اتسمت الحركة السياسية في الساعات الاخيرة بتريث القوى السياسية الرئيسية في تحديد مواقفها من ترشيح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية بما خالف الكثير من التوقعات ان تحفل نهاية الاسبوع باكتمال فصول الفرز السياسي حول هذا الترشيح. واذا كان بعض الانطباعات بدأ يروج لمنطق ان ترشيح العماد عون يسير بدوره على خطى ترشيح رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية بمعنى ان الترشيحين مطروحان لكنهما عالقان من دون أي امكان لحسم احدهما، فان أوساطاً مطلعة تواكب حركة الاتصالات الناشطة في كل الاتجاهات قالت لـ"النهار" إن ثمة فارقاً بين ردود الفعل التي اعقبت كلاً من الترشيحين بما يجعل الحديث من الآن عن مصير مشابه لهما متعجلاً.
ذلك ان البعد المتعلق بالمصالحة المسيحية على قاعدة ترشيح عون جعل القوى المعنية تتريث كثيراً في اتخاذ مواقف فورية من الترشيح الذي أعلن من معراب لان هذا البعد يكتسب حساسية عالية يصعب على المؤيدين لترشيح عون كما على رافضيه تجاهله. ولفتت الاوساط الى انه اذا كان "اللقاء الديموقراطي" برئاسة النائب وليد جنبلاط أصدر موقفه أمس على قاعدة الانفتاح الكبير على التقارب المسيحي – المسيحي ومن ثم ترك الجسور قائمة في كل من اتجاهي عون وفرنجية ولو أعلن "اللقاء" تمسكه بترشيح النائب هنري حلو، فان هذا الموقف بدا "نموذجياً" حيال مرحلة اعادة الحسابات والتروي في اتخاذ المواقف النهائية التي بدا فيها ان العماد عون ورئيس حزب "القوات" نجحا في احداث نقلة مهمة ونوعية في اتجاهها عبر البعد المسيحي لمبادرتهما.
وعلمت "النهار" ان البيان الصادر عن "اللقاء الديموقراطي" أمس بعد إجتماعه برئاسة جنبلاط، جاء "مدروسا بدقة" وفق توصيف مصادر المجتمعين بما فيه تأكيد إستمرار ترشيح النائب حلو. وقد رحب "اللقاء" بالمصالحة المسيحية – المسيحية وأكد استمرار ترشيح النائب حلو لكنه "ثمن خطوة ترشيح فرنجية " كما اعتبر ان ترشيح عون "يلتقي مع المواصفات التي تم الاتفاق عليها في هيئة الحوار الوطني". وأشاد جعجع بهذا البيان فيما اتصل عون بجنبلاط شاكراً له هذا الموقف.
غير ان العلامة الفارقة في تريث القوى الاساسية برزت خصوصا عبر اتجاه واضح لدى "حزب الله " الى الامتناع عن اتخاذ أي موقف سريع مما جرى في معراب اذ ألغت كتلة "الوفاء للمقاومة " اجتماعها الاسبوعي أمس وسط معطيات تشير الى ان الحزب ربما أحرجه شكلاً على الاقل الضغط الكبير الذي مارسه جعجع في تحميل الحزب مسؤولية ترجمة دعمه للعماد عون بعدما توافر لعون دعم "القوات"، فلم يرد الحزب الانخراط في رد مباشر أو غير مباشر على جعجع لئلا يخضع موقف الحزب لتفسيرات لا تلائمه.

الكتائب
في المقابل، من المقرر أن يعقد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل مؤتمراً صحافياً في الخامسة والنصف عصر اليوم في بكفيا لإعلان موقف الحزب من الاستحقاق الرئاسي والذي وصفته مصادر كتائبية لـ"النهار" بإنه "يتخطى الترشيحات الحالية".
على صعيد متصل، علمت "النهار" من مصادر سياسية شاركت في الاتصالات الرئاسية الاخيرة أن جلسة الانتخاب المقررة في 8 شباط المقبل صارت بحكم المؤكد مؤجلة بسبب فقدان النصاب، وسيكون الغياب عنها مشتركاً بين 8 و14 آذار ,وهذا يمثل مؤشراً لكون موقف المقاطعة ستتخذه 14 آذار إذا كانت الجلسة ستفضي الى نتائج لا تقبل بها. وأعتبرت ان المواقف التي لم ترفض ترشيح عون لا تعني أنها تؤيده وقد إقتصر التأييد حتى الان على جعجع والموقف النظري لـ"حزب الله". ورأت ان إحياء النائب جنبلاط إسم المرشح حلو هو بمثابة التحصّن وراء حاجز المرشح المستقل مع أرجحية تأييد فرنجية على عون. وفي الوقت نفسه لا يزال "المستقبل" مع ترشيح فرنجية.وأشارت الى أن عدم صدور موقف عن "حزب الله" لا يعني التخلي عن عون وإنما يعني عدم جهوزية الحزب حالياً لإتخاذ موقف. وأوضحت إن هناك أكثرية تدعم فرنجية حالياً تصل الى أكثر من النصف زائد واحد مع أخذ الأصوات الخمسة للكتائب والتي ستشكل فارقاً، في الاعتبار.
وأبلغت اوساط نيابية مواكبة للاستحقاق الرئاسي "النهار" أن الفرملة التي طغت على مواقف مختلف الاطراف تعود الى أن البوانتاج الدقيق لما يمكن أن تنتهي اليه جلسة الانتخاب إذا ما انعقدت يشير الى توزّع الاصوات بين العماد عون والنائب فرنجية مناصفة تقريباً مع فارق صوت أو صوتيّن لأحدهما مما يشكل مغامرة في وجه الجميع وخصوصاً العماد عون الذي يشترط الاجماع قبل النزول الى الجلسة.
ويسود اقتناع داخل أوساط نيابية من قوى 14 آذار انه يجب التريّث في الخيارات الرئاسية الحالية كي لا يدفع لبنان ثمن التسويات الاقليمية بعد فوات الاوان.
الى ذلك لفتت مصادر واكبت التحرك الاخير في إتجاه الرياض عبر "النهار" الى أنه لا صحة لما قيل عن فيتو سعودي على ترشيح العماد عون والصحيح هو أرجحية خيار دعم ترشيح النائب فرنجية.

 

واشنطن والاستحقاق
في غضون ذلك، نقل مراسل "النهار" في واشنطن هشام ملحم أمس عن مسؤولين أميركيين معنيين بشؤون الشرق الاوسط انهم يتابعون باهتمام الحراك السياسي في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية، لكنهم باستثناء التذكير بخطورة استمرار الفراغ الرئاسي لن يبحثوا في اسماء المرشحين ويتركون للبنانيين اختيار الرئيس.
وقال هؤلاء المسؤولون إنهم غير واثقين من ان الحراك الراهن سواء كان متعلقا بترشيح النائب فرنجية او بترشيح العماد عون سيؤدي فعلا الى انتخاب رئيس. وأوضح أحدهم أن "موقفنا كان ولا يزال ثابتاً، لن نؤيد مرشحاً معيناً ونذكر الجميع بان استمرار الفراغ الرئاسي ليس في مصلحة لبنان". لكنه تحدث عن ضرورة التزام المرشح الرئاسي "علناً لبعض الثوابت مثل قرارات مجلس الامن ذات الصلة بلبنان، بالاضافة الى الاتفاقات الداخلية وتحديدا اتفاق بعبدا وسياسة النأي بالنفس عن التدخل في النزاع السوري".
ويشار الى ان واشنطن ستستقبل مطلع الشهر المقبل قائد الجيش العماد جان قهوجي على رأس وفد عسكري لاجراء محادثات تتعلق بمراجعة التعاون العسكري بين الولايات المتحدة ولبنان.