لم يكن العماد ميشال عون مقتنعا باقترابه من الوصول الى رئاسة الجمهورية كما هو اليوم. صحيح، ان احتساب الاصوات النيابية ـ وفق الاصطفاف الحالي ـ لا يسمح له بعد بانتزاع الرئاسة، لكن الوزن السياسي ـ الشعبي للقوتين اللتين أعلنتا عن دعمه هو من طبيعة تقاس بـ"النوع"، لا بـ"الكمّ".
وبهذا المعنى، فإن الجنرال يشعر على الارجح بان حجم قوة "حزب الله" لا يُترجم فقط بعدد أعضاء كتلته النيابية، وإن حجم تأثير "القوات اللبنانية" لا ينحصر في عدد أعضاء كتلتها. بالنسبة اليه، هو فاز بدعم الرقم الشيعي الاصعب والشريك المسيحي الابرز، في معادلة التوازنات اللبنانية، بل لعله يعتبر انه حقق انجازا سياسيا غير مسبوق عندما تمكن من ان يجمع حول ترشيحه بين نقيضين في الخيارات الاستراتيجية هما الحزب و "القوات".
من المؤكد، ان ما بعد تفاهم معراب ليس كما قبله في حسابات الرابية، وبالتالي فان عون يبدو واثقا، بعد استقطاب جعجع نحو ترشيحه، في انه استطاع على الاقل تحسين شروط معركته الرئاسية، وإن يكن ليس قادرا بعد على حسمها.
يدرك عون انه امام معركة لا يمكن ربحها بضربة قاضية، وإنما بالنقاط التي يفترض تجميعها الواحدة تلو الاخرى، ما يتطلب نَفَسا طويلا، تبين ان الجنرال يملك مخزونا كبيرا منه، يسمح له بالصمود حتى يتعب الآخرون.
وتوحي كل المؤشرات ان عون سيزداد تمسكا باستراتيجية الصبر، أكثر من أي وقت مضى، بعدما أثبتت جدواها، مع إعلان جعجع عن دعمه ترشيح الجنرال، في حين ان هذا التحول كان يبدو حتى الامس القريب من المستحيلات السياسية.
وأغلب الظن، ان الرابية تفترض انه، مع بعض التماسك والتحمل، ربما تأتي لحظة يعيد فيها الرئيس سعد الحريري أيضا النظر في موقفه عاجلا أم آجلا، كما فعل جعجع، علما ان ما كان يُفرق بين الجنرال ورئيس "القوات" هو أكبر مما يفرق عون والحريري.
أما في بنشعي، فان حسابات من نوع آخر تدفع رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية الى التمسك كذلك بترشيحه. لا يجد رئيس "المردة" اي مسوغ للانسحاب بينما هو الاقوى وفق بوانتاج الاصوات النيابية التي من شأنها ان تمنحه الفوز بالرئاسة، إذا انعقدت جلسة الانتخاب في 8 شباط المقبل.
وأبعد من الاصوات العددية، يعتبر فرنجية انه متفوق ميثاقيا كذلك على الجنرال، إذ إنه يحظى بتأييد المكون السني القوي (سعد الحريري) والمكون الشيعي الاساسي (نبيه بري)، والمكون الدرزي المحوري (وليد جنبلاط)، إضافة الى الحيثية التمثيلية التي يملكها أصلا في الساحة المسيحية، ما يقود ـ برأي مؤيدي فرنجية ـ الى اعتباره مطابقا أكثر من غيره للمواصفات التي أرساها لقاء بكركي ثم الحوار الوطني، وأهمها ان يكون الرئيس قويا في بيئته، وليس بالضرورة الأقوى، ومقبولا في البيئات الاخرى.
ولا يوافق مؤيدو فرنجية على فرضية ان اتفاق عون ـ جعجع يعبر عن الاجماع المسيحي، معتبرين ان هناك نوعا من التضخيم للحجم التمثيلي لـ«التيار الحر» و"القوات اللبنانية" على حساب "المردة" و"الكتائب" والمستقلين والحياديين.
ويشير هؤلاء الى انه من غير الجائز ان يصبح الموقف من حيثية فرنجية مزاجيا، و "على الطلب"، بحيث يجري الاعتراف بها او انكارها تبعا لما تقتضيه المصلحة الظرفية، لافتين الانتباه الى انه سبق لعون وجعجع ان اعترفا خلال لقاءات بكركي بان رئيس "المردة" هو أحد الاقطاب المسيحيين الاقوياء الاربعة، وبالتالي فان محاولة إعادة النظر في هذا التصنيف، ربطا بمصلحة انتخابية، ليست مقنعة.
ويستغرب داعمو فرنجية إصرار جعجع على تحوير الانظار في اتجاه "حزب الله" بحجة انه قادر على إلزام حلفائه بدعم عون، سعيا الى دفعه نحو الاصطدام بهم وأيضا بتيار "المستقبل" الرافض لترشيح الجنرال، منبهين الى ان طرح رئيس "القوات" إنما يندرج في سياق التحريض على 7 أيار جديدة، وحصول مواجهة سنية - شيعية.
ويعتبر هؤلاء ان جعجع بات معنيا، وبدل الهروب الى الامام، بان يضغط على عون ليشارك في جلسة 8 شباط، انسجاما مع تفاهم معراب ومع أدبيات "القوات" التي ترفض مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس وتعطي دروسا في هذا المجال، مشددين على ان الاجدر به ان يقنع مرشحه بالنزول الى مجلس النواب، قبل ان يطلب من خصمه ذلك.
ويستبعد محبذو خيار فرنجية ان يلجأ "حزب الله" الى الضغط عليه للانسحاب، لان نمط العلاقة بينهما لا يحتمل هذه الفرضية، "ولو فعل، فان فرنجية ليس بصدد التراجع عن ترشحه في ظل المعطيات الراهنة التي تمنحه الارجحية".
( السفير)