لم تنتهِ عملية خلط الأوراق التي أحدثتها مبادرة معراب بتبنّي ترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بل إنّها اختلطَت واتّصلت بتلك العملية المماثلة التي أحدثتها مبادرة الرئيس سعد الحريري الباريسية بترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، إلى حد أنّها لم تمنع مختلفَ الأفرقاء من اتّخاذ مواقف واضحة ومحدّدة منها. وبات الجميع ينتظرون الجميع، لكنّ الشغور الرئاسي هو سيّد الانتظار. قالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنْ لا شيء متوقّعاً على جبهة الاستحقاق الرئاسي في المديَين المنظور والقريب، وإنّ الكلمة كانت ولا تزال للميادين الإقليمية، من سوريا إلى العراق إلى اليمن، وطالما إنّ هذه الميادين لم تقارب الحسم، أو على الأقلّ تحقيقَ المكاسب لهذا الطرف أو ذاك، فإنّ أزمة لبنان الرئاسية باقية في الثلّاجة، وإنّ الحراك الجاري في شأنها لا يَعدو كونه محاولةً للحدّ مِن التجَمّد، حتى لا يفرض لاحقاً فترةَ انتظار طويلة لكي يذوب.

وأضافت هذه المصادر: «إنّ المبادرات المطروحة ربّما تكون مريحة في الشكل، لكنّها أكثر تعقيداً في المضمون، إذ إنّ كثيرين لا يستسيغون خوض انتخابات الرئاسة بمنطق التنافس بين مرشّحَين أو أكثر كسراً للمعتاد، وإنّما الغالبية السياسية تفَضّل التوافق على انتخاب رئيس من ضمن مرشّحي المبادرات، أو مبادرات المرشحين أو من خارج هذه المبادرات».

وأكّدت المصادر أنّه يستحيل انعقاد جلسة نيابية انتخابية يتنافس فيها عون وفرنجية، لأنّ نصابَها الدستوري لن يكتمل إلّا إذا ضمنَ أحدُهما التوافق عليه، وهذا التوافق يبدو إلى الآن مستحيلاً. فعون كان ولا يزال يراهن على الميادين الإقليمية، فيما فرنجية يراهن على العواصم الإقليمية والدولية والجهات التي رشّحته، مُعتقداً أنّ في إمكانها تأمينَ التوافق الداخلي عليه، فيما هو مثل عون، يواجه داخلاً منقسماً بين مؤيّد ومعارض».

ويرى المراقبون أنّ المتفائلين يتوقعون أن تبدأ المقاربة الجدّية للاستحقاق الرئاسي بدءاً من آذار المقبل، فيما المتشائمون يتوقّعون ذلك بدءاً من الصيف، إنْ لم يكن بعدَه.

وفي انتظار كلّ هذه التطورات، فإنّ الداخل سيظلّ دائراً في دوّامة الأخذ والرد التي يمكن أن تتغيّر معها تحالفات واصطفافات في ضوء مفاعيل «الترشيحين القويَين» ومضاعفاتهما. فبينما تشهَد جبهة 14 آذار معالمَ تفكّك، فإنّ جبهة 8 آذار تعيش حالاً من الإرباك إزاء هذين الترشيحين المنتميَين إليها.

وفي الوقت الذي يعوّل البعض على دور للثنائي الشيعي («حزب الله» وحركة «أمل») لكسرِ دوّامة المراوحة، فإنّ أفرقاء سياسيين عادوا إلى التموضع في مواقفهم الأصلية، ومِن هؤلاء رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي عاد إلى ترشيح النائب هنري حلو، واضعاً هذا الترشيح في المستوى نفسِه مع ترشيحَي عون وفرنجية.

سلام

وفي هذه الأجواء، اعتبَر رئيس الحكومة تمام سلام «أنّ أصل النزاع بين إيران والمملكة العربية السعودية هو التدخّل الايراني القائم منذ سنوات في العالم العربي والذي يزيد الأوضاع المعقّدة فيه تعقيداً.

وأبدى سلام خلال ندوة شاركَ فيها في دافوس مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في إطار منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس، قلقَه من تفاقم المشكلات الطائفية في المنطقة سواءٌ بين المسلمين والمسيحيين أو بين السنّة والشيعة، آمِلا «في إمكان تجاوُز هذه المشكلات لكي يحافظوا على التعايش السِلمي في منطقتهم».

الحريري

وفي سياق مضاعفات المبادرات، بدأ تيار «المستقبل» إطلاقَ النار على مبادرة معراب من زاوية انتقاد الحريري أداءَ وزارة الخارجية على خلفية نأيِ الوفد اللبناني بنفسه عن البيان الختامي لاجتماع «منظّمة التعاون الإسلامي»، في مدينة جدّة، والذي دعمَ السعودية ودانَ إحراقَ بعثات ديبلوماسية سعودية في إيران وانتقد تصريحات طهران «التحريضية» و»تدخّلاتها في الشؤون الداخلية لدوَل المنطقة» و»استمرار دعمها الإرهاب».

وأكّد الحريري أنّ انفراد وزارة الخارجية «بما زعَمت أنّه نأي بالنفس عن موقف عربي جامع في المؤتمر الطارئ لوزراء خارجية المؤتمر الإسلامي للتضامن مع المملكة العربية السعودية في مواجهة الاعتداءات على بعثاتها الديبلوماسية في إيران ولرفض التدخّل الإيراني في الشؤون العربية، هو موقف لا يعبّر عن غالبية الشعب اللبناني، وخروجٌ مرفوض للمرة الثانية عن سياسة الوقوف مع الإجماع العربي التي شكّلت قاعدة ذهبية للديبلوماسية اللبنانية منذ الاستقلال».

واعتبَر الحريري «أنّ النأي بالنفس يتحوّل اصطفافاً حين تجد الخارجية اللبنانية نفسَها للمرة الثانية وحيدةً خارج موقف جميع الدول العربية بلا استثناء، وتنأى بنفسها وحيدةً عن قرار تؤيّده جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي باستثناء إيران المعتدية على البعثات الدبلوماسية والسيادة العربية»، وسأل: «عن ماذا نأت الخارجية اللبنانية بنفسها هذه المرّة، خصوصاً أنّ البيان لم يتضمن أيَّ ذِكر للبنان أو أيّ تنظيم سياسي لبناني، أم أنّنا في صَدد محاولة للنأي بالديبلوماسية بعيداً عن لبنان وعروبته نحو إيران وعدوانيتها ومصالحها التوسّعية؟».

وحذّرَ الحريري من «أنّ هذا التغريب المتكرّر للبنان عن عروبته وعن قواعد ديبلوماسيته التاريخية إنّما هو نذير شؤم عن محاولة الهيمنة على القرار الوطني ضد إرادة غالبية اللبنانيين وعلى حساب مصالحِهم ومصلحة لبنان العليا.

بدوره رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة انتقد أداء وزارة الخارجية اللبنانية، واعتبر أنّ موقف وزير الخارجية جبران باسيل «يعرّض مصالح اللبنانيين في الدول الشقيقة والصديقة، ولا سيّما منها المملكة العربية السعودية، للخطر».

واعتبر النائب مروان حمادة أنّ باسيل «كرّسَ في المؤتمر الإسلامي تبَعيتَه للنظام الإيراني، ما يعرّض لبنان لحالٍ من العزلة بين إخوانه العرب وعلى امتداد الأمّة الإسلامية».»

الخارجية

في هذا الوقت، أوضحَت وزارة الخارجية «أنّها كانت قد أعطت التعليمات لسفير لبنان في المنظمة قبل انعقاد الاجتماع بوجوب اتّخاذ الموقف نفسه المشابِه للموقف السابق في الجامعة العربية في حال تضمّنَ القرار المضامينَ نفسَها الواردة سابقاً، وذلك التزاماً بسياسة الحكومة القاضية بالنأي بلبنان عن هذه المواضيع المشابهة والمرتبطة بالأزمة السورية، وعملاً بالتوافق على هذا الموقف الذي ظهرَ جليّاً على طاولة الحوار الوطني».

وجدّدت موقف لبنان الثابت في إدانة الاعتداءات على البعثات الديبلوماسية للسعودية في ايران، وفي رفض التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية، كذلك أكّدت أهمية الإجماع العربي عندما لا يمسّ بالوحدة الداخلية، مع الإشارة الى أنّ موقف لبنان بالامتناع عن التصويت (النأي بلبنان) لم يخلَّ بأيّ إجماع، إذ إنّ الموقف اللبناني الذي حصَل في الاجتماع، لم يأتِ معترضاً بل ممتنعاً بالإضافة الى الموقف المتحفّظ والآخر المعترض اللذين صَدرا عن الدول المشاركة».

جعجع

وبرزَت مضاعفات المبادرات من خلال إقرار رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، ومِن على قناة العربية «السعودية» بوجود اختلاف مع الحريري، وذلك للمرّة الأولى، مؤكّداً أنّ العلاقة ليست على ما يرام في الوقت الحالي، «إنّما سأعمل بكلّ جهدي لتعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً»، وذكر أنّ «آخِر اتصال مع الحريري كان بَعد ترشيح فرنجية».

وأقرَّ جعجع بأنّ «قوى «14 آذار» ليست بأحسن حالاتها منذ ترشيح فرنجية»، مُكرّراً القول إنّ «حزب الله» أمام امتحان جدّي بدعم عون و»إلّا سيخسر أهمّ حلفائه في الفترة الأخيرة إذا لم يَعمل لإيصاله رئيساً للجمهورية». وأضاف «إذا لم يؤيّد الحزب العماد عون سيكون لهذا الموقف تداعيات كثيرة عليه». ورأى أنّ «مِن غير المحسوم أنّ جلسة 8 شباط ستُنتج رئيساً».

«الكتائب»

ومِن جهته، حزب الكتائب قال كلمته أمس في مصالحة معراب، فاعتبَر رئيسه النائب سامي الجميّل «أنّها فرصة مهمّة جداً، وحِرصاً عليها نريدها أن تكون على أسُس ثابتة لحمايتها ومنعِها من التفكّك مجدداً». وأعلن أنّ الحزب لن ينتخب مرشّحاً يحمل مشروع «8 آذار» «إنْ كان أصيلاً أو صُنِع في تايوان»، و»الحزب لا ينظر الى شخص المرشّح إنّما الى مشروعه».

ودعا إلى «انتخاب مرشّح يَجمع اللبنانيين ويحمي لبنان ويحمل مشروعاً لبنانياً». وأكد «أنّنا حتى هذه الدقيقة لم نقتنع بأيّ شيء طُرح أمامنا، ولديهم مهلة حتى 8 شباط ليُجيبوا عن أسئلتنا ويُقنعونا، ولا يقتصر الأمر على العماد عون، بل نقصد جميعَ المرشحين».

حراك ديبلوماسي

وأمام هذا المشهد، توقّفت مصادر سياسية وديبلوماسية أمام الحراك الديبلوماسي الغربي الكثيف وغير المعلن الذي توزّعَ بين اللقاءات الخاصة ولقاءات العمل غير المعلَنة.

وقالت لـ«الجمهورية» إنّ هذا الحراك الديبلوماسي غير المسبوق في الأيام الماضية ظلّ وراء الكواليس وبعيداً من الأضواء الإعلامية. وهو حراك عبّرَ عن اهتمام ملحوظ بالحركة المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، مشجّعاً على الخطوات التي يمكن أن توفّر توافقاً على إنجاز الاستحقاق، بعيداً من منطق الكيدية السياسية.

جونز في معراب

وفي هذا السياق، واصَل القائم بأعمال السفارة الأميركية ريتشارد جونز جولاته على المسؤولين، فزار معراب عصراً وعرض مع جعجع خلفيات خطوتِه الاخيرة وأسبابها. وتطرّقَ البحث الى التطورات الإقليمية، وخصوصاً تداعيات الأزمة السورية والتحضيرات الجارية لجنيف السوري المقرّر نهاية الشهر الجاري.

بون في بنشعي

وفي إطار الجولة الواسعة التي يجريها على القيادات السياسية والوطنية والحزبية بعد الرسمية منها، زار السفير الفرنسي ايمانويل بون فرنجية، وذلك في اوّل اتصال ديبلوماسي مع بنشعي بعد تبنّي جعجع ترشيحَ عون.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» إنّ السفير الفرنسي كان مستمعاً أكثر ما هو متكلم، مُستطلعاً الأجواء المحيطة بالاستحقاق الرئاسي ونتائج الحراك في الأيام الأخيرة عشيّة القمّة الفرنسية ـ الإيرانية المقرّرة في 28 الشهر الجاري، وهي الأولى من نوعها منذ 17 عاماً تاريخ آخر لقاء عقِد بين رئيسين إيراني وفرنسي.

حراك سياسي

في الموازاة، استمرّت الاتصالات واللقاءات بين المعنيّين لبَلورة المواقف، فأوفَد عون النائب ابراهيم كنعان الى معراب، في حين زار النائب إيلي ماروني وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي استقبل ايضاً رئيس حزب «الطاشناق» النائب هاغوب بقرادونيان، الذي ردّد ما قاله المشنوق أخيراً: «قلّة الكلام مفيدة أكثر هذه الأيام».

مجلس الوزراء

وعلى الصعيد الحكومي، وفَى رئيس الحكومة بوعده بتكثيف جلسات مجلس الوزراء فوجَّه من دافوس دعوةً إلى جلسة عادية بعد ظهر الخميس المقبل بجدول أعمال يضمّ 379 بنداً جاءَ خلواً من أيّ إشارة إلى التعيينات في المجلس العسكري، على رغم الحديث عن تفاهمات أدّت إلى مقاربة قابلة للتطبيق.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ النقاش حول التعيينات العسكرية تقدّمَ في اتّجاه التفاهم، حيث لا يزال البحث يدور حول اسم العضو الأرثوذكسي، لكنّ مناخ الاتصالات إيجابي ويمكن أن يؤدي إلى تفاهم نهائي في الساعات المقبلة.

ومن أبرز بنود جدول الأعمال البند 64 وهو مشروع مرسوم يرمي إلى إحالة جريمة الوزير السابق ميشال سماحة إلى المجلس العدلي، والبَند 65 مشروع مرسوم يرمي إلى إحالة جريمة التفجير الإرهابية المزدوجة الحاصلة في 12 ـ 11 ـ 2015 في منطقة برج البراجنة عين السكّة إلى المجلس العدلي، والبند 113 مشروع مرسوم يرمي إلى تحديد الشروط الخاصة لوظيفتَي رئيس مركز وعنصر دفاع مدني في المديرية العامة للدفاع المدني .

دعم أميركي

وعلى رغم الاهتمام المتعاظم بالشأن الرئاسي والسياسي، فإنّ الحفاظ على الأمن والاستقرار لا يزال في صدارة الاهتمامات، وفي السياق زار قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال لويد أوستن، قائد الجيش العماد جان قهوجي، على رأس وفد، مؤكداً ثقة الولايات المتحدة بقدرات الجيش اللبناني، مشيراً إلى أنه كما يواصل الجيش اللبناني حماية الشعب اللبناني، هكذا ستواصل الولايات المتحدة دعم الجيش في دوره كقوة الدفاع عن لبنان.
جمعية المصارف إلى واشنطن

وعلى المستوى المالي والاقتصادي والمالي، غادر أمس الجمعة إلى واشنطن وفد جمعية مصارف لبنان برئاسة رئيسها الدكتور جوزف طربية لعَقد لقاءات على أعلى مستوى مع مسؤولي البنك الفيدرالي الأميركي، وفي وزارتَي التجارة والمالية ولجنتَي الشؤون المالية والعلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، والبحث في القوانين التي أقرّها الكونغرس، والعقوبات التي فرِضت على قيادة «حزب الله» ومسؤوليه وشخصيات لبنانية محدّدة سمّتها قرارات من الإدارة الاميركية بالاسم، وشَملت الفروع في عائلته، وتداعياتها الداخلية على القطاع المصرفي في لبنان وامتداداته الدولية والخارجية.

وسيُطلع الوفد المسؤولين الأميركيين على القوانين التي أقرّها مجلس النواب في جلسة تشريع الضرورة أخيراً، تحت عنوان تمويل الإرهاب وتبييض الأموال ونقلِها عبر الحدود. كذلك سيناقش الوفد في سُبل تطبيق مشاريع القوانين المالية التي تؤكّد أهمّية انخراط لبنان في العولمة المصرفية بعدما أكّد التزامه الدائم بالقوانين الدولية التي أقِرّت في الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية، متسلّحاً بالقوانين التي أقرّها مجلس النواب في جلسة «تشريع الضرورة».

وقال أحد أعضاء الوفد «إنّ الملف الذي يحمله إلى واشنطن تمّ تنسيقه باهتمام بالغ مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وخصّص له جانب من اللقاء الشهري الذي تعقده الجمعية مع الحاكم الأربعاء الماضي، حيث تمّ ترتيب أوراق الوفد وتحديد الرؤية المصرفية للقطاع الخاص والمرجعيات الرسمية الماليّة والنقدية اللبنانية».