئة. واود هنا ان اوضح لشعبنا ان تركيا لن تنظر الى هذه الخطوة من الناحية الاقتصادية انما من الناحية الانسانية لأن السوريين اهلنا ويهمنا جدا الحفاظ على كرامتهم ومنحهم القدرة على العمل والعيش بكرامة، انما نتعامل واياهم بما يمليه علينا ضميرنا الانساني«.

ثم انتقل رئيس الوزراء التركي للحديث عن ضرورة اقتلاع اساس المشكلة من اجل حلها قائلا: «بينما هنا نتحدث عن جمع المال الكافي لتأمين احتياجات ملايين السوريين المشردين داخل سوريا وخارجها، هناك ماكينات قتل مستمرة تستهدف المدنيين: من جهة الاسد وحلفائه ومن جهة داعش، وتركيا لا تفرق في الاجرام بين نظام الأسد وداعش. وفي هذه اللحظة التي اتكلم فيها حلب تتعرض لهجوم من النوع الثقيل وترتكب بحق اهاليها افظع الجرائم من قبل السلاح الجوي الروسي«.

اضاف: «لقد شن الطيران الحربي الروسي مئات الغارات الجوية مستهدفا شمال اللاذقية وشمال حلب. والآن هناك موجة من 10 آلاف لاجئ جديد على ابواب تركيا. وهناك 7 آلاف نازح داخل الاراضي السورية المحاذية للحدود التركية لا احد يقدم لهم المساعدة، بينما الغارات الروسية مستمرة. ان الروس يقصفون المدارس والمستشفيات. انهم لا يستهدفون داعش. وفي حال استمر ذلك لن تكفي اي مؤتمرات تعقد هنا واي محادثات في جنيف ستكون بلا طائل لأن المجتمع الدولي لا يعالج مواضع وجع الشعب السوري. فعدد المدنيين السوريين المستهدفين في ازدياد وكل شهر هناك الآلاف الذين يتعرضون للقتل والتهجير والتجويع كما حصل في مضايا التي ضرب عليها الحصار من نظام الأسد وحلفائه، وعندما اقول حلفاءه اعني روسيا وايران وميليشيات غير سورية ناشطة ميدانيا».

ولفت داود اوغلو الى ان «حلب الآن تتعرض لحصار مشابه لمضايا، فأهل مضايا كانوا يموتون لانعدام مياه الشرب لديهم وعدم قدرتهم الحصول على اي طعام. نعم النظام وحلفاؤه ينتهجون التجويع كسلاح حرب كما في القرون الوسطى. نعم بينما نحن هنا نعقد مؤتمر في لندن وآخر في جنيف هناك اخواننا في الانسانية اخواننا السوريون يقتلون وتسفك دماؤهم».

وعن مؤتمر جنيف قال رئيس الوزراء التركي «لقد تحدثت الى الموفد الدولي ستافان دي ميستورا واخبرني كما تعلمون انه اضطر الى تأجيل المحادثات بسبب عدم التزام النظام بفك الحصار والسماح لفرق الاغاثة الانسانية بالوصول الى الاهالي الذين هم بحاجة للمساعدة». اضاف «تركيا ستكون حريصة على وجوب محاسبة المجرمين على جرائمهم ضد الانسانية بغض النظر عن هويتهم سواء كوادر النظام او ارهابيي داعش. تركيا ستقف دائما في صف الشعب السوري الجار والصديق». وتابع «ان الانسانية جمعاء وكل الدول امام اختبار انساني صعب جدا وتركيا لن تكون ابدا في الجهة الخاطئة من التاريخ بل ستقف دائما في الجهة الصائبة وهي جهة الشعب السوري ضد جلاديه.

وعن مدى قلق تركيا من احتمال استمرار تدفق اللاجئين اليها، قال: «ان تركيا قلقة للغاية من الوضع الميداني الراهن. ان روسيا تقصف حلب وتقصف ادلب وتقصف شمال اللاذقية، والآن هناك 10 آلاف لاجئ سيدخلون الى تركيا وسيستمر قدوم اللاجئين طالما الغارات الروسية تستهدف المناطق التي تستهدفها. ونحن نؤكد اليوم ان اكبر جريمة ضد الانسانية واكبر جريمة حرب ترتكب الآن ضد حلب. فحلب كانت على مدى فترة طويلة هدفا لطيران الأسد، وحلب هي المدينة الثانية في سوريا وهي عضد الاقتصاد وكانت اصبحت ملاذا لمعظم المعارضين للنظام بما في ذلك الاهالي. وكان هناك ممرات انسانية حيوية بين تركيا وحلب كانت تمر خلالها جميع المساعدات الانسانية والطبية التي لا تأتي فقط من تركيا بل من الاسرة الدولية جمعاء، ولكن الآن قوات النظام والميليشيات الخارجية المتطرفة الحليفة لها مثل حزب الله وبتغطية القصف الجوي الروسي يهاجمون جميعا حلب. وبسبب هذه الهجمات المكثفة الممرات الحيوية بين تركيا وحلب قطعت. تركيا تحاول ما بوسعها الاستمرار في ايصال المساعدات لكن هذا اصبح صعبا. ايضا بين حلب والحدود التركية هناك 10 مخيمات للاجئين كانت تركيا تزودهم باحتياجاتهم ليبقوا ضمن اراضي وطنهم الام لكنهم الآن يتعرضون للقصف وهم سيفرون الى تركيا. 10 آلاف منهم وصلوا فعلا الى الحدود التركية». 

ثم اطلق اشد هجوم كلامي له منذ بدء الحرب السورية ضد روسيا وايران وحزب الله ونظام الاسد قائلا «ان ما يرتكبه هؤلاء اليوم في سوريا جريمة حرب. انه ابادة عرقية ، وكل من يرفض تسمية ما يجري بالابادة العنصرية والعرقية نحن ندعوه ليزور ويرى بعينه ما يحدث قرب الحدود التركية. هذه ليست حدود روسيا، انها الحدود السورية - التركية. ان تكون دولة ما احدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن لا يعطيها هذا اي حق في قتل المدنيين بحجة استهداف الارهابيين. لماذا لا يقوم الروس بعمليات ضد داعش، انهم لا يقومون بذلك، 90 في المئة من غاراتهم استهدفت المعارضة المعتدلة والمدنيين والمدارس والمستشفيات. المدنيون الذين قتلوا وحرقوا بالامس كلهم اطفال ونساء وكبار السن. هل هؤلاء ارهابيون؟ لقد فقدت تركيا اي امل في الامم المتحدة وفي مجلس الامن التابع لها لوقف هذه الابادة، جل ما يقوم به هؤلاء هو لهو ديبلوماسي في الفنادق والمراكز الفخمة بدون ان يشعروا بما يجري للمواطن السوري في مضايا او في حلب او في اللاذقية او في ادلب. ان منظمة الامم المتحدة منوط بها حماية امن الانسان وحقوقه وكرامته ولكنها اليوم لا تقوم بأي من واجباتها لتغيير الوضع ميدانيا. هناك حوالى 300 الف سوري يعيشون في حلب، واذا استمر الوضع كما هو عليه فقد يفر هؤلاء ايضا الى الخارج. من سيدافع عنهم امام السفاحين؟ نعم لقد زار الامين العام السابق للامم المتحدة صربرنيتشا واعتذر لاهلها لعدم قدرة الامم المتحدة عن الذود عن اهاليهم في تسعينات القرن الماضي، ويوما ما سيأتي امين عام مستقبلا ليعتذر من المناطق السورية بسبب التقصير بحقها وعدم القدرة على انهاء المذابح التي تحصل منذ خمس سنوات».

وختم داود اوغلو مؤكدا على ان «تركيا تطالب المجتمع الدولي بأسره لتنسيق الجهود وتكثيفها من اجل انهاء هذه الازمة السورية باستئصال جذورها واسبابها الحقيقية عوضا عن التفرج على هذا النظام البربري وهو يواصل مجازره بحق الشعب السوري«.