شكل انخفاض اسعار النفط هاجساً للدول التي تعتمد في اقتصادها على مبيعات النفط كدول الخليج العربي وروسيا، في حين شكلت فرصة بالنسبة الى الدول غير النفطية، كالدول الاوروبية واليابان، من اجل التعافي وتحقيق النمو الاقتصادي في ظل ازمة اقتصادية عالمية حادة. ولكن ماذا عن لبنان؟ هل أفاد اقتصاده من انخفاض اسعار النفط؟.
انخفضت اسعار النفط مع مطلع الشهر الجاري الى مستويات قياسية، فوصلت الى ما دون 30 دولاراً للبرميل الواحد، وبلغ هذا الرقم المستوى الاقل خلال 12 سنة اي منذ كانون الاول من 2003، كما شهد عام 2015 اسعاراً منخفضة للنفط بمعدل 46 دولاراً للبرميل الواحد. فكيف انعكس هذا الانخفاض على لبنان؟
أشار الخبير الاقتصادي أستاذ المالية العامة في الجامعة اللبنانية الدكتور مروان القطب الى "ان لانخفاض أسعار النفط اثاراً ايجابية على الاقتصاد اللبناني، الا انها لم تكن كفيلة بدفع الاقتصاد الى النمو والتعافي نظراً الى وجود ازمة بنيوية في الاقتصاد كالدين العام الذي لا يزال يستنزف المالية العامة، وضعف القطاعات الانتاجية التي لم تستطع النهوض بسبب الاوضاع السياسية غير المستقرة. وهذا يعني أن الآثار الايجابية لانخفاض اسعار النفط بقيت في اطار الحدّ من التدهور الاقتصادي اللبناني ولم تسهم في تحقيق النمو والانتعاش، اي ان المؤشرات الايجابية لانخفاض هذه الاسعار قابلتها مؤشرات أخرى سلبية. فما هي هذه المؤشرات؟
- تراجع قيمة الواردات السلعية: ادى انخفاض اسعار النفط الى تراجع قيمة الواردات السلعية من 18,8 مليار دولار خلال الاشهر الـ 11 الاولى من 2014 الى 16,2 مليار دولار عن الفترة عينها من 2015 اي ما يتجاوز الـ 2,6 مليارين. وهذا يعني ضرورة انخفاض العجز في الميزان التجاري بالمستوى نفسه، الاّ ان حجم التصدير تراجع خلال الفترة عينها من 3 مليارات دولار خلال 2014 الى 2,7 مليارين خلال 2015، اي ان الصادرات انخفضت بنحو 300 مليون دولار.
- تراجع العجز في الميزان التجاري: بلغ تراجع العجز في الميزان التجاري خلال الاشهر الـ 11 الاولى من 2015 نحو 2,3 ملياري دولار، اذ كان عن الفترة نفسها من 2014 نحو 15,8 مليار دولار ليصبح 13,5 ملياراً عن 2015.
- زيادة العجز في ميزان المدفوعات: حدّ تراجع قيمة تحويلات المغتربين من الاثر الايجابي لتقلّص العجز في الميزان التجاري، وهذا ما دل عليه ميزان المدفوعات، اذ زاد العجز فيه بدل ان يتقلص. فزاد في الاشهر الـ 11 الاولى من 2015 ليبلغ 3 مليارات دولار بعدما وصل في الفترة عينها من 2014 الى حدود 1,4 مليار دولار، اي بزيادة مقدارها 1,6 مليار دولار.
- تراجع التحويلات من خارج لبنان: لا يزال الاقتصاد اللبناني يعتمد بصورة اساسية على تحويلات المغتربين من الخارج، وتقدر قيمة الانخفاض في التحويلات من المغتربين بين 2 الى 2,5 ملياري دولار. هذا الامر يفسر، برأي قطب، الزيادة في العجز في ميزان المدفوعات رغم تقلص العجز في الميزان التجاري.
- انخفاض مؤشر الاسعار: يفترض ان يؤدي انخفاض اسعار النفط الى انخفاض اسعار السلع والخدمات، لأن النفط يشكل جزءاً اساسياً من كلفة الانتاج. وبالفعل، سجل مؤشر الاسعار الصادر عن ادارة الاحصاء المركزي انخفاضاً عن تشرين الثاني المنصرم قارب الـ 3,9% مقارنة بالشهر عينه من 2014.
- تراجع قيمة التحويلات الى مؤسسة الكهرباء: على مستوى المالية العامة، انخفضت قيمة التحويلات من الخزينة الى المؤسسة لأن العجز فيها ناتج من الفاتورة النفطية، وتراجعت تاليا التحويلات خلال الاشهر التسعة الاولى من 2015 بقيمة 600 مليون دولار.
- زيادة العجز في الخزينة العامة: يفترض مع انخفاض التحويلات الى مؤسسة الكهرباء ان ينخفض العجز في الخزينة العامة، الا ان الامر لم يكن كذلك. فقد ارتفع العجز في الخزينة العامة خلال الاشهر التسعة الاولى من 2015 ليبلغ نحو 2,6 ملياري دولار، في حين بلغ عن الفترة عينها من 2014 نحو 2,2 مليارين، أي ان زيادة العجز وصلت الى نحو 400 مليون دولار.
- ارتفاع الدين العام: تبقى مسألة الدين العام المشكلة الاساسية التي تستنزف المالية العامة، اذ بلغ حجم الدين العام في نهاية تشرين الثاني المنصرم نحو 70,4 مليار دولار اي بزيادة مقدارها 3,8 مليارات دولار عن 2014، علماً ان خدمة هذا الدين العام في زيادة مطردة. ووفق قطب، من شأن هذه الزيادة اهدار أي تحسن في أرقام مقبوضات الخزينة او مدفوعاتها.
أمام هذا الواقع، لم يغفل قطب اهمية مباشرة تفعيل عمليات التنقيب واستخراج الغاز من المياه الاقليمية اللبنانية وتلزيمه لانها ستشكل عاملاً مساعداً للنهوض بالاقتصاد اللبناني، وتوفير فرص عمل، وايجاد ايرادات لمعالجة مشكلة الدين العام. الا انه اشار الى ان انخفاض اسعار النفط الى المستويات التي بلغتها اخيراً أدت الى تراجع الاستثمارات المكرّسة من شركات التنقيب والاستخراج، بما يعطي مؤشراً سلبياً بالنسبة الى استثمار هذه الطاقة الموجودة في المياه الاقليمية اللبنانية.