إلى أن يحين أوان انتخاب رئيس الجمهورية، فإن المرشحَين الاثنين اللذين أسعفتهما "اللياقة البدنية" في خوض السباق الى بعبدا، وهما ميشال عون وسليمان فرنجية، يحاولان "على الطريق"، تجميع ما أمكن من أوراق القوة ومعالجة مكامن الضعف، لتحسين فرص الفوز بالـ"ماراتون" الرئاسي.
بالنسبة الى مناصري عون، فإن لديه من عناصر الأرجحية ما يبرر مضيّه في معركته، حتى الرمق السياسي الأخير، وهي كالآتي:
ـ الوزن التمثيلي المسيحي الصافي الذي يكرّسه الرقم الأصعب في معادلة الأحجام.
ـ دعم سمير جعجع لترشيحه، مع ما يشكله هذا الدعم من قيمة مسيحية مضافة، كونه يأتي من "وصيف" الجنرال في التمثيل.
ـ احتضان ترشيحه من قبل "حزب الله" الذي بات يمثل قوة محلية ـ إقليمية، لا تقاس قدراتها بعدد الأصوات النيابية بل بسعة الدور.
ـ مباركة إيران التي كانت قبل الاتفاق النووي لاعبا أساسيا في المنطقة، وأصبحت بعده "كابتن" الفريق الإقليمي، أقله وفق مقاربة المجتمع الدولي.
ـ التطورات الميدانية في سوريا التي تمنح محور المقاومة والممانعة المتحالف مع روسيا أرجحية عسكرية متزايدة على الارض، لا بد من أن تدفع المحور المضاد الى الاعتراف بها والتعامل مع مقتضياتها السياسية، عاجلا أم آجلا.
ولكن.. ماذا عن الأوراق الرابحة التي يملكها في المقابل رئيس "المردة"؟
يشعر فرنجية بأن لديه منها ما يكفيه، ليس فقط للصمود في معركة الرئاسة، بل لربحها أيضا، وهي معادلة اختصرها رئيس "المردة" بتساؤله: كيف لمن يملك 70 صوتا أن ينسحب لمن يملك أقل بكثير؟
ولا ينكر محبذو خيار ترشيح فرنجية أن الرجل قال بالصوت والصورة إنه مستعد للانسحاب إذا استطاع عون أن يحصل على تأييد جعجع له، لكنهم سرعان ما يستدركون بالإشارة الى ان هذا الالتزام يملأ نصف الكوب والحقيقة فقط، أما نصفه الآخر فهو أن فرنجية قصد حصرا من كلامه إبداء الاستعداد للانسحاب على قاعدة قبول عون بالركون الى الخطة "ب" التي تمر في بنشعي إذا لم ينجح في حشد الأصوات الضرورية لانتخابه، وليس على أساس اتفاق النقاط العشر بينه وبين جعجع والذي يفتح الباب أمام تأويلات تصب في خدمة المنطق السياسي لـ "القوات اللبنانية".
ويستغرب هؤلاء كيف أن أوساط "التيار الوطني الحر" حاولت الإيحاء بأن فرنجية قدم تنازلات سياسية للرئيس سعد الحريري خلال لقاء باريس في مقابل الحصول على دعمه، وهو الأمر الذي لم يحصل، برأيهم، في حين أن "التيار" نفسه لم يتردد في إبرام اتفاق مع "القوات" يحمل نَفَسها السياسي، وربما ينطوي أيضا على بنود غير معلنة، وذلك لتسهيل انتخاب الجنرال رئيساً.
وإذا كان مناصرو رئيس "المردة" لا يقللون من شأن تفاهم ثنائي "التيار" ـ "القوات"، إلا أنهم في الوقت ذاته يستغربون اعتباره ممثلا للأكثرية المسيحية الساحقة، معتبرين أن الرصيد المسيحي المتوافر بحوزة فرنجية يمنحه الشرعية الرئاسية الكافية، بدءا من شعبية فرنجية نفسه التي كانت ستتضاعف لو لم يمتنع عن التمدد في جبل لبنان مراعاة لحساسية الجنرال، وصولا الى الحيثيات التمثيلية لمجموعة جهات، تمتد من بكركي المبارِكة لترشيح رئيس "المردة"، وتنتهي عند سامي الجميل الذي إذا اضطر الى الاختيار يميل نحو فرنجية، مروراً بنواب مؤثرين في بيئاتهم من قبيل ميشال فرعون وميشال المر وبطرس حرب وفريد مكاري ودوري شمعون، إضافة الى العواطف المعروفة لبعض القوى الحزبية مثل "الكتلة الشعبية" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي"، من دون تجاهل خصوصية المكوّنين الكاثوليكي والأرثوذكسي اللذين لهما نزعة استقلالية، وفق ما يذهب اليه المتعاطفون مع فرنجية.
وخلافاً للاعتقاد السائد لدى كثيرين بأن "حزب الله" محرج حيال التنافس الحاصل بين حليفين له، هناك في أوساط المتحمسين لفرنجية من يميل نحو مقاربة أخرى فحواها أن الحزب يتعاطى مع ترشيحي الجنرال ورئيس "المردة" باعتبارهما مكسبين أو هديتين.
ولئن كان "حزب الله" يدرك أهمية حماية التحالف مع الرابية ربطاً بخياراتها وحيثيتها التمثيلية الواسعة التي تشكل عمقاً حيوياً للمقاومة في البيئة المسيحية، إلا أن المتحمسين لفرنجية يؤكدون أن الحزب ليس بوارد الضغط على فرنجية للانسحاب، لا من باب المجاملة السياسية له، بل انطلاقاً من قناعة بأن الحليف الشمالي استطاع أن يحقق اختراقاً أو استقطاباً للخصوم، لا يجوز التفريط به بالمعنى الاستراتيجي، إذ ليس بسيطاً بالنسبة الى الحزب ـ تبعاً لأصحاب المقاربة ذاتها ـ أن يتخلى بهذه السهولة عن التأييد السعودي والغربي الذي ناله فرنجية، معطوفاً عليه الغطاء السنّي المتمثل في "المستقبل".
وينبه المقتنعون بهذا الطرح الى أن أي ضغط على فرنجية لدفعه الى الانكفاء، في مقابل تثبيت عون ـ جعجع كمرجعية للقرار المسيحي، ستكون له تداعيات بعيدة المدى على فرنجية الذي سيبدو بالنسبة الى الآخرين غير أهل للرهان عليه والتعاون معه، مشددة على أن من مصلحة الحزب حماية فرنجية كمشروع مستقبلي جاذب للمسيحيين، ومن شأنه أن يقطع الطريق على جعجع، علما أن انتخاب فرنجية رئيسا سيساهم في اختصار مراحل هذا المشروع، وفق اعتقاد المؤيدين.
(السفير)