لا المناشدات الوطنية الروحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لإنجاز الاستحقاق، ولا المبادرات التسووية الهادفة إلى إنقاذ البلد، ولا التحذيرات الدولية من «المنحى الخطر» للفراغ على الاستقرار اللبناني كما نبّه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس عشية استقباله الرئيس الإيراني حسن روحاني، ولا حتى ترشيح الخصوم ولا الحلفاء يجدي نفعاً رئاسياً طالما أنّ «حزب الله» على اعتصامه بحبل الشغور والتعطيل الخانق للجمهورية. وبعد طول عناد ومكابرة، يبدو أنّ الحزب اكتشف أمس أهمية انتهاج سياسة «النأي بالنفس» لكن بما لا يصب في الصالح الوطني العام إنما في صلب أجندة إطالة عمر الفراغ حتى إشعار إقليمي آخر. فبينما تكاد تكتمل صورة مواقف التكتلات والكتل حيال مشهدية «لقاء معراب» بتظهير حزب «الكتائب» مساء اليوم حقيقة تموضعه بين بنشعي والرابية أو خارجهما، آثر «حزب الله» النأي بنفسه عن واقع الترشيح «القواتي» للنائب ميشال عون متعمّداً ومعتمداً في سبيل ذلك إرجاء اجتماع كتلته النيابية الذي كان مقرراً أمس للتملّص حتى من التعليق على المصالحة العونية - القواتية.. إن لم يكن على واقع ترشيح رئيس حزب «القوات» سمير جعجع لمرشح الحزب الأصيل للرئاسة.

أما كتلة «اللقاء الديمقراطي» فالتزمت أمس موعد اجتماعها التشاوري بشأن المستجدات الرئاسية وخلص الاجتماع بتغريدة من رئيس الكتلة النائب وليد جنبلاط أكد فيها انتهاءه «بتوصيات واضحة»، في حين عبّر البيان الرسمي الصادر عن «اللقاء» عن الترحيب «بالتقارب الحاصل بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر»، معتبراً أن «المصالحة المسيحية- المسيحية هي خطوة هامة على مستوى تعزيز مناخات التفاهم الوطني، وتستكمل المصالحة التاريخية التي حصلت في الجبل سنة 2001 وطوت صفحة أليمة من صفحات الحرب الأهلية». غير أنّ البيان أكد رئاسياً «الاستمرار في ترشيح النائب هنري حلو الذي يمثل خط الاعتدال ونهج الحوار»، مبدياً في المقابل تثمين خطوة ترشيح رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية باعتبارها «تشكل مخرجاً من الأزمة» ومشيراً في الوقت عينه إلى أنّ ترشيح عون «يلتقي أيضاً مع المواصفات التي تم الاتفاق عليها في هيئة الحوار الوطني مع التأكيد أن هذه المواصفات لا تلغي دور المعتدلين في الحياة السياسية اللبنانية». وشددت مصادر اشتراكية قيادية لـ«المستقبل» على كون البيان تمت صياغته بدقة متناهية قياساً على دقة الأوضاع التي تمر بها البلاد، موضحةً أنّ اجتماع كليمنصو انعقد وسط أجواء تشي بأنّه «لا شيء قريباً» في الاستحقاق الرئاسي في ظل «عدم اكتمال عناصر التسوية وتريّث معظم الكتل».

بري

في الغضون، خرج زوار عين التينة خلال الساعات الأخيرة بانطباع مفاده أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري متمسك بتسوية ترشيح فرنجية أكثر من أي وقت مضى، ونقلوا لـ«المستقبل» أنه لا يرى مناصاً من التنافس الديموقراطي في المجلس إذا استقر الوضع على استمرار ترشيح كل من عون وفرنجية ومَن يحصد منهما أكثرية الأصوات «صحتين على قلبو»، مع تجديد التأكيد على كونه مستمراً في قرار «ترك الحرية» لأعضاء كتلته النيابية حتى في حال انسحاب فرنجية من السباق الرئاسي.

الراعي

وقبيل مغادرته إلى روما، أعرب البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي عن تأييده قول بري إنّ ترشيح جعجع لعون «لا يكفي» لانتخاب رئيس، قائلاً للصحافيين من صالون الشرف في مطار رفيق الحريري: «هذا ما أقوله أنا أيضاً، لا يمكن لأحد فرض إنسان على غيره ومن هنا يأتي دور الكتل السياسية والنيابية، لذلك كنا نقول دائماً اجتمعوا أيها الكتل السياسية والنيابية وتشاوروا في ما بينكم واجعلوا القرار وطنياً وداخلياً بامتياز، وما قاله الرئيس بري طبيعي أن أكون معه».

وإذ أكد مباركته كل مبادرة تهدف إلى إنهاء الشغور الرئاسي، شدد الراعي رداً على أسئلة الصحافيين على وجوب «أن يكون الرئيس من صنع لبنان، وحتى يكون كذلك لا بد من أن تتحمل الكتل السياسية والنيابية مسؤوليتها وتنطلق بقراءة الأوضاع الإقليمية والدولية لانتخاب الرئيس المقبول داخلياً وإقليمياً ودولياً».