شكلت العلاقة بين إيران وتنظيم داعش محور اهتمامات سياسية وإعلامية عدة وخصوصا في فترة صعود تنظيم القاعدة، وبقيت العلاقة بين الطرفين علاقة مبهمة وغامضة لأن أحدا من الطرفين لم يتحدث عن هذه العلاقة وبقيت المعطيات بشأنها ضئيلة جدا.
فرغم أن هذا التنظيم التكفيري يمثل العدو الأيديولوجي الأشد للشيعة، الذين يفترض أن إيران تمثل دولتهم الكبرى في العالم، إلا أن علاقة هذا التنظيم الإرهابي المتطرف بالمؤسسات الايرانية العسكرية والامنية تشكل مظهرا من مظاهر التعاون بين الطرفين أمتد لسنوات .
وشكلت إيران ملاذا آمنا لعائلة بن لادن بعد الحصار الأمريكي الذي تعرضت له هذه العائلة حيث ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في أحد تقاريرها أن هذه العائلة أقامت في إيران سنوات طويلة تحت الإقامة الجبرية وضمنت لهم السلطات الإيرانية السلامة والحماية والسرية.
وبالرغم من ذلك فقد بقيت علاقة الجمهورية الإسلامية في إيران بتنظيم القاعدة غامضة ويتم تنظيمها من خلال مكتب للارتباط الخاص يسعى لتنظيم العلاقات الإيرانية مع التنظيمات السنية المتشددة المسلحة ويسمى “قراركاه قدس” ، ويتولى هذا المكتب نقل وتمرير قيادات التنظيم من أفغانستان وإليها عبر محطاتها المنتشرة في باكستان إلى حد كبير وفي مناطق من العراق وجنوب لبنان وسوريا. العلاقة بين الطرفين يمكن وصفها بأنها صداقة لدودة. فالاثنان متباعدا الأهداف، مفترقا الطرق، متعاديان إلى حد التقاتل، لكن القاسم المشترك بينهما هو العداء لأمريكا وهو جسر يساعدهما دائما على تجاوز الخلافات لإلحاق أشد الضرر الممكن بـ “الشيطان الأكبر” .
وفي هذا السياق يأتي احتفاظ إيران بمجموعة من الأسرى المنتمين للقاعدة حيث وفرت لهم إيران ظروفا ايجابية خلال سجنهم وقاموا قاموا بتشكيل فريق لكرة القدم داخل السجن وأطلقوا عليه فريق القاعدة. وقد قامت إيران فيما بعد بإطلاق سراحهم ضمن صفقة ادت لتسليم بعضهم الى السعودية و إبعاد البعض الآخر عن الاراضي الايرانية .
وفي هذا السياق ذهب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية إلى أن صهر بن لادن المدعو “سليمان أبو غياث” قد أبعد من إيران إلى تركيا ومنها إلى الأردن حيث اعتقل وسُلم إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليواجه القضاء.
وفي سياق التنسيق بين ايران والقاعدة قال جوناثان إيال رئيس قسم الدراسات الأمنية في المعهد الملكي للخدمات المشتركة في بريطانيا أنّ إيران قد منحت اللجوء لعناصر عدة من تنظيم القاعدة بعد عام 2001، بما في ذلك عناصر من قياداتهم، مستدركا أن حق اللجوء لا يشمل بأي حال حق النشاط التخريبي أو السياسي أو (التبليغي بلغة الإسلام السياسي).. وكانت رسائل عُثر عليها في (أبوت آباد) حيث قُتل أسامة بن لادن قد كشفت عن شكوك زعيم القاعدة في أن إيران تلعب دورا مزدوجا في المنطقة (متحالفة مع القاعدة والتنظيمات المتشددة السنية في بعض الأحيان، وواشية بها لمكاتب السي آي إيه المنتشرة في الشرق الأوسط عبر عملاء عراقيين وأفغان في أحيان أخرى).
وفي هذا الصدد تحدث بن لادن عن دور إيران في الوشاية بابنه سعد الذي قتلته طائرة درون أمريكية أثناء عبوره الحدود من إيران إلى باكستان. في سياق آخر يقول دومينيك توما الباحث في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس والمتخصص في دراسة التيارات الإسلامية. أن دور القاعدة في سوريا عامل حاسم في تحول موقف إيران من هذه الحركة الإرهابية.
إيران كانت دائما ترى أن القاعدة لن تكون أبدا صديقة: القاعدة بنفسها قالت إن إيران عدو. لكن من باب النفعية، كانت الدولة الإيرانية تنظر إذا كان ممكنا لمصالح هذه الجماعة الإرهابية أن تتماشى مع مصالحها. والسياسة الإيرانية تجاه القاعدة بعد 2001 وفي العقد الذي تلاه كانت سياسة "غض الطرف".
وكانت الأراضي الإيرانية منطقة عبور لمقاتلي القاعدة المتوجهين إلى أفغانستان. وعموما كانت إيران تتركهم يمرون وتغمض عينيها، لكنها لا تعطيهم أي دعم لوجستي.
ومن المؤكد أن السلطات عندها معلومات عن مرور هؤلاء المقاتلين الذين يأتون غالبا من الشرق الأوسط ويسافرون إلى أفغانستان عادة لمحاربة القوات الأمريكية. فلإيران والقاعدة مصالح مشتركة وما دامت هذه المصالح لا تمس بالجمهورية الإسلامية، فإن الدولة تترك جماعات المقاتلين تمر. اليوم وبعد التحولات التي شهدتها المنطقة وخصوصا بعد الإتفاق النووي الإيراني فإن الجمهورية الاسلامية الإيرانية تعيد رسم علاقاتها مع هذه الجماعات بما يتناسب والإتفاقات التي جرت وهي بالتأكيد سيكون لها ارتدادات عدة على علاقة إيران بالقاعدة و الجماعات الأخرى المسلحة .