مراجعة سريعة للشعارات والأهداف التي رفعت إبان اندلاع الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني عام 1979 على الشاه محمد رضا بهلوي ومقارنتها بالوقائع والخطوات التي تسير عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم تجعلنا نعتقد بأنّ الزمن قد عاد بإيران إلى مرحلة ما قبل الثورة، وبأنّ الكثير من تلك الأهداف تبخرت وأضحت أثراً بعد عين في خضم الوقائع والمتطلبات التي فرضت نفسها وأثبتت قوتها في الميدان.
ولا بدّ هنا من الإشارة أولاً أنّ الإنقلاب والرجوع على أعقاب الشعارات والطروحات وحتى الآمال التي صدح بها الأوائل ليس هو من قبيل الخيانة والتخوين، ولا هو بخلفية الردة السياسية وتبدل القناعات لدى الجيل الحاكم الآن وعلى رأسهم مرشد الجمهورية السيد الخامنئي، وانما هو باختصار انتصار لمسار التاريخ الطبيعي وتقدمه إلى الامام على أوهام ايديولوجية حسبها الظمآن ماءً ولمّا أتاه لم يجده إلاّ سراب.
فلا " الجمهورية" بالمعنى الحديث للكلمة تحققت، وكل كلامٍ عن انتخابات حرّة وديمقراطية تعكس رغبة الجماهير هو كلام طوباوي لا يساعد الواقع ولا حقيقة الإمساك بالقرار الفعلي للبلاد من يتبناه، وكل عارف بتفاصيل تركيب المجالس وتوزيع السلطات عليها وكيفية إنشائها، يدرك فوراً أنّ اللعبة الديمقراطية في إيران لا تعدو أكثر من وسائل تبرّج تُخفي معالم الوجه الحقيقي لسلطة الولي الفقيه المطلقة والتي قد تفوق بصلاحياته صلاحية حتى الشاهن شاه لأنّ الولي إنّما يستمدها من السماء وليس من السلالة أو الوراثة.
ولعل آخر الشعارات التي صمدت كل تلك السنوات وكلفت الشعب الإيراني ومعه شعوب المنطقة ما كلفته من تبديد للثروة الإيرانية فضلاً عن الكثير من الدماء التي أُريقت على مذبح هذا الشعار هو " لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية"، وهذا الشعار هو المرادف إن لم نقل أنّه الترجمة الحرفية لشعار " الإسلام هو الحل " حيث يعتقد الإسلاميون خطاءً ومنهم منظروا الثورة الأوائل بأنّ الإسلام وتطبيق تعاليمه كفيل وحده ببناء المجتمع وسدّ حاجياته دون العودة إلى الآخرين، وأنّه يمكن الإستغناء عن التراكم المعرفي وما وصل إليه الغرب والشرق من خلال دعاء كميل أو العمل وفق تحرير الوسيلة وأحكامه وما جاء ببعض الخطب المنسوبة لأمير المؤمنين.
في الحقيقة أنّ مسارعة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وجولته الشرائية في أحضان الغرب، والصفقات الكبيرة التي عقدت بعشرات مليارات الدولارات هناك بعد رفع العقوبات على إثر الإتفاق النووي مع "الشياطين"، هي بمثابة الإقرار العملاني بتهافت آخر تلك الشعارات الواهية، وهي بمثابة الإعلان الواضح عن فشل تجربة الإسلام السياسي في الحكم، والإقرار بعد 37 عاماً أنّ الثورة الخمينية إنّما بنيت على أوهام وأنّ الإسلام قد حُمّل ما لا يجب أن يحمله، ولم يبقَ بعد تلك السنون إلّا صلاحيات مطلقة للحاكم سيدرك الشعب الإيراني سريعاً أنّها قد تكون هي سبب كلّ ألامه، وأنّ تغطية عورات التماثيل لن تستر عورات هذا النظام ..