وصف حسن روحاني رفع العقوبات عن طهران بأنه "نصر مجيد"، بالنسبة الى الايرانيين. ليس في هذا أي مبالغة بعد حقبة طويلة من العقوبات المضنية، اما بالنسبة الى الخارج الاقليمي فان السؤال واحد: من الذي سيترجم هذا النصر وكيف، الدولة أم الثورة؟
ذلك أننا أمام خطابين وربما سياستين، هذا لا يعني ان هناك ازدواجية في مركزية القرار الايراني، لكنه قرار يعمل على خطين متناسقين، في جعله اندفاعات الثورة في الاقليم تخدم الدولة في العالم عبر المراهنة على ضبط الثورة، هذا الترابط الملتبس أثار أسئلة الكثيرين على امتداد المفاوضات النووية: هل الاتفاق مع ايران سيقدِّم الدولة على الثورة أم سيؤجج الثورة ويذخِّرها بالسياسة والمليارات؟
لقد استمعت الى الرئيس اوباما يقول ان قوة الديبلوماسية الأميركية نجحت في منع ايران من ان تضع يدها على القنبلة النووية، ولكن هل نجحت في كبحها عن محاولات وضع يدها على المنطقة، رغم حرص أوباما في المناسبة على انتقاد تدخلاتها في شؤون الدول الخليجية؟
ولقد استمعت جيداً أيضاً الى روحاني يقول ان ايران مدّت يدها الى العالم في مؤشّر لرغبة في الصداقة، وانها تركت وراءها العداوات والارتياب والمؤامرات، وانها تفتح مرحلة جديدة في علاقاتها مع العالم ولا تشكّل تهديداً لأي شعب أو حكومة، لكن هذا الكلام لا يمحو تاريخاً من السلوك المعاكس، ولا يزيل من الأذهان تصريحات القادة الايرانيين قبل ساعات قليلة من رفع العقوبات.
ولهذا السؤال: ماذا سيفعل روحاني مثلاً بمئتي ألف مقاتل قال محمد علي جعفري ان ايران دربتهم في سوريا والعراق وحتى شرقاً في باكستان وأفغانستان، وهل ان الحديث عن الصداقة والتخلي عن العداوات والمؤامرات، سيسقط اعلان طهران انها تسيطر على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ثم ماذا سيفعل روحاني لكي يعالج مشكلة عدم قدرة ايران على تخزين ما تنتجه من الصواريخ؟!
طبعاً الأسئلة كثيرة، لكن الأهم: من الذي سيقود، الدولة أم الثورة؟ قد يبدو هذا السؤال بالنسبة الى الكثيرين بلا معنى لأن الدولة في ايران هي مجرد أداة سياسية وادارية عند الثورة، ولهذا عندما يشدد روحاني بعد ساعات من رفع العقوبات وفي سياق تقديم الموازنة الايرانية للسنة المقبلة [تبدأ في آذار] على ضرورة وأهمية الاستعانة برؤوس الأموال الأجنبية لدعم الاقتصاد الذي يعاني ركوداً وانعداماً في النمو، فان المستثمرين الذين يزدحمون الآن على ابواب طهران سيدققون جيداً مع من يتعاملون، مع دولة تنتظم وتحترم القوانين والأعراف الدولية، أم مع ثورة تثير المشاكل كما قال أوباما أمس من غير شرّ؟