القرار الذي إتخذه الدكتور سمير جعجع بمقاطعة جلسات هيئة الحوار الوطني في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وفي عين التينة برئاسة الرئيس نبيه برّي، كان مبنياً على منطق يقول بأن الحوار مع فريق سياسي لا يلتزم بما إتفق عليه على طاولة الحوار نفسها، ولا يحترم تعهداته هو لا يعدو كونه تضييعاً للوقت، والتيار العوني هو طرف أساسي من هذا الفريق الذي إتهمه الدكتور جعجع بالتنصل من إلتزاماته، والذي أبدى عدم ثقته بهذا الفريق ولا يأمن جانبه.
لكن الدكتور جعجع لم يجد حرجاً بالتفاهم مع التيار العوني على ورقة نيات هدفها تخفيف الإحتقان بين التيار العوني والقوات، وهذه الورقة لا تدحض منطق القوات بمقاطعة الحوار، كونها مجرد ورقة نيات ليس أكثر، لكن عندما أقدم الرئيس سعد الحريري على إعلان تأييده لترشيح النائب سليمان فرنجية، هذا الأمر أثار حفيظة الدكتور جعجع، فردّ على فعلة الرئيس الحريري، بردّة فعل من العيار الثقيل، لا تخلو من الإنفعال، فأقدم على عقد إتفاق مع الجنرال ميشال عون، يقوم على تبني القوات لترشيحه لرئاسة الجمهورية ويتضمن الإتفاق عشر نقاط مستعارة من ورقة إعلان النيات، وقد تلاها الدكتور جعجع على الهواء بحضور الجنرال عون وتأييده وتصفيقه، وخلال تلاوة النقاط العشرة، توقف الدكتور جعجع عند النقطة التي تتحدث عن سياسة لبنان الخارجية وإحترام القرارات الدولية، توجه الدكتور جعجع للجنرال عون قائلاً "بدّك يعملا"، غامزاً من قناة وزير الخارجية جبران باسيل الذي خرج عن الإجماع العربي في إجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي أصدر بيان أدان فيه الإعتداء الإيراني على السفارة الإيرانية في طهران وعلى القنصلية السعودية في مشهد، وبعد أسبوع على إتفاق معراب، أعاد وزير الخارجية جبران باسيل الكرّة وإنحاز للنظام الإيراني، خارقاً مرّة أخرى الإجماع العربي في إجتماع منظمة التعاون الإسلامي، ما أثار موجة إستنكار واسعة في دول الخليج وحملات تحريض على اللبنانيين المقيمين في الخليج عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي.
على خلفية موقف وزير خارجية لبنان وإنحيازه لإيران، وهذا دليل على أن التيار العوني لن يلتزم ببنود الإتفاق مع القوات، وهو سيبقى منحاز لإيران وحزب الله ما دام قرار إيصال الجنرال عون إلى سدّة الرئاسة هو بيد إيران عبر حزب الله، وبالتالي، كيف يمكن للقوات اللبنانية التي قاطعت الحوار الوطني بحجّة عدم إلتزام الفريق الممانع بمقررات الحوار، أن تبرر ذهابها إلى طرف أساسي في هذا الفريق وعقد إتفاق معه والرهان على مصداقيته التي خرقها قبل أن يجفّ جبر إعلان معراب، وهو أصلاً مطعون بمصداقيته منذ أن تنصل من الإلتزام بمقررات الحوار، كما تنصل من إعلان بعبدا بعد المشاركة في صياغته والتوقيع عليه???!!!
وعليه، فإن إعلان معراب لا يعدو كونه ردّة فعل من قبل زعيم القوات على فعلة زعيم المستقبل، وكل ما عدا ذلك هو لغو ولهو ولعب في الوقت الضائع.
( اسامه وهبي )