هربت العروس من نافذة أو شرفة بيتها تحت أجنحة الليل، ووجوه الأهل المصدومة في اليوم التالي أبرز الصور المرتبطة بزواج الخطيفة. فهذه العادة التي درجت منذ القدم تؤكّد أنّ معارضة الأهل للزواج لم تُعق يوماً ارتباط حبيبين، بل تُواجَه بهروب الفتاة للزواج من حبيبها. وعلماً أنّ زواج الخطيفة ما زال رائجاً حتّى يومنا هذا، إلّا أنّ الأسباب الدافعة إليه تعدّدت، فهو لم يعد يتمّ فقط في حال عدم موافقة الأهل، بل بات يشكل مفرّاً من تكاليف العرس الكبيرة. لطالما كان الحبّ أقوى من قيود المجتمع ومن رغبات الأهل والفروقات الاجتماعية، وهو دفع بفتيات كثيرات إلى تجاهل إرادة الوالدين، فتركن منازلهنّ ولحقن بفتى الأحلام.
ويُعتبر زواج الخطيفة أو "الشليفه" من التقاليد الرائجة في المجتمع اللبناني، وكانت تتمّ أكثر الزيجات على هذا الشكل في أسبوع المرفع من كلّ سنة لأنّ الكنيسة كانت تمنع عقد الزيجات في فترة الصوم، ما كان يدفع العشاق إلى الاستعجال للزواج في الأسبوع الذي يسبقه كي لا يُضطروا إلى انتظار 40 يوماً. وكان يُقال عن كلّ فتاة عزباء لم تتزوج في هذا الأسبوع: "لَبَطَها المرفع".
هل يتمّ الزواج تحت تهديد السلاح؟ يحدّد مطران صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك إيلي بشارة الحداد في حديثه لـ"الجمهورية" طريقتين "للخطيفة": *الأولى: تذهب الفتاة طوعاً مع عريسها، فتكون خطوة زواج "الخطيفة" برضاها وذلك إمّا لأسباب اقتصادية ولتجنّب إقامة حفل زفاف وتكبّد المصاريف، أو بسبب معارضة الأهل.
*الثانية: تكون بإجبار الشاب الفتاة على الذهاب معه ليعقد زواجه عليها. ويشير المطران الحداد إلى أنّ "الكنيسة توافق على عقد زواج "الخطيفة" من دون موافقة الأهل، بعد تأكدّها أنّ الفتاة موافقة على هذا الزواج وأنّ الشاب والفتاة بلغا سنّ الرشد". ويوضح: "لا نزوّج أشخاصاً لم يبلغوا الـ 14 من العمر، أمّا بين السنّ الـ 14 و18 فموافقة الأهل أساسية لعقد الزواج".
ويضيف: "زواج الخطف وليس الخطيفة الذي يتمّ بخطف الشاب للفتاة من دون إرادتها، لا تقبل به الكنيسة أبداً كما أنها لا تزوّج أحداً في هذه الحالة". ويلفت إلى أنّ "الكاهن يتكلّم على انفراد مع الفتاة التي تصل إلى الكنيسة لعقد قرانها من دون موافقة أهلها، فيتأكّد أنها أتت بملء إرادتها قبل أن يسمح بإتمام الزواج".
ويشدّد المطران على أنّ "ثمة كهنة ورجال دين تعرّضوا للتهديد أو لسحب السلاح عليهم عبر التاريخ بهدف إكراههم على إجراء زيجات تمّ فيها خطف الفتاة أو كانت فيها الفتاة قاصراً وبحاجة لموافقة أهلها. وقُتل رجال دين بسبب عدم موافقتهم على عقد زواج غير مستوفٍ للشروط القانونية الضرورية لإجرائه".
إصطدام الأحلام بجدار الواقع غالباً ما تكون لاتخاذ الشاب والفتاة قرار الخطيفة تداعيات سلبية إذ تنشب مشكلات بين أهل الفتاة المعارضين للزواج وبين العريس وأهله. ويتجنّد الجيران والأقرباء لمصالحة العائلتين قبل وصول الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.
ولكنّ غالبية العائلات ترضخ للأمر الواقع بعد فترة على تمرّد الفتاة وزواجها، فيرضى الأهل باختيارها ويتقبّلون الشخص الذي ارتبطت به وصار فرداً من العائلة.
يروي وسام، المتزوّج "خطيفة"، قصته لـ"الجمهورية"، وهو مصفّف شعر نسائي في الأربعين من العمر وأب لابنتين، فيؤكّد: "زواج الخطيفة تمّ بسبب عدم قبول أهل زوجتي بي كعريس ما جعلني أحضّر للعرس وأتّفق معها على موعد تَخْرُج فيه من منزلها".
ويوضح: "رتّبت مراسم الزفاف وتكلّمت مع الكاهن في المنطقة حيث أقطن، كما أخبرت أهلي بأنني سأخطفها". ويضيف: "هي ادّعت أنها ذاهبة إلى الجامعة كأيّ يوم عادي، إلّا أنني كنتُ أنتظرها أمام مدخل الكلية، فعندما ترجَّلت من سيارة الأجرة التي كانت تُقلّها، توجَّهت إلى سيارتي مسرعةً وخطفتها إلى منزل عمي. هناك ارتدت فستاناً أبيض كانت قد حضّرته مسبقاً للمناسبة وتوجّهنا إلى الكنيسة بسيارتي".
ويحدّد مبتسماً: "حضر العرس عددٌ قليل من أقربائي بينهم أخي وأبناء عمّي، كما انضمّت إلينا إحدى صديقاتها قبل العرس لتكون شاهدةً على زواجها".
وبدورها تؤكّد لمياء زوجة وسام لـ"الجمهورية": "بعد أن تمّت مراسم الزواج اتصلت بخالي وطلبت منه أن يخبر والدي بأنني تزوجت. كنت خائفة من ردّة فعله خصوصاً أنه عارض الزواج بشدّة لأنه كان يريدني أن أتزوّج من رجل متعلّم وميسور مادياً". وتكشف: "أصيب بصدمة وغضب في بادئ الأمر لأنني تخطيت إرادته وتزوجت من دون علمه، إلّا أنّه سرعان ما رضخ لواقع الحال وبارك زواجنا بعد بضعة أسابيع".
هرباً من التكاليف يُذكر أنّ "الخطيفة" ارتدت وجهاً جديداً في أيامنا هذه، فبعدما كانت تشكّل مفرّاً من عدم رضى الأهل باتت تشكّل مفرّاً من تكاليف العرس الباهظة. الأزمة الاقتصادية وقلّة فرص العمل والأجور المنخفضة التي يقابلها غلاء أسعار الشقق وتكلفة تجهيز البيت وشراء الأثاث، تدفع بالعديد من الشبّان والفتيات المتحابّين إلى الاتفاق على إقامة زواج على "شكل خطيفة".
في هذه الحالة يصبح الزواج عملية مدبّرة يشارك فيها الأهل أنفسهم فيمثلون أمام المجتمع عدم موافقتهم على الزواج ليجنّبوا أبناءهم هموم المصاريف الكبيرة والديون. علماً أنّ عرساً تقليدياً صغيراً تُدعى إليه العائلة وبعض الأصدقاء يكبّد العروسين آلاف الدولارات. أمّا العروس المكبّلة بواقع مادي مرير وبغرامها لحبيبها فتضحّي بحفل زفافها حتّى لا تُجبَر على تأجيل عرسها لسنوات تنتظر خلالها أن يؤمّن حبيبها تكلفة العرس، أو على تحمّل نتائج تسديد قروض لأعوام بعد الزواج، وذلك بسبب صرف مبلغ لا يستهان به في ليلة الزفاف تمّ تأمينه "بالدين".
هل تزيد الخطيفة الانفصال؟ على قاعدة "إسأل مجرّب ولا تسأل حكيم" وقفنا عند رأي وسام في هذا الموضوع. ولكنّه يؤكّد أنّ "الزواج ينجح إذا أحسن الشريكان معاملة بعضهما البعض واقتنعا بعيش الحياة سوياً بحلوها ومرّها، أمّا إن تمّ على شكل خطيفة أو لا فهذا لا يشكل سبباً لنجاحه أو لفشله". ولكنّه يشدّد على أنّ "كلّ خطوة تتم برضى الأهل أفضل من أن تحصل من دون إرادتهم".
بدوره يلفت المطران إيلي الحداد إلى أنّ "الكنيسة تحاول إقناع المقبلين على الزواج بعدم التسرّع، في حال لاحظت أنّ فترة التعارف التي جمعت الثنائي غير كافية أو تنبّهت إلى وجود عدم انسجام كبير بينهما".
ويرى أنّ "الزواج المتسرّع قد يؤدّي إلى فشل العلاقة في المستقبل، علماً أنّ العديد من العلاقات وصل إلى حائط مسدود على رغم استغراق الشريكين سنوات في التعرّف الى بعضهما والتحضير للزواج".
لبنان 24