يحكى عن بعض شيوخ الأزهر من القرن الماضي أنه سمع بعض المحاضرين يجهر في حرارة قائلاً: "لن أغتفر للغزالي تكفيره للفلاسفة" لأننا خسرنا من وراء ذلك كله فلسفة الدين وفلسفة الأخلاق .
حتى قيل إن كلمة رجل حر جريء ما كان يسمع بمثلها في الأزهر من غير أن يرتفع السجال حول جدل العلاقة بين الفلسفة والدين .
كذلك ويروى عن بعض شيوخ النجف في القرن الماضي وقد تغشاه غاشية من سلطان الجمود أنه سمع أستاذه في أصول الفقه يحمل على أولئك الذين بعثوا من مرقدها تلك الفكرة القديمة: " "من تمنطق فقد تزندقر" فما معنى ذلك ؟ .
معناه أن الأزهر والنجف كان اهتمامهما ظاهراً وواضحاً في احترام مرجعية العقل واعتباره من مصادر توفية المعرفة بالدين .
وإذن لا يمكن مقاربة الاختلال الذي أحدثته ظاهرة الفصل بين الدين والعقل إلا إذا تدبرنا هذه المشكلة وحاولنا علاجها في مدى ما يشيع في عصرنا من فتن التكفير والقتل باسم - الدين -بعد أن عانت الأمة ما عانته في سنوات الاحتلال من مصائب استغلال العصبيات الدينية وتأجيج العداوات بين أبناء الدين الواحد في غير عاصمة عربية وإسلامية حيث المؤسسات نفسها في حاجة إلى التوجيه فيما يشوب إيمانها ومناهجها من أفكار ومفاهيم لا تمت إلى الإسلام بصلة.
وإذا كنت أقدم هذه الهواجس المعروفة فإنما أقصد من خلالها أن أتوجه إلى المؤسسات الروحية راجياً أن ينتبهوا إلى خطورة الحاضر والمستقبل فيقوم التعاون بينها في علاقاتها بعضها ببعض على أساس الوعي بوجوب نقد الذات الدينية ولست أغالي إذا قلت إن مستقبل التدين يتوقف على أمرين: 
إحداهما: رد الاعتبار لمرجعية العقل في دراسة العلوم الدينية. 
وثانيهما: رد الاعتبار لدروس الأخلاق بوصفها الجوهر الذي يتعلق بسلامة الدين كله.
وإذا كانت المناداة بهذا النداء تحتاج إلى كثير من دراسات الإصلاح والتربية لتسير المؤسسات على طريق التقدم نحو الغايات الإنسانية للدين فإن ميدان الإصلاح والتربية يستلزم منا أشياء كثيرة وفي مقدمها تطوير مناهج التعليم الديني لا لنقف على مواطن العلوم التي تنقصها فحسب وإنما لنضع أصابعنا على عوامل – العصبية والتطرف -  من داخل تلك المناهج.
وعندي أن بداية الإصلاح يجب أن تتوجه بكل عنايتها إلى بناء شخصية المعلم باعتباره العماد الأول في إصلاح الخطاب وإصلاح التعليم فإذا لم يكن المعلم في عافية عقلية وفكرية تحميه من لوثة الجهل والعصبية فلن ينفعنا إصلاح التعليم بشيء.
ولنا في مستقبلنا الديني المنشود أن نعتدل بحكمة التربية فنجمع بين بناء المعلم والتعليم في رؤية موضوعية لا تهمل جانباً منهما على حساب الآخر.
وفي هذا نتمنى أن يشارك خبراء التربية بنصيب من تجربتهم الغنية ليبلغ التجديد المرتجى مبلغه من تحقيق التكامل في أوسع ما تحتاجه الجامعات الدينية من إنتاج المعرفة الجديدة بالدين في زمن بات فيه التدين الأعمى مفسداً لحياتنا الاجتماعية وأنت إذا قُدر لك أن تنظر في فضائيات المشهد الديني العربي لاستطعت أن تلمح البون الشاسع بين إعلام ديني يدعو إلى القيم السامية في وحدة الدين والإنسان, وإعلام ديني آخر أقل ما يقال فيه إنه إعلام العداء لقيم الوحدة والتوحيد حتى ليصحّ كلمة من قال إن الدين الصالح يفسد بحملته والدين الفاسد يصلح بحملته.
ومن هنا كان من أدب الدعاء النبوي في شهر رمضان وفي غيره من الشهور: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع ودعاء لا يسمع .. اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا وأهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور.. اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذريتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم" .

الشيخ حسين أحمد شحادة