من الجميل في حياة المسلم أن يكون احد إهتماماته إدخال السرور إلى قلب غيره من المؤمنين فيعيش السعادة في وجدانه الروحي ،ولكن الأجمل أن يكون هذا الإهتمام من قبل المؤمنين جميعا مع بعضهم البعض ،حتى تشمل السعادة النفسية والروحية جميع فضاءات المؤمنين ،وحتى لا يشعر المؤمن مبادر دائما بأنه مغبون في محيطه ،وقد لاحظ الفكر الديني الإجتماعي في تشريعاته هذه النقطة ووضع كما هائلا من التعاليم المرتبطة بها ، وذلك من أجل الوصول إلى السعادة والصلاح والأمن الإجتماعي في حياة المؤمنين ..

ولكن السؤال في هذا السياق :ما قيمة العفو مثلا من جهة واحدة إذا كانت الجهة الأخرى لا تعفو ؟ هل تتحقق السعادة الإجتماعية حينئذ ؟ وما قيمة نسيان الإساءة من جهة واحدة ؟ وما قيمة التواضع من جهة واحدة وما قيمة التسامح من جهة واحدة ، وما قيمة نبذ الحقد والكراهية من جهة واحدة ؟وهكذا في كل مفردات الأمن الإجتماعي . ومن الواضح أن الصيغة دائما بصيغة التفاعل أي الإشتراك والمبادرة من الطرفين ،وهكذا فما قيمة صلة الرحم إذا كانت من طرف واحد ، بالتأكيد الواصل لرحمه مأجور والقاطع مأثوم ولكن المبتغى ألأساسي للشريعة فيما يتصل بالحياة لم يتحقق حينئذ وإلا لتجزأت الأحكام ولصار لدينا أبناء سيدة وابناء جارية داخل منظومة التعاليم الدينية ، نعم من جهة الآخرة لا ضير ،لأن الله لا يضيع لديه عمل عامل ،أما من جهة الدنيا فإن الفكرة الدينية التي يريد الإسلام إيصالها وبناء المجتمع من خلالها لن تتحقق وسيكون هناك نقص ما في البناء الإجتماعي لمجتمع المؤمنين الذين وصفهم القرآن جميعا بأنهم رحماء فيما بينهم بمعنى أن كل واحد منهم رحيم بأخيه فالرحمة من الطرفين وليس بعضهم رحيم وبعضهم غليظ ، نعم وإن كانت الغلظة من طرف لا تبرر الغلظة من طرف آخر كما ورد في أدبيات التعاليم الإسلامية .
فقد يتأثّر الإنسان بمواقف سلبية من أناس يحسن إليهم .. يقابلون إحسانه بالإساءة، فيحدث في نفسه ردة فعل سلبية.. فيرد على إساءتهم بالمثل، فيقطع عنهم إحسانه ومعروفه، ويحرمهم من العون المادي أو الاسناد المعنوي الذي يقدِّمه لهم .. ولكن القرآن يتسامى في منهجه التربوي على ردود الفعل تلك، ويطالب الإنسان المسلم أن يتسامى إلى ما هو أرقى من ردّة الفعل التي يمتنع فيها الإنسان عن عمل المعروف، بسبب إساءة المسيئين .. جاء ذلك في قوله تعالى:
{وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُو الفَضْـلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور: 22).
(مقتطف من كتاب " أدبيات التواصل الإجتماعي في الإسلام" 
للشيخ عباس أحمد شحادي )