دقّت منظمة الصحة العالمية، يوم امس، ناقوس الخطر، بإعلانها «زيكا» حالة صحية عالمية طارئة.
وقالت المنظمة الدولية، في بيان، ان هناك «شكوكا قوية» بوجود علاقة سببية بين فيروس «زيكا» الذي ينقله البعوض وارتفاع حالات صغر الرأس عند المواليد، واعتبرته «حالة صحية طارئة على المستوى العالمي».
وقالت المديرة العامة للمنظمة مارغريت شان «علينا أن نتحرك» موضحة ان اجتماع خبراء الصحة الدوليين الذين يشكلون لجنة الطوارئ لدى المنظمة وافقوا على ان «الشكوك قوية (بوجود) علاقة سببية بين الاصابة بفيروس زيكا خلال الحمل وصغر الرأس رغم انها غير مثبتة علميا».
واضافت «اتفق الجميع على الحاجة لتنسيق الجهود الدولية للتقصي وفهم هذه العلاقة بصورة أفضل».
ولكن ما هي مناعة لبنان إزاء هذا الفيروس الخطير؟
«لا إصابات بفيروس زيكا في لبنان، ويعتبر خطر انتقال وانتشار الفيروس هنا ضئيلا جداً»، هذا ما تؤكّده رئيسة دائرة الأمراض الانتقالية في وزارة الصحة العامة الدكتورة عاتكة بري.
ولكي ينتشر الفيروس في لبنان، هناك ثلاثة شروط، هي: قدوم مريض حامل الفيروس من الخارج إلى لبنان، أن تلدغ البعوضة الناقلة وهي «البعوضة الزاعجة Aedes mosquito» الشخص المصاب، ثم أن ينقله إلى شخص آخر. واحتمال حدوث هذا السيناريو، وفق بري، ضئيل.
يصاب الفرد بفيروس «زيكا» بواسطة لدغ البعوضة الزاعجة الحاملة للعدوى. ويشير الأستاذ في العلوم الجرثوميّة والأمراض المنتقلة بواسطة الحشرات في كلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية الدكتور نبيل حداد، إلى وجود أحد أنواع هذا البعوض في لبنان، والذي يسمى «tiger mosquito» في المناطق الساحليّة، وعلى السفوح الغربيّة لسلسلة جبال لبنان الغربيّة. وتعود تلك المعطيات، إلى مسح ودراسة حديثة أجرتها كليّة الصحة العامة في الجامعة اللبنانية. ويوضح حداد أنَّ هذا النوع من البعوض غير ناشط في هذه الفترة من السنة، ما يفسّر استحالة انتقال وانتشار العدوى بفيروس «زيكا» خلال هذه الفترة في لبنان. وينشط هذا النوع من البعوض في أوائل شهر نيسان مع بداية دفء الطقس.
في المقابل، يرتكز الخطر، اليوم، على النساء الحوامل اللواتي يرغبن في السفر إلى البلدان الموبوءة في أميركا اللاتينيّة، فتشدّد بري على وجوب تفادي النساء الحوامل السفر إلى البلدان التي ينتشر فيها الفيروس مثل البرازيل، وكولومبيا وغيرها. وإنْ لزم الأمر، يجب عليهن حماية أنفسهن من لدغة البعوض من خلال وضع المستحضرات المنفرة وغيرها.
هذا النوع من البعوض يلدغ في النهار وليس في الليل، نسبة إلى دورته الحياتيّة على عكس خصائص الأنواع الأخرى من البعوض. ويندرج التشديد على النساء الحوامل ضمن إطار وجود اشتباه بأن يكون الفيروس سبباً للإصابة بتلف في الدماغ عند المواليد (ما يعرف بصغر حجم الرأس بشكل غير عادي) والذي يؤثّر على نمو الدماغ عند الأطفال. إذ سجلت البرازيل نحو 3700 حالة تشوّه عند الولادة، وأعلنت كولومبيا عن 20297 إصابة بالفيروس من بينها 2116 لسيدات حوامل.
اكتُشف فيروس «زيكا» في العام 1947، ولسنوات طويلة لم تظهر إلّا حالات بشريّة متناثرة في أفريقيا وجنوب آسيا. وسجّلت أول فاشية موثقة لمرض فيروس «زيكا»، في العام 2007، في منطقة المحيط الهادئ. ويتم التبليغ، منذ العام 2013، عن حالات وفاشيات فيروس «زيكا» في غرب المحيط الهادئ والأميركيتين وأفريقيا. ويضج العالم، اليوم، بأخبار انتشار الفيروس وتتوقع منظمة الصحة العالميّة إصابة أربعة ملايين شخص في العام 2016 في القارة الأميركيّة.
تلفت بري إلى أنَّ نسبة 80 في المئة من الأشخاص الذين يصابون بفيروس «زيكا» لا يظهرون أعراضاً معيّنة، بينما تعاني نسبة 20 في المئة من الأشخاص أعراضاً مثل ارتفاع في حرارة الجسم، آلام في العضلات والمفاصل، وطفح جلدي. ويوضح حداد أنَّ الفرد، وإن أصيب بفيروس «زيكا»، لا تظهر عليه بالضرورة أعراض خطيرة، غير أنَّ التخوف يكمن في الاشتباه بوجود رابط بين الإصابة بالفيروس والتشوهات لدى الجنين. ولم تسجّل، حتى اليوم، أيّ وفيات ناجمة عن فيروس «زيكا».
يرتكز تشخيص الإصابة، وفق منظمة الصحة العالميّة، على تشخيص الأعراض وتاريخ حدوثها، وإجراء فحوص الدم للتأكّد. ويشمل العلاج الأدوية الشائعة لعلاج الألم والحمى، والراحة وشرب الكثير من المياه، ولا يتوفّر علاج شافٍ من المرض نفسه، ولا أيّ لقاح مضاد للفيروس.
لا يشهد مطار رفيق الحريري الدولي، وفق بري، أيّ إجراءات أو تدابير وقاية في شأن فيروس «زيكا»، نسبة إلى أنَّ معظم المصابين لا يظهرون أعراضاً، ولم توصِ المنظمات الصحيّة العالميّة بضرورة إجراء فحوص الدم على المطارات. غير أنَّ وزارة الصحة ستشدّد على الطائرات الآتية من أفريقيا على ضرورة رش الطائرة بمضاد حشرات لتفادي نقل البعوض، مع الإشارة إلى عدم وجود طيران مباشر بين لبنان ودول أميركا اللاتينيّة.
من ناحية أخرى، ستتعاون وزارة الصحة مع وزارة الزراعة لرشّ المبيدات، ابتداء من شهر آذار المقبل، بتقنية معيّنة ومناسبة ضدّ البعوض الذي يتكاثر في مستوعبات صغيرة حول المنازل، وفي الإطارات القديمة، ما يوجب اتّخاذ تدابير مناسبة لتفادي انتشاره، خصوصاً مع بدء الأشهر الدافئة (أوائل نيسان): كعدم ترك المياه الراكدة، وتجديدها، وتغطية المستوعبات والأكياس المفتوحة. يشرح حدّاد أنَّ هذا النوع من البعوض يتكاثر ويبيض في الأماكن المحاذية للمياه، إلَّا أنَّ تلك التدابير تحدّ من إمكانيّة انتشاره.
أمَّا على صعيد المنطقة، فدعا المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالميّة لشرق المتوسط، الدكتور علاء الدين العلوان، الحكومات إلى اتّخاذ خطوات لمنع الفيروس من الانتشار إذا كان المسافرون العائدون من البلدان المتضرّرة مصابين بالفيروس، مع الإشارة إلى أنّه لم يبلّغ عن أيّ حالة إصابة بالفيروس، حتى الآن، في شرق المتوسط، غير أنَّ هذا النوع من البعوض موجود في العديد من البلدان.