أثناء مروري في أحَد شوارع بيروت، وفي زحمة السير الخانقة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة اللبنانيّين، صدمني مشهدٌ يتمثّل في حَمل سيّدة طفلاً لم يبلغ السنة، أثناءَ تنقّلها على دراجة ناريّة خلفَ زوجها.
وما لفتني أكثر هو أنّ السيدة كانت تجلس بنحوٍ جانبي على الدرّاجة وتحمل طفلها بيَد واحدة، ممسكةً بزوجها باليد الثانية وبدا الطفل معلّقاً في الهواء وهو ينظر إلى السيّارات.. تُعتبر الدراجة النارية أو "الموتوسيكل" من أسرع وسائل التنقل وأسهلها ، تزداد أعدادها بسرعة قياسية يوماً بعد يوم، لا تعترف بتعقيدات العمر ولا بأية فوارق اجتماعيّة..
وما جعلها وسيلةَ نقلٍ مرغوبة من فئات المجتمع كلّها الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي لا تسمح لشريحة واسعة من الناس بشراء سيارة ولو صغيرة، أضف إلى ذلك: الرواتب المتدنّية، أزمة البنزين وارتفاع أسعار المحروقات كل فترة ، وزحمة السير الخانقة التي يعلق بها اللبنانيون لعدّة ساعات يومياً ،فهي وسيلةَ نقلٍ مرغوبة من فئات المجتمع كلّها الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي لا تسمح لشريحة واسعة من الناس بشراء سيارة ولو صغيرة، بالإضافة إلى إعتماد المؤسسات والمطاعم والصيدليات وغيرها، على الدراجة النارية كوسيلة نقل أساسية لإيصال الطلبات "دليفري"، من الأسباب الرئيسية لتكاثر عدد الدراجات النارية بهذه الصورة اللافتة..
ومن هنا إن قانون السير المتعلّق بالدراجات النارية يشكّل عامل نفور وليس عامل جذب للمواطن اللبناني، وذلك لأن كلفة حيازة رخصة سير الدراجة خمسمائة ألف ليرة لبنانية تقريباً،أي ما يوازي سعر الدراجة تقريباً.. تُسبب الدراجات النارية إصاباتٍ في حوادث السير 35 مرة أكثر مما تسببه السيارات ،وهذه النسبة تزداد عند سوء استخدام الدراجة وعدم الالتزام بمعايير السلامة. لذلك، يجب الحد قدر الإمكان من سوء استخدامها، وتكثيف التوعية بمخاطرها، وتنظيم دورات لكيفية قيادتها، وفرضِ شروط على من يريد شراءَها.. و يجب صيانة الدراجة بشكل دوري وإستخدام خوذة الرأس وتجنب استخدام سماعات الأذن، وعند الضرورة القصوى استخدام سمّاعة واحدة فقط وتجنّب استخدام الهاتف أثناء القيادة وغيرها من الإرشادات التي تحمي السائق ولتخفيف نسبة الحوادث.
خلاصة .. أن قيادة الدراجة ليست للتسلية والرفاهية المفرطة، وليست لقضاء الوقت بما لا طائل فيه، وإنما هي لقضاء الحاجات، وإذا كان استخدامها أحياناً هو لهدف التنزّه فيتوجب على السائق استخدامها بمسؤولية، ما يعني التزامه بالضوابط الأخلاقية والشرعية، وعدم تعمد إيذاء الآخرين والإضرار بهم، وكذلك التزامه بالإجراءات الوقائية لحفظ سلامته ، وإذا تحققت هذه الشروط بكاملها فلا مانع من قيادة الدراجات النارية..