غسان ريفي يعترف البطريرك الجديد لإنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، بأنه وصل الى العرش الانطاكي بـ«تدبير كنسي، وإلهام إلهي»، ويصف عملية انتخابه بأنها «رسالة من السماء» مضمونها «أن مخططات البشر غير مخططات الله».
لا يزال «يوحنا العاشر» تحت تأثير مفاجأة جلسة الانتخاب التي دخلها مطرانا لا يحق له الترشح بحسب القانون الكنسي لكونه لم يمض خمس سنوات في أبرشيته، وخرج منها بطريركا، لكن عوامل الارتياح والاطمئنان أرثوذكسيا ولبنانيا وعربيا، أعطته جرعة من الصلابة والقوة والمعنويات لخوض مسيرة «درب الصليب».
هدوؤه يعكس الروحانية التي يتميز بها، ويترجم سكينة يبثها مع كل تحية تبدد وطأة القلق العارم من المجهول الذي تتخبط به المنطقة العربية بأسرها.
مسالم هو «يوحنا العاشر»، يزن كلماته بميزان من ذهب، يضع نصب عينيه أن يبذل نفسه من أجل شعبه، ساعيا من أجل إيجاد شراكة أرثوذكسية كاملة في الكنيسة الأرثوذكسية بين المؤمنين عموما بلا تفريق بين إكليروس وعلمانيين، «لأنه بالشراكة تستمر نهضة الكنيسة الأرثوذكسية التي أرسى دعائمها مثلثا الرحمات إلياس الرابع وإغناطيوس الرابع».
يحرص «يوحنا العاشر» على أن يطلع على كل الملفات بتفاصيلها الدقيقة، وأن يدرسها بعناية، وأن يستمع لكل وجهات النظر، وأن يتشاور مع أصحاب الرأي، قبل أن يتخذ أي موقف من أي مسألة، دينية كانت أم سياسية، ويشدد على أن كل عمل أو موقف أو اجتهاد يجب أن يصب أولا وأخيرا في مصلحة الطائفة.
ثمة مسلمات ثلاث لدى رأس الكنيسة الأرثوذكسية هي: الشراكة والانفتاح والحوار، معتبرا أننا بالشراكة نبني، وبالانفتاح نتلاقى مسيحيين ومسلمين لتذليل الصعاب، وبالحوار نحل كل المشاكل، محذرا من أن رفض الحوار معناه إلغاء الآخر.
وعندما نسأله عن رأيه بطاولة الحوار، يقول اليازجي: «كلنا مع الحوار، لأنه بالحوار نحل كل المشاكل، ومن دونه يعم منطق إلغاء الآخر وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلا».
في حديثه البطريركي الصحافي الأول مع «السفير»، يرى اليازجي أن المسؤولية كبيرة جدا، «لأن المجال الكنسي واسع جدا، خصوصا في هذه الأيام والظروف»، شاكرا الله على هذا الارتياح الذي شاهدناه على وجوه الشعب، مؤكدا أن انتخابه «تم بمحبة ضمن المجمع الانطاكي المقدس، وبتفاهم أخوي وودي كامل»، لافتا الانتباه الى أنه قبل مرحلة الانتخاب قيل وكتب الكثير، وبرغم ذلك كانت هناك رسالة من السماء لنا، أظهرت أن مخططات الناس غير مخططات الله، وهذا ما يعطينا الاطمئنان، مؤكدا أن الكنيسة ليست متصارعة مع بعضها البعض، والمطارنة ليسوا متصارعين مع بعضهم البعض، ونحن حقيقة أخوة في المسيح، والبرهان الحقيقي تجسد في نتيجة الانتخابات التي تمت بهذه الروح الأخوية.
عن نظرته للعلاقة الأرثوذكسية ـ المارونية، يقول اليازجي: «علاقة الكنيسة الأرثوذكسية بالكنيسة المارونية، وطيدة جدا ومنذ زمن على هذه الأرض وفي لبنان تحديدا، وهناك تعاون وثيق بين الكنيستين، لا سيما في عهد المثلث الرحمات البطريرك إغناطيوس الرابع، واليوم بوجود صاحب الغبطة الكاردينال بشارة الراعي، ووجودنا، نأمل أن نظهر هذا التعاون والمحبة بشكل أوضح وأفعل، وطبعا سيكون هناك عمل مشترك ولقاءات لترجمة هذه العلاقة».
وعن العلاقة المسيحة الاسلامية، يشير الى أن علاقتنا «مع أخوتنا المسلمين معروفة عبر التاريخ ولا داعي للتحدث عنها، وهي علاقة طيبة جدا، وفيها الكثير من التعاون، ونحن نفتخر بهذا الأمر، وطبعا هذه العلاقة ستستمر وستكون أقوى فأقوى من دون شك».
وعن العلاقة مع الكنيستين الروسية واليونانية، يرى اليازجي أن الكنيستين مستقلتان إداريا، «وهما أختان لبعضهما البعض، ونسمع في بعض الأحيان أن ثمة اختلافا في وجهات النظر، وهذا أمر طبيعي، لأن كل إنسان عنده رأي ووجهة نظر معينة، لكن العلاقات جيدة، وخصوصا في السنوات الأخيرة، وهناك سعي من صاحب القداسة البطريرك المسكوني أن يتم في القريب ما يسمى بالمجمع الارثوذكسي الكبير أو الموسع والذي سيجمع كل الكنائس الأرثوذكسية في العالم ومن ضمنها الكنيسة الروسية، ونحن وكل الكنائس».
وحول عتب العلمانيين على تهميشهم ضمن الكنيسة وعدم إنشاء المجالس التي أقرتها الأنظمة الانطاكية منذ العام 1973، يؤكد يوحنا العاشر «أننا في الكنيسة لا نفرق بين علماني أو إكليركي وفق التعابير «الدارجة» اليوم، وليس لأحد حصة في الكنيسة أكثر من غيره، بل هناك مشاركة وهذا ما نؤكده»، لافتا النظر الى أن قانون 1973 وما قبله «وضع لتفعيل دور المؤمنين ولا نقول العلمانيين، ودور الشعب المحب لله، كي تكون الكنيسة شعبا وإكليروسا وعائلة واحدة تسعى للنهضة الكنسية الروحية بكل أبعادها التربوية والتعليمية وحتى نكون كما يليق بنا في كنيسة المسيح».
ويضيف «القوانين قابلة للتبدل والدراسة والتغيير، وأمامنا عمل كبير في كنيستنا، لكن أؤكد أننا نؤمن بالشراكة وبتفعيل المواهبية في الكنيسة التي نرفض أن يكون أحد خارجها».
وعن نظرته الى الواقع الأرثوذكسي في سوريا، يقول اليازجي: «الكنيسة الأرثوذكسية في سوريا محترمة، ولها كل اعتبار، ونحن نمارس كل أمورنا وطقوسنا الروحية من دون أي مشكلة، والصعوبات الموجودة هي ناتجة عن الوضع العام القائم، لجهة أن بعض العائلات تهجرت من منازلها، أو لجهة الصعوبات الخدماتية التي تنسحب على الأرثوذكسي والمسيحي والمسلم وأي إنسان سوري، ونحن لا نميز ولا نحب أن نميز، فكلنا أولاد بلد واحد نحيا حياة واحدة فيها الفرح والخير والصعوبات، وما يجري على غيرنا يجري علينا».
وعن رسالته للمسيحيين الذي يخشون المجهول في سوريا وغير سوريا، يقول: «نحن أبناء هذا الأرض، ونتمسك بها، وفي الوقت نفسه نحن مرغوب فينا، ولا أحد يقول لنا غادروا، وبالتالي نحافظ على وجودنا، لكن هناك صعوبات تحصل تجعل الانسان يفكر بتساؤلات عن المستقبل، ونحن ندرك ذلك، وبرغم كل الصعوبات نحن نبقى على مبادئنا وأصالتنا، وحتى ان أحبتنا المسلمين لا يريدون أن يغيب وجه المسيح عن الأرض التي أتى إليها».
وعن إمكان نقل الكرسي الانطاكي من دمشق الى لبنان، يؤكد اليازجي أن الكرسي الانطاكي «مقره ومركزه في دمشق وسيبقى هناك، وهذا واضح، وأعتقد أن الموضوع غير مطروح للنقاش، وليس قيد أي تداول أو تشاور من قبل أي جهة رسمية أو شعبية، وهذا لا يعني ألا يكون هناك مقر بطريركي في لبنان حاليا وهو في البلمند، وفي إنطاكيا، ويمكن أن يكون هناك مقر بطريركي في مكان آخر، لكن المقر البطريركي والكرسي الرسولي الانطاكي هو في دمشق».
وعن مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» الانتخابي، يقول اليازجي: «نحن نملك فكرة عن هذه الطروحات، وكنا نتابع من أبرشيتنا في أوروبا ما يجري، لكننا نريد أن نلتقي أبناءنا ونسمع آراءهم والله يقدم الخير، وحاليا لا يوجد موقف كنسي رسمي قبل أن نستمع للجميع».
وعما إذا كان راضيا عن الحضور الأرثوذكسي في الدولة اللبنانية، يقول: «أنا راض عن شعبي، والله يبارك فيه، والمهم أن نأتي ببركة السماء، ويمكن أن غيرنا من واجبه أن يهتم بكل هذه الأمور.. لا أدري، وهذا من المواضيع التي تحتاج الى نقاش والى دراسة وإن شاء الله نصل الى كل ما يخدم الطائفة».
وحول الانقسام السياسي الحاصل في لبنان، يدعو اليازجي الى أن نكون واحدا، وأن نتعاون ونتشارك مع بعضنا البعض لأن هذا الأمر أساسي، مؤكدا أن الحوار والتفاهم هو أساس كل شيء، وبسلام، لأن ذلك يأتي بنتيجة إيجابية على الجميع، وعلينا أن نجلس مع بعضنا البعض وأن نتحاور وأن نصمم على العمل لخير هذا البلد.
يختم: «رسالتي الأولى والأخيرة هي أن أبذل نفسي من أجل شعبي، وطبعا سنتعاون جميعا من أجل خير المسيحيين، وخير هذا الشعب والبلد والمنطقة والبشرية جمعاء وأن نكون جميعا دعاة سلام».