يقوم الرئيس الإيراني حسن روحاني، بجولة أوروبية قادته إلى إيطاليا وفرنسا، يبدو أنها قد تفتح فصلاً جديداً للعلاقات مع أوروبا، خصوصاً من حيث طبيعة الخطاب المتبادل، ومن حيث المصالح الناشئة بين الطرفين، فيما قد يحول إيران إلى "كعكة"؛ بمعنى فرصة سانحة لدول غربية، تسعى إلى الخروج من أزمتها المالية. ولكن قد تعني أيضاً تحول إيران إلى قوة صاعدة، ليس اقتصادياً بقدر ما هو سياسياً، إذا قررت الربط بين مصالحها الاقتصادية وخطابها السياسي.
في إيطاليا، كان البترول هو الموضوع، ومنح شركات إيطالية امتياز استخراج البترول، وإقامة مشاريع بنية تحتية، ضمن صفقات قيمتها 18 مليار دولار. وردّ الإيطاليون بحفاوة تشمل الامتناع عن تقديم النبيذ أثناء الطعام احتفاءً بالضيف المسلم، وتغطية التماثيل العارية في متحف زاره روحاني، الذي قابل بابا الفاتيكان الذي منحه وساماً، وتلقى هدية إيرانية هي سجادة من صناعة مدينة "قمّ". كما التقى روحاني رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزي، المتوقع زيارته إيران قريباً.
في فرنسا، التي رفضت الامتناع عن تقديم النبيذ، فألغي بند الطعام من الزيارة، يوقع روحاني صفقات تشمل فتح خط لإنتاج (تجميع) سيارات "بيجو" الفرنسية في إيران، إضافة إلى شراء مائة طائرة "إيرباص".
هذه المشروعات لا تكسر الحصار الغربي الاقتصادي على طهران وحسب، بل وتوجد مصالح متبادلة مع دول أوروبية، ما يجعل من مصلحة الأخيرة استمرار الحصار مرفوعاً عن إيران؛ وتوجِد أيضاً حيزاً للتفاعل واللقاءات والمصالح، وحتى للسياحة وزيارات العمل المتبادلة بين مواطني هذه الدول.
البعد السياسي أمر رئيس؛ فمن غير المستبعد أن تلحق بهذه الاتفاقيات تفاهمات وعمل مشترك في ملفات أمنية وسياسية، مثل مشاركة إيران في مواجهة تنظيمات السلفية الجهادية، خصوصاً "داعش"، وبالتالي تحول طهران من خطر إلى لاعب إقليمي يحظى بعلاقات تعاونية مع الأوروبيين. وفي هذا السياق، طلب البابا فرانسيس من روحاني لعب دور لنشر السلام ومكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة في الشرق الأوسط. ورد روحاني أنّ أحد سبل مقاومة الإرهاب هو الازدهار الاقتصادي. ووصل الأمر بوزير الخارجية الإيطالية باولو جنتيلوني، للقول: "نحن لا نسعى إلى مجرد تفعيل تعاوننا مع إيران، ولكن إلى إعادة إطلاق تحالف استراتيجي". وجاءت تصريحاته في مؤتمر لرجال الأعمال، في بلد يعاني أزمة اقتصادية طاحنة.
بطبيعة الحال، فإنّ هذا قد يغضب دولا عربية، تخشى كثيراً من استغلال إيران للانفتاح الاقتصادي وتحسن أوضاعها اقتصادياً لدعم تنظيمات وشخصيات داخل الدول العربية، خصوصاً من الشيعة. الجانب السعودي، وإن كان يبدو غاضبا من هذا التقارب، إلا أن هناك تقليلا من شأنه. فمثلا يقول الأمير تركي الفيصل، مدير المخابرات والسفير السعودي السابق في واشنطن: "بريق اليورو والدولار في أعينهم، وهم ينظرون لفرص الاستثمار في إيران ولكن من يذهب هناك (عليه أن يعرف) أنّه سيفعل ذلك بأمواله وليس المال الإيراني"، في إشارة لعدم توقع كرم إيراني مجاني.
في المقابل، فإنّ هذه الزيارات والعلاقات الدبلوماسية والتجارية الحميمة، قد تؤدي إلى زيادة وزن إيران في ترتيب ملفات المنطقة، بما يتجاوز السلفية الجهادية، إلى العراق وسورية، وربما أيضاً إلى مكان مختلف لإيران وهي تتحدث بالشأنين الفلسطيني واللبناني.
بعبارة أخرى، المشهد الإقليمي مرشح للخلط الكبير، مع تغير موقع إيران فيه. وهذا المشهد مصاب بفوضى شديدة أصلا، ويحتاج من يقوم بترتيبه.
لا الغضب ولا التقليل من شأن الأمر يبدو مفيداً، وعلاج أزمات المنطقة بالتجزئة غير مجدٍ، بل لا بد من إعادة ترتيب شاملة.
الفرصة السانحة أمام طهران ليست للاسترخاء ماليا واقتصاديا بسبب رفع الحصار وحسب، ولكن للتمدد السياسي. وذلك لأنّ القوى الإقليمية العربية الرئيسة منشغلة بقضاياها الداخلية (كما في مصر)، وبمحيطها الجغرافي الأقرب كما في حالة السعودية في اليمن، فيما ملفات أخرى كثيرة متروكة بقدر أدنى من الاهتمام، ومنها لبنان وفلسطين، وحتى مسائل الحسم في سورية وليبيا والعراق وغيرها. والأطراف الدولية تبحث عمّن يساعد في ترتيب كثير من هذه الملفات، فلو اتضح أن طهران قادرة على هذا فلن تمانع القوى الدولية ذلك، وإيران ستبحث عن دور إقليمي مهيمن.
«الغد» الاردنية