لم يقتصر الاشتباك السياسي الذي تسبب به تكراراً موقف وزارة الخارجية والمغتربين في مؤتمر منظمة التعاون الاسلامي في جدة بالامتناع عن التصويت على قرار التنديد بايران لاعتدائها على السفارة السعودية وقنصليتها في طهران، على تظهير الانقسام الداخلي وحتى الحكومي فحسب، بل اتسم تجدد الاشتباك هذه المرة بتداعيات مباشرة على خط التوتر الرئاسي بما من شأنه ان يزيد سخونة الأجواء السياسية.
والواقع ان امتناع سفير لبنان لدى المملكة العربية السعودية عبد الستار عيسى، بتوجيهات من وزير الخارجية جبران باسيل الموجود في منتدى دافوس مع رئيس الوزراء تمام سلام، عن التصويت على بيان وزراء الخارجية لدول منظمة التعاون الاسلامي، تسبب باشتباكين يعتبران امتداداً للتداعيات التي أثارها سابقاً الموقف الرسمي نفسه من بيان وزراء الخارجية العرب في القاهرة. وقد حمل الرئيس سعد الحريري بحدة على "انفراد وزارة الخارجية بما زعمت انه نأي بالنفس عن موقف عربي جامع في المؤتمر الطارئ لوزراء خارجية المؤتمر الاسلامي للتضامن مع المملكة العربية السعودية"، معتبراً ان "النأي بالنفس يتحول اصطفافاً حين تجد الخارجية اللبنانية نفسها للمرة الثانية وحيدة خارج موقف جميع الدول العربية بلا استثناء". واذ تساءل الحريري: "هل نحن في صدد محاولة للنأي بالديبلوماسية بعيداً عن لبنان وعروبته نحو ايران وعدوانيتها؟"، حذر من ان "هذا التغريب المتكرر للبنان عن عروبته هو نذير شؤم عن محاولة الهيمنة على القرار الوطني".
سلام
أما التطور الآخر البارز في هذا السياق، فتمثل في الموقف الذي عبّر عنه الرئيس سلام من دافوس والذي بدا بمثابة كفة القبان التي توازن الموقف السلبي للخارجية من خلال اتخاذ سلام عبر هذا المنتدى العالمي موقفاً سلبياً من التدخل الايراني في العالم العربي. واكد سلام ان "ايران تتدخل في العالم العربي منذ سنوات وهذا اصل النزاع بينها وبين السعودية"، مشدداً على "حق السعودية في اضطلاعها بالدور القيادي في العالم العربي". وتساءل: "لماذا تتدخل ايران في شؤوننا الداخلية ولماذا تزيد الاوضاع تعقيداً؟".
ولاحظت أوساط سياسية بارزة أن رد الحريري الفوري على هذه القضية طاول هذه المرة ضمناً "محور معراب" بمعنى ان الخطوة الديبلوماسية الجديدة التي بدا معها لبنان ممعناً في التفرد عن الاسرة العربية تسجل في خانة ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة وخصوصاً في ظل البنود العشرة التي تبنّى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ترشيح عون على أساسها. وقد ذهب عضو كتلة "المستقبل" النائب احمد فتفت بوضوح الى التساؤل "ماذا بقي من النقاط العشر التي وردت في الوثيقة السياسية الصادرة عن لقاء معراب بعد الموقف الاخير لوزير الخارجية؟". واضافت الأوساط ان واقع الملف الرئاسي لا يوحي بأي تبديل جوهري بعد في المواقف الأساسية، بل ان المرشح النائب سليمان فرنجيه أظهر في الايام الاخيرة تصميماً أكثر من أي وقت سابق على المضي في معركة ترشيحه لكن مجمل المعطيات يؤكد ان لا انتخابات رئاسية في الافق القريب بل ان ثمة ما يرجح تمديد الأزمة الرئاسية الى شهور عدة في ظل ارتباط هذا الازمة بمجموعة عوامل اقليمية ودولية.
وقالت أوساط الفريق الخصم لرئيس حزب "القوات اللبنانية" في معركة انتخاب رئيس الجمهورية لـ"النهار" إن جعجع يحاول حصر الأضرار التي أصيب بها في علاقاته بحلفائه في الداخل والخارج بفعل ترشيحه الإحتفالي للعماد عون في معراب، وأشارت الى اقتناع بدأ يترسخ بأن احتفالية معراب كانت إحدى ترجمات نقلة استراتيجية حضّر لها رئيس "القوات" طوال شهور انطلاقاً من قراءة جديدة للتطورات الإقليمية بدءاً من الأوضاع في سوريا قادته إلى نظرية "حلف الأقليات" التي باتت تجمعه على الأرجح والعماد عون.
موقف الكتائب
ورأت الأوساط نفسها أن رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل خطف الأضواء أمس من معراب بتفنيده النقاط العشر بأسلوب يبيّن تفريطاً في السيادة اللبنانية، وتوقعت إغراقاً للساحة السياسية في الأيام والأسابيع المقبلة بمزيد من أسماء المرشحين للرئاسة.
واتخذ الجميل في مؤتمر صحافي عقده في بكفيا موقفاً مؤيداً بحرارة للمصالحة بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، داعياً الى ترسيخها على "أسس ثابتة ودائمة"، غير انه في المقابل اتخذ موقفا شديد التحفظ من الاتفاق السياسي للفريقين على ترشيح العماد عون، معلناً بوضوح ان الكتائب لن تصوت لمرشح مشروع 8 آذار. وقال: "على كل مرشح حر ان يتخلى عن مشروع 8 آذار وأن يأتي الينا بمشروع مقبول".
وتحدثت الأوساط عن استياء يتصاعد في المملكة العربية السعودية من ترشيح جعجع لعون، وخصوصاً بعد موقف لبنان الرسمي من القرارات العربية والتي عبّر عنها ووجّهها الوزير الذي لقي تبريراً لافتاً من رئيس "القوات" في مقابلة متلفزة أمس. وكان جعجع تساءل في معرض تعليقه على موقف الخارجية: "أين هي الحكومة كاملة ؟ وأياً يكن وزير الخارجية هل كان ليتخذ موقفا مغايراً؟ اذا كان بعض الافرقاء حريصين الى هذه الدرجة فلتجتمع الحكومة وتتخذ قراراً واضحاً وتحمله للوزير باسيل".
مجلس الوزراء
وفي ظل هذه الاجواء توقعت الأوساط عودة الى تفعيل العمل الحكومي ترجمة للاتفاق الذي حصل في الجولة الاخيرة من الحوار الوطني. وفهم في هذا السياق ان الرئيس سلام سيوجه الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء في الرابعة بعد ظهر الخميس المقبل لمناقشة جدول أعمال من 379 بنداً. وعلمت "النهار" ان جانباً مهماً من اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الداخلية نهاد المشنوق ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري قبل يومين تناول موضوع تفعيل العمل الحكومي، كما تطرّق الى التعيينات الأمنية داخل المجلس العسكري ومجلس قيادة قوى الأمن الداخلي، إذ يجري السعي لانجاز التفاهمات على هذه التعيينات بما يساعد على تزخيم محاولات تفعيل العمل الحكومي، لكن التوافق لم ينجز بعد.
¶ تعتذر "النهار" عن خطأ ورد في عنوان الخبر الرئيسي من عددها أمس وحل فيه "8 آذار" مكان موعد الجلسة النيابية لانتخاب رئيس الجمهورية في 8 شباط.