تُطلق تسمية اليسار على القوى والأحزاب ذات الجذور العلمانية أي غير الدينية رغم عدم وقوفها على يسار السلطة اذ أن الكثير من اليسارين قد أدمنوا الوقوف طوابير على يمين السلطة وخاصة تلك النخبة المتفقهة في المفاهيم والأفكار العلمانية .
عندما فشلت التجربة الحزبية لتيّارات الحركة الوطنية وصعدت مكانها التيّارات الطائفية والدينية تفشت تسمية اليسار اللبناني على هامش الحياة السياسية اللبنانية بطريقة متنافرة وغير متسقة ومنتظمة في سياق واحد اذ أن البعض منهم التحق بشكل مباشر وغير مباشر بالقوى المذهبية والطائفية وتبرز حالة اندماج بعض النخب اليسارية في تيّار المستقبل أو داخل خيمة 14 آذار كما هو حال اليسار الديمقراطي وذلك كدلالة واضحة على ارتباط يساريين بصيغة طائفية كم وأن الحزب الشيوعي اللبناني الممثل الشرعي للحزبية اليسارية هو الآخر وجد له قدم صدق عند مليك طائفي – ديني رغم كفره بالدين وايمانه بالالحاد ولا تختصر لائحة أنتساب علمانيين الى قوى طائفية على من ذُكر فقط بل ان جميع الأحزاب الطائفية قد استقبلت منهم وبأعداد كبيرة .
حتى الحالات الفردية اتخذت لها تكئة طائفية وتسهم في التحريض الطائفي والمذهبي فنراها أكثر حدية من الطائفيين والمذهبيين أنفسهم وهم على أوّل السطر السياسي في 8 و14 آذار بل ان الكثيرين منهم ومن ذوي الأصول الماركسية يحتشدون وبقوّة في الأحلاف الاقليمية اذ يتناصرون امّا للسعودية السُنية أو لايران الشيعية بطريقة مجنونة تُذكرهم بأيام حماستهم الثورية لحظة المدين القومي والماركسي .
والجدير ذكره أن ماركسيين أقحاح يستبسلون في الدفاع عن النظام السوري الذي خنقهم وقضى عليهم وقد قالوا فيه آنذاك ما لم يقولوه ضدّ العدو الاسرائيلي ويكفي استحضار ناصر قنديل ورفاقه كنموذج لنخب يسارية ماركسية مصطفة بطريقة مخالفة لنضالها الأممي .
ويأتي صغار اليساريين بعد كبارهم ليزيدوا الطينة بلة حين قضوا على ظاهرة الحراك الوطني من خلال طيش سياسي بعضه بريء وكثيره خبيث ولا داعي لاستعراض حالة الشلل لأولاد وسط بيروت وطبيعة الشرذمة التي سادت بينهم وعدم قدرتهم على توحيد صفوفهم رغم وفودهم من همّ واحد واختيارهم لأسماء وتسميات ناتئة للتحركات المطلبية بطريقة أسهمت جميعها في التجديد للنظام الطائفي لزمن طويل وقضوا بذلك على حلم ممكن في الاصلاح والتغيير .
لقد خسر اليساريون معاركهم القديمة والجديدة وخسروا أنفسهم عندما باعوها للمشترين من هنا أو هناك وهم بخسارتهم هذه قد برروا للقوى الظلامية – كما وصفوها سابقاً والتحقوا بها مؤخراً- سبب وجودهم كقوّة وحيدة متحكمة ومسيطرة على البلاد والعباد في آن واحد .
لم تنفع البعض عملية التقويم الذاتي أو جلد النفس بسوط التأنيب أو التأديب ما دام يُسهم في مشروعية القوى الطائفية ويُبرر ذلك الكثيرون منهم ان بالاعتماد على معاداة الغرب الرأسمالي أو من خلال التسلي بشعار العداء لاسرائيل بغية توظيف أدوارهم في المُستهلك الايديولوجي الذي يتسع لقدر كبير من التبرير لتصرُفات وسلوكيات غير مُبررة .
اذا كان الماركسيون والعلمانيون نائمون في مخادع أعدائهم نومة هانئة فكيف نراهن على دور علماني متقدم بوجه قوى النظام الطائفي .؟