يتذكّر سمعان وهو عائدٌ من عمله موعدَ سهرته مع رفاقه، فيَدخل إلى إحدى السوبرماركات ويتوجّه إلى الجناح الخاص بالكحول، يقترب من مشروبه المفضّل يَنزعه من كرتونته، ثمّ يضَع الزجاجة في كرتونة مشروب بنِصف الثمن، يُغلِقها على نحو لا يُثير الشبهات، ويتوجّه إلى عاملة الصندوق، والفرحة لا تسَعه مردّداً: "كِلّ سَكرة وإلها فكرة". لم يدَع سمعان سوبرماركت أو دكّاناً متوسط الحجم يَعتب عليه، فكان في كلّ مرّة يبتدع طريقة لسرقة المشروب. على رغم أحواله المادّية "التعبانة"؛ أبى سمعان إلّا أن يُقدّم مشروباً "باب أوّل" لمعازيمه، فكان يوافق أن يشاركه رفاقُه إحضارَ الطعام ... إلّا المشروب، "ترِكوه عليّي".
لم يكن سمعان يُبالي بالكاميرات المزروعة في محيط الجناح الخاص بالمشروبات الروحية، لأنّه كان في كلّ مرّة يختار صنفَين ويضَعهما في سلّته، الغالي الثمن والرخيص، ثمّ يختار زاوية بعيدة من عدسات المراقبة ليبدّلَ الزجاجتين. حاوَل سمعان في بداية الأمر أن لا تثيرَ فعلتُه انتباه إدارة أيّ سوبرماركت، فكان يُبدّل ليس فقط بين الفروع إنّما في الأسماء، فلا يدخل السوبرماركت عينَها إلّا مرّة في الشهر، لكنّ مخطّط سمعان لم يدُم طويلاً بعدما انتقلت أساليب التلاعب لسِواه، فبدأ المراقبون يتنبّهون للأمر. في هذا السياق، يوضح ربيع، أمين مستودع إحدى المسوبرماركات: "لا كاميرا ولا وجود الموظف يَردع هؤلاء عن سرقة المشروب نظراً لارتفاع ثمنه وللإدمان عليه، لذا بعدما لاحظنا مراراً عبواتٍ فارغة، ونزولاً عند شكاوى المستهلكين، أنّ الكرتونة ليست للمنتَج ذاته، عدّلنا في سياسة عرضِ المشروب وبيعِه كلّياً، خصوصاً أنّه لا يمكننا في كلّ مرّة تكبُّد خسائر كلفتِه".
ويوضح لـ"الجمهورية": "لذا بدأنا نَعرض مختلفَ الكراتين فارغة، ولا سيّما التي تتجاوز كلفتُها الـ 50 دولاراً، فعندما يَختار الزبون المشروب، يُعلِم الموظفَ الخاص، فيتوجّه إلى المستودع ويُحضر له مطلبَه إلى صندوق المحاسبة. أمّا المشروب الأقلّ ثمناً، فيُعرَض من دون كرتونة أو تُفتح الكرتونة عند صندوق المحاسبة لتتمكّن العاملة من أخذِ الـ Barcode المرفقَة بالزجاجة مباشرةً". لا يدّعي ربيع أنّ هذه الوسائل منَعت سرقة المشروب من على الرفوف، "فمُخيّلة يلّي إيدُن طويلة" واسعة جداً ولا يمكن لجمُها، ولكنّ التدابير التي اتّخذناها حدَّت، نوعاً ما، مِن خسائرنا، وأجبَرت أيَّ لصّ على التفكير مليّاً قبل إقدامه على السرقة". ضروب الاحتيال... غالباً ما نَسمع عن تعرّضِ مصرف للسرقة، وعن وقوع مواطنين ضحايا عمليات سَلب... ولكنْ أن تُسرَق منتجات عن رفوف السوبرماركات والدكاكين، فهذه ظاهرةٌ تجتاح مختلفَ المناطق اللبنانية. سرقات تُوَثّقها كاميرات المراقبة وألسِنة موظفين شهود عيان بعدما تدخّلوا مراراً لردع متبضّعين عن السرقة. وما حصَل مع نوال غيضٌ مِن فيض وقاحة هؤلاء وشراسَة شهيتِهم.
ظنَّت نوال أنّ إقحامَ ابنتِها في مخطط سرقة مستحضرات التجميل مِن إحدى السوبرماركات، سيشكّل لها غطاءً كافياً لتمويهِ فعلتها. فانتظرَت حتى تدير الموظفة ظهرَها لتفتحَ حقيبة ظهر طفلتِها وتخبّئ فيها ما يَلزمها من كريمات قبل أن تكملَ التبضّع. ولكنْ مِن سوء حظها كان أحدُهم في غرفة المراقبة يشاهد تسجيلات الكاميرات لحظةً بلحظة، للوهلة الأولى لم يُصدّق ما رآه، فقرّبَ الصورة قدر المستطاع، ليتأكّد من أنّ هذه الوالدة لا تُخرج من الحقيبة طعاماً لصغيرتها أو لعبةً، إنّما تُخفي داخلها شيئاً ما.
على الفور توَجّه المراقب وموظّفة معه إلى الصندوق، وما إنْ حانَ وقتُها لتُحاسب، سألَتها الموظفة بطريقة لبِقة عن الاغراض الموجودة في حقيبة طفلتها. للوهلة الأولى أنكرَت تلك السيّدة وجود أغراض في الحقيبة، لكنْ بعدما تمنّت الموظفة عليها فتحَ السحّاب، إحمرَّ وجه الوالدة وبدأت تتصبّب عرقاً، ثمّ رضخَت للأمر الواقع. وهنا كانت المفاجأة الكبرى، إذ استغربَت السيّدة وجود الأغراض، وعوَض الاعتذار، ادَّعَت أنّ ابنتَها هي من أوقعَت الأغراض في حقيبة الظهر وانهالت عليها بالضرب والصراخ على فِعلتها، قبل أن تعيدَ المسروقات. بين الجزادين وحمّالات الصدر تختلف مخطّطات السرقة وقدرةُ السارقين على المجازفة بحجم المنتج وسِعره. وقد أظهرَت تسجيلات الكاميرات في عيّنةٍ من السوبرماركات التي قصدناها، أنّ الرجال يَميلون إلى إخفاء المسروقات في جيوبهم، وتحديداً شفرات الحلاقة، أو في أكياس يُدخلونها معهم أصلاً، أو يستعينون بحقائب زوجاتهم. أمّا السيّدات فإمّا يضَعنَ المنتج في حقيبة اليد أو في حمّالات الصدر أو مع الخادمة. وفي جولةٍ سريعة بين رفوف تلك السوبرماركات، المشهدُ عينُه يتكرّر، بقايا شوكولا هنا، عبوةٌ عصير فارغة بين أدوات التنظيف، كيس "شيبس" في باب المصعد. "شو بيستحلو بياكلو وما بحسابو".
صرخة وداد، المسؤولة عن ترتيب الرفوف تَختصر مئات الشكاوى اليومية من زملائها، فتَروي: "يومياً أرى أوراقَ الشوكولا الفارغة تَغزو الرفوف، نظراً لغياب سَلّات المهملات ولكي يتخلّصوا منها يرمونها بين الأغراض على الرفوف، فهل الـ 250 ليرة أو الـ 500 ليرة تحتاج كلَّ هذه المجازفة؟". وتضيف: "مراراً أرى متبضّعين يأكلون وهُم يتسَوّقون، قلّةٌ منهم يحاسبون وأغلبيتُهم يتهرّبون، والمسلسل يطول". كاميرات... بالإسم على رغم تجهيز السوبرماركات بأحدث أنظمة كاميرات المراقبة وبرامج ضدّ السرقة، وتخصيص مراقبين متجوّلين، تبلغ السرقة ذروتَها. فكيف حال الميني ماركت والدكاكين؟ للوهلة الأولى قد يَعتقد البعض أنْ لا مكانَ للسرقة، ولكنْ في جولة سريعة على عيّنةٍ مِن أصحاب تلك المحالّ، تبدو آفة السرقة أكثرَ انتشاراً.
ففي حين يَعتمد أبو فادي على زوجته في مراقبة الصندوق والزبون ريثما يَقطع له ما يلزم من "المارتديلا" خلفَ البرّاد، لجأت جارتُه الأرملة إلى رفعِ أوراقٍ كُتِب عليها: "إنتبِه المحل مراقب بكاميرات"، لتكبحَ جشَع السارقين، ولكنْ في الحقيقة: "لا كاميرات ولا مَن يَحزنون، أصرف بقدر ما أنتج من الدكّان، من أين لي تجهيز المحالّ بكاميرات!". أمّا رياض الذي تعبَ جاهِداً لتوسيع دكّانه وتحويله إلى ميني ماركت، فيتندّم يومياً على تلك اللحظة، قائلاً: "كلّما توسّعَ المحل زادَت مخاطر السرقة، زاد المصروف وتضاعفَت الخسائر». ويضيف: «قد تَدخل أمٌّ ومعها أولادها الثلاثة، كلٌّ منهم يسرَح ويمرَح في أخذ ما يريد ويفرّون خارجاً على اعتبار أنّهم ينتظرون أمّهم لتنهيَ تبَضّعَها، ليتبيّن لاحقاً بأنّهم أشبَه بعصابات منظّمة".
المسروقات نوعان من جهته، يَصف نقيب السوبرماركات في لبنان نبيل فهد، سرقة البضائع بـ"المعاناة اليومية"، مشيراً إلى أنّها "زادت مع تدهوُر الأوضاع الاقتصادية". وعن طبيعة السرقات، يوضِح فهد لـ«الجمهورية»: «هي نوعان: الأكثر عرضةً للسرقة المأكولات السريعة الاستهلاك مثل الشوكولا، الشيبس، المثلّجات، العصير، فهي نادراً ما تُهرَّب خارجاً بل يتمّ تناولها خلال التبَضّع.
أمّا الفئة الثانية من المسروقات فهي عرضةٌ للتهريب نظراً لارتفاع ثمنِها ولِحاجة استخداماتها الخارجية، وخسائر هذه المنتجات موجعة لنا، بدءاً من الكحول، مروراً بالكريمات النسائية، وصولاً إلى الشفرات، البطاريات، وغيرِها ممّا قد لا يَخطر في البال". أمّا بالنسبة إلى إمكانية تقدير حجم المسروقات، فيُجيب: "لا شكّ في أنّ للجردة الشهرية دوراً أساسياً في تقدير حجم الأرباح والخسائر، وعموماً يتعذّر الحسمُ الدقيق لحجمِ السِلع المسروقة إلى خارج السوبرماركت، بينما المنتجات المستهلكة داخلها والمسروقة يمكن تقديرها بشكل أسهَل من خلال توافُر البقايا المرميّة بين الرفوف، أو في المصعد...". أساليب المكافحة... حيال تفاقُم السرقات، كيف تتمّ المكافحة؟ يقول فهد: "لا شكّ في أنّ تعزيز الكاميرات مسألة أساسية، ولكنّ الأهم هو الـ antivole التي تُثبَت على المنتج وتَمنع تهريبَه بفِعل صفّارات الإنذار قبل فكّ الشيفرة عنه. كما أنّ بعضَ الإدارات يَمنع تناولَ أيّ سِلعةٍ قبل دفعِ ثمنِها، ومِن الوسائل الأخرى اعتمادُ الـ Barcode على المنتَج في الداخل وليس على كرتونته منعاً لأيّ تلاعُب أو استبدال للمنتجات". ويأسَف فهد للتحايل الذي يَبلغ ذروته: "حتى الـ Barcode يتمّ التلاعب به، إذ نتبلّغ مراراً شكاوى من الموظفين بأنّ أحدَهم نَزع الـ Barcode مثَلاً عن صحون البلاستيك ليخفيَ بها Barcode صحوناً أخرى أغلى ثمناً". ويضيف: "كأصحاب سوبرماركات نعمل على تبادُل صوَر مَن نشكّ في أمرهم ونتبادل المواصفات والتحذيرات، سواءٌ في سرقة السِلع أو الاحتيال لدى الدفع". بصَرف النظر عن قيمة المنتَج المسروق، وعلى حدّ تعبير المثَل الفرنسي "Qui vole un oeuf vole un boeuf"، تبقى كاميرا الضمير أنجع رقيب.