إستسهل السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير نفي صفة الشمولية عن حزبه وعن فريقه السياسي، وكأنه يحدثنا عن أشياء لم نرها من قبل ولم نسمع بها ولم نعش معها أصعب المراحل وأمرّها، وكأننا لم نخبر هذا الحزب وذاك الفريق في الكثير من المحطات السياسية في لبنان، لكن نفي الشمولية قولاً ، لا ينفي وجودها فعلاً، فهذا الفريق ومنذ أن خرج جيش النظام السوري مرغماً من لبنان في ٢٦ نيسان ٢٠٠٥، تولى إبقاء الوصاية السورية على لبنان بالواسطة، فولد تحالف ٨ آذار في العام نفسه، الذي أخذ على عاتقه المحافظة على مصالح النظام السوري في لبنان وتقديمها على المصلحة الوطنية، ورفض منطق المصالحة، وفضّل منطق الغلبة، وإستخدم شتى الوسائل لكسر خصمه السياسي وعمل على تقويض الهبّة السيادية لأكثرية الشعب اللبناني التي  نزلت إلى ساحة الشهداء في ١٤ آذار ٢٠٠٥، ولم يوفر  هذا الفريق أي وسيلة في سبيل فرص مشروعه وهيمنته، حتى وصل إلى إستخدام السلاح الذي لطالما قال بأن السلاح ليس للإستخدام الداخلي، بل لمواجهة العدو الإسرائيلي، فكانت أحداث ٧ أيار ٢٠٠٨ المشؤومة التي أنتجت تسوية الدوحة على وقع قرقعة السلاح. 

  في العام ٢٠٠٩ وقبل الإنتخابات النيابية، حاول السيد نصرالله الخروج من منطق السلاح وإن تمويهاً، لترميم وجه فريقه السياسي وتخبئة مخالب هذا الفريق التي ظهرت في أحداث ٧ أيار وتركت ندوباً عميقة في جسم الوطن وسلمه الأهلي،  فبدأ يسوّق في خطاباته لفكرة تقول:"الإنتخابات قادمة وعلينا أن نخوضها بكل ديمقراطية، والفريق الذي يربح الإنتخابات فليحكم والفريق الخاسر فليعارض..."، كان يقول ذلك وهو على ثقة بأن فريقه ذاهب لربح الإنتخابات، لكن المفاجأة كانت بفوز فريق ١٤ آذار بالإنتخابات وحصوله على أكثرية نيابية مريحة، لكن فريق ١٤ آذار لن يذهب للحكم منفرداً كما طالب السيد نصرالله قبل الإنتخابات، بل خرج الرئيس سعد الحريري في نفس الليلة ودعا إلى تشكيل حكومة وطنية يشارك فيها الجميع، وهكذا كان، يومها أصرّ الفريق الممانع على الثلث المعطل، وكان له ما أراد، وبدأت رحلت التعطيل، ثم تمت الإستقالة الجماعية من حكومة الرئيس سعد الحريري وتم إسقاطها ومن ثم قطعوا له كرت ذهاب بلا عودة وأتوا بالرئيس نجيب ميقاتي رئيساً لحكومة القمصان السود وحتى آخر السردية التي أصبحت معروفة للجميع....!!!

 لم يكتفِ هذا الفريق الشمولي بالعبث في الداخل، بل ذهب بعيداً وراء الحدود وإنخرط في الحرب السورية للقتال إلى جانب النظام السوري والمشاركة في قمع ثورة الشعب السوري تنفيذاً لطلب النظام الإيراني الذي أخذ على عاتقه نجدة حليفه النظام السوري ودعمه ومنعه من السقوط!!! 

  لا يمكن لحزب غير شمولي، أن ينخرط إلى هذا الحدّ في الحرب السورية دفاعاً عن نظام شمولي توتاليتاري مستبد، ويعلن صبح مساء بأنه منخرط في هذه الحرب ولن يسمح للشعب السوري بأن يحقيق أهدافه بتغيير النظام وتشكيل نظام تعددي ديمقراطي جديد يقيم وزناً للحرية ولكرامة الإنسان بعيداً عن كل أصناف المخابرات وعسسها. الشمولية ليست تهمة تلصق بحزب الله وحلفائه الإقليميين، الشمولية هي ماهيّة هذا المحور وأبرز سماته، وإن أردنا أن نعرّف الشمولية قبل الحديث عن ملف الرئاسة وبعده، فلا يسعنا سوى الإشارة لهذا المحور بالأصبع.