المشهد اللبناني اليوم هو على النحو التالي: هناك مرشّحان لرئاسة الجمهورية من قوى 8 آذار، والمرشّحان قريبان من حزب الله، وجماعة 14 آذار هي من تولّت ترشيحهما. وعلى رغم ذلك حزب الله مستمر في اتّهام جماعة 14 آذار بتعطيل استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.
والحال أنّه من المفترض أنّ وصول أيّ من المرشّحين سيكون وفق الحسابات اللبنانية خسارة محقّقة وواضحة لـ"14 آذار"، أيّ للجماعة التي تولّت ترشيح الرجلين المقرّبين من خصمها.
وعلى رغم ذلك، فإنّ حزب الله مستمر في اعتبار أن قوى 14 آذار، وعبر ترشيحها حليفيه، تتولى تعطيل الاستحقاق عبر "مؤامرة الترشيح". هل تذكرون "مؤامرة الانسحاب الاسرائيلي من جزين"؟ على هذا النحو تتناسل المؤامرات في الوعي الممانعاتي. فالمؤامرة وفق هذا الوعي هي أيّ استجابة للخطاب المُعلَن.
نريد أن نحرّر الجنوب، وإذ بالجنوب يتحرّر! الاستجابة للفعل المقاوم مؤامرة طالما أنه يفضي إلى البحث بما بعد التحرير.
نريد رئيساً حليفاً لـ"المقاومة" وإلا فأنتم متآمرون على المقاومة. إذاً فليكن الرئيس حليف المقاومة. ويا لهول ما فعلت أيها المتآمر! يبدو أنك تريد رئيساً وتريد أن تقدم تنازلاً! لماذا؟ ماذا يدور في رأسك؟ يبدو أنك تستدرجنا للسقوط في فخّ رغبتك ببلد طبيعي. كيف تتجرأ على ترشيح حليفنا الذي كان ذريعتنا للتمسّك بالفراغ، تماماً كما كان المحتلّ ذريعتنا للتمسك بالاحتلال وبالمقاومة.
ليس هذا الكلام مماحكة مع خصوم. هو حرفياً ما يمكن أن يخلص إليه المرء إذا ما طرح على نفسه هذا السؤال: إذا كانت مسألة انتخاب رئيس مرتبطة برغبة حزب الله وجماعة 8 آذار بأن يكون الرئيس من بينهم، فها هي 14 آذار قد رشّحت لها كل من ميشال عون وسليمان فرنجية، وهما في صلب مشروعها، فلماذا التلكؤ في النزول إلى المجلس النيابي والإقتراع لأحدهما، لا سيما وأن وصول أي منهما هو نصر لـ"8 آذار" وخسارة لـ"14 آذار"؟
الجواب للمرة الألف هو أن لا شيء اسمه "8 آذار"، وهذه الجماعة هي ديكور سياسي وأهلي لحزب الله، والأخير لا يريد رئيساً في هذه المرحلة.
لكن بعد أن أصبح مملاً تكرار هذه البديهة المثبتة والمبتذلة لشدّة وضوحها، يجب أن ننتقل بالسؤال للمسيحيين: هل صار واضحاً أمامكم من هي الجهة التي تتولّى إلغاء المنصب وتمهيش الموقع؟
المسيحيون غير راغبين بالإجابة عن هذا السؤال، والدليل الصمت الممارس حيال الإمعان في التهميش. المشهد اليوم واضح على نحو غير مسبوق. مرشحان للرئاسة حليفان لحزب الله. أي أنه لا حجة لعدم النزول إلى المجلس إلا اذا كانت الرغبة في وجود رئيس غير متوفرة أصلاً.
الأرجح أن ضعف المستقبل وتلاشي "14 آذار" أوقع المسيحيين مجدداً في عجز جديد. لا سبيل لمواجهة حزب الله في ظل تحوّله قوة وحيدة على الساحة. واليوم لم تعد التورية ممكنة. المشهد واضح وجليّ. لا رئيس للجمهورية. المسؤول عن الفراغ لم يعد بوسعه سوى أن يعلنها بوضوح وصراحة. وها هو يقول: "لا أريد رئيساً".
المصدر: ناو