حُسم مبدأ إجراء الانتخابات البلدية في موعدها مع إقرار مجلس الوزراء التمويل اللازم لها، ما لم تطرأ لاحقا مفاجآت غير محسوبة، أما الانتخابات الرئاسية فلا تزال في «الثلاجة» برغم حرارة المناورات المتبادلة.
وكان لافتا للانتباه قول الرئيس نبيه بري أمام زواره، أمس، ان لديه معلومات أكيدة تفيد بأن هناك أطرافا سياسية تعمل على وضع بوانتاج مفصل لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة في 8 شباط الحالي، وانها تتصرف على قاعدة ان نصاب الثلثين سيكون متوافرا وانه سيتم انتخاب الرئيس.
وأوضح بري انه كما حصل في الجلسات السابقة، ستحضر «كتلة التنمية والتحرير» جلسة 8 شباط، وانه اذا تبلغ من دوائر المجلس النيابي ان نصاب الثلثين اكتمل فهو سيدخل القاعة ويعلن عن افتتاح جلسة الانتخاب.
في هذا الوقت، تأزمت العلاقة مجددا بين عين التينة والرابية تحت وطأة الحساسية النابعة من رهافة التوازنات المتصلة بالادارة والانماء.
عند كل محطة أو استحقاق، يتلاشى مفعول الوساطات التي غالبا ما تبدو اقرب الى «حبوب المسكنات» منها الى الحلول الطويلة المدى. وهذه المرة، تكفل «ثقاب» التشكيلات الادارية في وزارة المالية بأن يشعل حريقا جديدا في العلاقة المتأرجحة بين الرئيس بري والعماد ميشال عون، راح يتمدد سريعا في اتجاه وزارات وإدارات أخرى، فكيف إذا كانت القلوب ملآنة اصلا، بفعل الحسابات والعواطف الرئاسية المتعارضة.
وما زاد الموقف تعقيدا وخطورة هو اتساع حجم الاشتباك، وانزلاقه من سقف الاصطفاف السياسي الى سقف الاصطفاف الطائفي الحاد مع دخول الكنيسة المارونية وقوى سياسية مسيحية كحزب الكتائب على خط الشكوى من التهميش الوظيفي والإنمائي على أيدي المسلمين!
إنها الدولة الهشة والهزيلة التي تقف على «صوص ونقطة»، بحيث ان فتح اعتماد هنا، أو إجراء تشكيلات في فئة ثالثة هناك، يكفي لاندلاع صراع من الفئة الاولى، تُستخدم فيه كل أنواع الاسلحة والمزايدات الطائفية.
وفيما يعقد وزير المالية علي حسن خليل مؤتمرا صحافيا اليوم للرد على الاتهامات الموجهة اليه، يليه مؤتمر مماثل لوزير الاشغال العامة غازي زعيتر قريبا، عُلم ان الوزيرين جبران باسيل وسجعان قزي، أثارا خلال جلسة مجلس الوزراء امس، مسألة الخلل في التوازن الانمائي والوظيفي، وقدم قزي في هذا الاطار لائحة تبين عدم الإنصاف بين المناطق في الإنفاق الخدماتي، فرد عليه زعيتر مشددا على ان جبل لبنان نال حصة كبرى من الاعتمادات، فقيل له ان هناك مناطق في جبل لبنان درزية وشيعية وسنية وليست كلها مسيحية.
وقد انعكس هذا المناح في بيان «تكتل التغيير والاصلاح» بعد اجتماعه أمس، حيث أكد انه يلمس لمس اليد والعين إجحافاً محقّقاً في الإنماء والإدارة، منبهاً الى ان الامر وصل إلى حدّ لا يمكن لأحد معه أن يُطيق هذه الكيديّة أو هذه الاعتباطيّة في التعامل.
وقال التكتل إن هناك إجحافاً في بعض الوزارات والأجهزة الأمنيّة، متسائلا: لماذا الإيحاء بمثل هذه التصرفات بأنّ مكوّناً أو فريقاً سياسياً من مكوّن، يُمسك بمفاصل القرار المالي والرقابة المالية والملاحقة المالية، معتبرا ان ذلك يدعو الى الاستغراب والاستهجان والمساءلة.
واستشهد بما حُكي عن تعيينات في وزارة المالية برغم الوعود التي صدرت عن الوزير، بالإضافة إلى ما يجري في المديرية العامة في أمن الدولة، كيفيّة استدعاء رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصلحة المياه في البقاع، للشهادة في ملفٍ غير معنيّ به مباشرةً لدى النيابة العامة المالية، حيث تمّت مرافقته بصورة زجرية، لا تتوافق والأصول القانونية.
وعلى صعيد الإنماء، أشار البيان الى ان «مناطقنا تشكو من حصارٍ ماليّ وإنمائيّ، يُصبِح معه الإنماء المتوازن أثراً بعد عين، وهذا أمر يمسّ الميثاق ومقدّمة الدستور، ولن نرضى به»، محذرا من ان الأمر أصبح غير مُطاق، وهذا يعني انّنا أصبحنا على حدود الرفض الشعبيّ العارم بالطرق الديموقراطيّة المتاحة.
جريصاتي: جرس إنذار
ولاحقا، أبلغ الوزير السابق سليم جريصاتي «السفير» ان الهدف من بيان «تكتل التغيير والاصلاح» هو دق جرس الإنذار والتنبيه الى ان معاناة الناس قد تدفعهم الى التحرك تلقائياً. وأوضح ان الاشارة التي وردت في هذا السياق استباقية وترمي الى لفت انتباه المسؤولين المعنيين لمعالجة الخلل الحاصل، وصولا الى تفادي الشارع وليس التحريض على استخدامه.
وشدد على ان «التيار الحر» الذي انفتح على خصم هو «القوات اللبنانية» لا يحبذ خوض مواجهة مع حليف الحليف، خصوصا ان التيار هو حاليا في مرحلة انفتاح وحوار مع الجميع، لكن «في الوقت ذاته من غير المقبول أن نصمت على الخلل في التوازن باسم الحسابات الرئاسية، وبالتالي لا سكوت ولا سكون عندما يتعلق الامر بحقوق الناس ومصالحهم».
خليل: التهميش وهم
وقال الوزير علي حسن خليل لـ «السفير» ان ما يحكى عن غبن لاحق بالمسيحيين في وزارة المالية ليس سوى وهم لا صلة له بالحقيقة، معتبرا ان كل ما صدر في هذا الاتجاه لا يستند الى مادة واقعية، «الامر الذي يدفعنا الى الاعتقاد ان الحملة سياسية وتنطوي على استهداف سياسي، كما يتضح مما ورد في بيان «تكتل التغيير والاصلاح» حول إمساك مكون سياسي بالقرار المالي».
ولفت خليل الانتباه الى انه «لم تحصل أساسا تعيينات في وزارة المال، بل أجريت تشكيلات طبيعية وعادية، تم بموجبها ترفيع موظفة مسيحية الى الفئة الثانية، فعيّنت مكانها بالتكليف موظفا شيعيا لرئاسة دائرة المكلفين، وهذه حالة واحدة على 400 وظيفة، مع الاشارة الى ان القرار ذاته لحظ استلام مسيحيين لدوائر أخرى».
وأضاف: لست أنا من يُتهم بتهميش المسيحيين، وللعلم فإن اربعة من ضمن فريق عملي في الوزارة هم مسيحيون.
زعيتر: لا حرمان للمسيحيين
وقال وزير الأشغال العامة غازي زعيتر لـ «السفير» انه سيرد عبر مؤتمر صحافي وخلال جلسة مجلس الوزراء المقبلة بالارقام والوقائع على المعطيات المغلوطة التي يروج لها وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» ونوابه.
ونفى وجود أي خلل في التوازن الوظيفي في الوزارات التي تتولاها «حركة أمل»، قائلا: إذا أردنا ان نضيء على الخلل في بعض الوزارات والادارات فهو لا يطال المسيحيين، بل المسلمين عموما والشيعة خصوصا، وأنا كنت أفضل عدم التكلم بهذه اللغة، لكنهم اضطرونا للاسف الى ذلك، بعدما جرى التمادي في تشويه الحقائق.
ولفت الانتباه الى ان قاعدة التوازن الطائفي تشمل حصرا، وفق الدستور، وظائف الفئة الاولى، «ومع ذلك فنحن كنا ولا نزال حريصين على مراعاتها في الفئات الوظيفية الاخرى، ولكن ماذا أفعل إذا تقاعد موظف مسيحي ولم أجد بديلا منه من الطائفة ذاتها. هل أترك الموقع الادراي معطلا؟».
وفي الجانب الانمائي، نفى زعيتر حرمان المناطق المسيحية من حقوقها على هذا الصعيد، مشددا على ان «وزارة الاشغال أنفقت 24 مليار ليرة عام 2015 على مشاريع انمائية في جبل لبنان، وإذا كان الوزير جبران باسيل غير مطلع على التفاصيل، فأنصحه بأن يسأل زميله الوزير الياس بوصعب».
قزي: سببان للخلل
في المقابل، أكد الوزير سجعان قزي لـ «السفير» ان لديه معلومات موثقة حول الخلل في التوازن الانمائي، كاشفا عن انه سلّم الوزير زعيتر، خلال جلسة مجلس الوزراء، لائحة تفند بالارقام المبالغ التي أنفقتها وزارة الاشغال على كل قضاء، حيث يتضح ان حصة المناطق المسيحية لا تتعدى حدود الـ18 بالمئة من مجمل الإنفاق الانمائي، وأوضح ان «زعيتر نفى هذه الوقائع، فطلبت منه ان يسلمنا لائحة مضادة».
وعلى المستوى الوظيفي، شدد قزي على ان هناك غبنا حقيقيا يطال المسيحيين في الادارة الرسمية، استنادا الى معطيات مؤكدة، لافتا الانتباه الى وجود سببين لهذا الخلل، الاول يتحمل مسؤوليته المسيحيون بسبب امتناعهم عن التقدم الى الوظيفة العامة، والثاني يتحمل مسؤوليته الآخرون الذين يلجأون الى إجراء تشكيلات غير متوازنة.