18 كانون الثاني 2016: هل هو «انتفاضة» جديدة للدكتور سمير جعجع على حلفائه في 14 آذار؟ أم هو خطوة جدية لدعم النائب ميشال عون وهو في الثمانين من العمر، في سعيه الحثيث للوصول إلى بعبدا؟ أم هي واحدة من مناورات «الحكيم» في سن النضوج السياسي، وهو يقترب من طي عقده الستين لإخراج رئيس «التيار الوطني الحر» خصمه السياسي على مدى ثلاثة عقود على الأقل من السباق إلى قصر بعبدا، وبالتالي اخراجه كشخص من الحياة السياسية، في تمهيد لا يخفى على المراقبين، من انه يندرج في إطار وراثته سياسياً، أياً تكن الاحتمالات؟
من المرحب به ان يتمكن فريقان سياسيان لبنانيان من طائفة واحدة، أو أكثر من طائفة ان يطويا «صفحة سوداء» ميزت تاريخ العلاقة بينهما، كما كان طي صفحات الحرب الأهلية خطوة كبيرة على طريق إعادة بناء الدولة، مع وثيقة الوفاق الوطني التي ختمت الحروب الصغيرة والكبيرة في لبنان منذ العام 1969 وفي محطاتها المعروفة، سواء بين المسلمين والمسيحيين، أو بين المسلمين والمسلمين أو بين المسيحيين والمسيحيين انفسهم.
ومن المرحب به كذلك، ان يعلن أي طرف أو مجموعة أطراف، في إطار تفاهمات وطنية أو تحالفات، التمسك بوثيقة الطائف والدستور المنبثق عنها والسعي الحثيث لبناء الدولة.
احتفالية معراب
ما كان مدار تحليلات وتكهنات ومعلومات صار واقعاً، فقد أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من مقر اقامته في معراب، وعلى مسامع النائب ميشال عون ونواب «القوات»، والكادرات تبني ترشيح عون للرئاسة الأولى.
وراعى هذا الإعلان المراسم الاحتفالية التي اعدت باتفاق، في يوم طويل من اللقاءات والتحركات والزيارات، على الرغم من الطقس العاصف والهواء البارد، وزخات المطر والأجواء المكفهرة في الطبيعة.
في الشكل، كان كل شيء مدروساً، اما في المضمون فيمكن تسجيل النقاط الآتية:
1- استندت مطالعة جعجع حول تبني ترشيح عون، إلى ما وصفه «بدراسة وتفكير ومناقشات ومداولات» في الهيئة التنفيذية «للقوات».
2- اعتبر جعجع ان من الحيثيات الجدية التي جعلته يتبنى الترشيح «اننا بتنا على قاب قوسين أو أدنى من الهاوية، فصار لا بدّ من عملية إنقاذ غير اعتيادية، حيث لا يجرؤ الآخرون».
3- في مقاربة طغى فيها الشكل على المضمون، دعا جعجع القوى الحليفة في قوى 14 آذار وحلفاء «التيار الوطني الحر» إلى تبني هذا الترشيح.
4- ومع ان جعجع رأى في خطوته معالم أمل «للخروج مما نحن فيه إلى وضع أكثر اماناً واستقراراً وحياة طبيعية»، الا انه أراد ان يظهر عندما قرأ البيان - البرنامج الذي تضمنته ورقة «اعلان النيات» بين «القوات» و«التيار العوني» في 2 حزيران 2015، انه هو الضامن لخطاب القسم للنائب عون في حال انتخب رئيساً.
وفي الإعلان المشترك، أعاد جعجع «دغدغة» مشاعر «المستقبل» بالتمسك باتفاق الطائف، والتأكيد على علاقات الصداقة والتعاون مع جميع الدول لا سيما العربية منها، و«دغدغة» مشاعر «حزب الله» بالتأكيد على اعتبار إسرائيل دولة عدوة، فضلاً عن التطرق إلى دعم الجيش وتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ التوافق عليها في طاولة الحوار الوطني.
تبنى النائب عون ما أعلنه جعجع، وشكره بكلام لم يكن مستفيضاً، لكنه أكثر توسعاً مما قاله في بكركي، واصفاً ترشيح «القوات» له «باليوم التاريخي»، آملاً بحصول إجماع حول شخصه، وذلك بالخروج من الماضي وبناء المستقبل.
ماذا بعد؟
وعلى مرأى من اللبنانيين جميعاً ورؤساء كتل وقادة أحزاب ومواطنين عاديين، شرب المحتفلون في معراب نخب «الخطوة التاريخية»، ولكن ماذا بعد؟:
1- النائب وليد جنبلاط لم يشأ الاستعجال في التعليق، لا تغريداً ولا ورقياً، وقال: «ان مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديمقراطي سيجتمعان لاتخاذ القرار المناسب».
2- كتلة «المستقبل» المعني الأكبر بهذا الترشيح لأسباب معروفة ستحدد موقفها اليوم، وإن بدت معالم هذا الموقف آخذة بالتبلور، سواء في الموقف الذي أعلنه من بكركي رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة، إذ أشار بعد لقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي، الى ان انتخاب رئيس الجمهورية ليس شأناً مسيحياً، وجميع اللبنانيين معنيون به، داعياً إلى التشاور، وعدم التسرع، متريثاً في التعليق على خطوة جعجع التي اعلنها لاحقاً، معتبراً ان ثمة مرشحين في المجلس النيابي هما الجنرال عون والدكتور جعجع، كاشفاً عن ان لا مانع من لقاء الرئيس سعد الحريري مع البطريرك الراعي في روما بعد غد الخميس، وكاشفاً أيضاً عن استمرار التواصل بين الرئيس الحريري والنائب سليمان فرنجية، لكنه نفى رداً على سؤال عمّا إذا كانت الكتلة ستشارك في أي جلسة، أياً يكن المرشح، في إشارة إلى اننا لم نتطرق إلى هذا الموضوع، أو في الموقف الذي صدر على لسان عضو الكتلة النائب عمار حوري الذي اعتبر ان قرار عودة الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة ملكه شخصياً، ويخضع للقواعد الديمقراطية المنصوص عنها في الدستور، في إشارة لما تردّد من معلومات من ان جعجع اشترط على عون لتأييده تبني ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة.
3- نظرياً، يفترض ان يكون «التيار الوطني الحر» وضع «حزب الله» في كافة ترتيبات «احتفالية معراب» من الألف إلى الياء، وجاءت تغطية قناة «المنار» الناطقة بلسان حزب الله لهذه الاحتفالية بمثابة مؤشر دعم للخطوة، لكن ثمة انتظارين اليوم، بين فريق تفاهم 2006.
الأوّل ما سيتضمنه بيان تكتل الإصلاح والتغيير بعد اجتماعه بعد ظهر اليوم، والثاني بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» بعد اجتماعها غداً او بعد غد.
لكن الانطباعات الأوّلية لدى الحزب اشارت إلى ان الحزب حذر من خطوة جعجع، ويخشى ان تكون هناك اتفاقيات سرية بين الطرفين لم يكشف عنها.
واعتبرت مصادر قريبة منه ان الخطوة أعادت خلط الأوراق ما يُعيد الأمور إلى نقطة البداية، ولهذا هو يعكف على دراستها، قبل إعلان الموقف الرسمي منها.
فرنجية مرشحاً
4- على ان الأهم، مسارعة رئيس تيّار «المردة» المرشح سليمان فرنجية إلى زيارة بكركي والالتقاء بالبطريرك الراعي، حيث شهد الصرح اجتماعات ماراتونية وأن كانت قصيرة على المستوى الثنائي من النائب عون إلى الوزير جبران باسيل ورئيس جهاز التواصل والإعلام في القوات ملحم رياشي وشخصيات كتائبية، وإعلانه بعد اللقاء انه «ما زال مرشحاً، ومن يريدني يعرف عنوان منزلي»، في أوّل تعليق على التحالف الانتخابي بين «القوات» وعون.
وبهذا الموقف، قطع فرنجية الشك باليقين، من انه خرج نهائياً من جيب الرابية، وأن طريق عون للرئاسة الأولى لا تمر من معراب فقط، وانه سيكون في مواجهته، في أوّل جلسة لانتخاب رئيس، مسقطاً الصورة النهائية لفكرة الإجماع أو شبه الإجماع، ومكرساً خلط الأوراق، سواء في ما خص موعد الجلسة أو النصاب أو التحالفات.
وأبلغ مصدر نيابي مطلع «اللواء» ان فرنجية وبصرف النظر عن موقف «حزب الله» يراهن على جبهة عريضة تدعم ترشيحه في مقدمها الرئيس الحريري وكتلته والنائب جنبلاط وكتلته والرئيس نبيه برّي الذي استبق خطوة جعجع بإلقاء بالون اختبار يحرره من أي التزام، عندما قال انه سيترك الحرية لنواب كتلته ليصوتوا لمن يشاؤون.
5- وفي هذا السياق المتصل، علمت «اللواء» ان الرئيس برّي ليس على عجلة من امره، وهو سيقيم الموقف في بحر هذا الأسبوع، حيث تكتمل لوحة مواقف الكتل، مع العلم انه سبق وحدد موعداً لجلسة رقم 35 لانتخاب رئيس الجمهورية يوم الاثنين في 8 شباط المقبل، اما مسألة إعادة النظر في هذا الموعد فهي تحتاج إلى بعض الوقت حتى تتبلور الصورة.
ومن المتوقع ان تشهد عين التينة، اتصالات مباشرة لرؤية مآل هذا التطور.
6- اما بالنسبة للأطراف المسيحية، وعملاً بالنصيحة التي أطلقها في المؤتمر الصحفي، فقد أجرى جعجع اتصالاً مساءً برئيس الكتائب النائب سامي الجميل، واتفق معه على مناقشة هادفة لهذه الخطوة، موضحاً له انها لا تشكّل استقطاباً أو إلغاء لأي فريق مسيحي آخر، لا سيما حزب الكتائب حليف «القوات» في 14 آذار، لكن الجميل أبلغه بأن كتلة الحزب ستحدد موقفها من هذه الخطوة غداً الأربعاء.
وبالانتظار، وبصرف النظر عن توقعات وزير البيئة محمّد المشنوق من أن حرب إلغاء قادمة بين الحريري وجعجع، فإن الحدث غطى على ما عداه، وبدءاً من هذا الصباح، فإن البلاد ليست أمام يوم آخر، بل أيام أخرى.
تفعيل الحكومة
ويبقى سؤال: هل تعيد خطوة جعجع تفعيل عمل الحكومة، بعدما اطمأن عون نوعاً ما إلى أن أبواب بعبدا باتت قريبة، وبالتالي لا داعي لفتح معارك جديدة عليه أو على الحكومة؟
رغم الارتياح الذي أبداه رئيس مجلس الوزراء تمام سلام عقب انعقاد جلسة مجلس الوزراء الاسبوع الماضي، وعلى الرغم ان لا دعوة هذا الاسبوع لأي جلسة بسبب سفر سلام الى كل من بروكسل ودافوس، ومع ترقب استئناف الجلسات الحكومية لتسيير شؤون الناس والتي يؤيدها الرئيس بري لتفعيل العمل الحكومي، نقل زوار رئيس الحكومة عنه تخوفه من بقاء مقاطعة بعض المكونات الحكومية للجلسات، مشيرا الى ان الامور لا يجوز ان تبقى على هذا المنوال من وضع الشروط لحضور اي جلسة، معتبرا ان تسيير شؤون المواطنين هو أولوية في هذه المرحلة داعيا الجميع الى استشعار دقة المرحلة.
واشار الزوار الى ان سلام منزعج من عدم توقيع الوزراء الذين قاطعوا الجلسة الماضية المراسيم التي وقعت خلالها مما يجعل اقرار هذه المراسيم وقف التنفيذ، ولفت سلام وحسب الزوار انه لن يبقى مكتوف الايدي اذا لم يشارك الجميع في تحمل المسؤولية، داعياً الجميع الى تسهيل عمل الحكومة من اجل تسيير شؤون البلاد والعباد.
على أن مصدراً وزارياً دعا إلى الانتظار لمعرفة نتائج ترشيح جعجع لعون، مشيراً إلى أن الترشيح لا يعني وصول عون إلى الرئاسة، مشدداً على ضرورة أن يكون رئيس الجمهورية لكل لبنان وليس لفريق معيّن، مشيراً إلى أن اللعبة الديموقراطية هي التي ستقرر من سيكون الرئيس، خصوصاً وأننا أصبحنا أمام مرشحين اثنين.
وتوقع المصدر عدم نزول عون وحزب الله إلى المجلس النيابي إذا لم تكن هناك ضمانة على ان عون هو من سينجح في الانتخابات.
وعن مدى ارتباط ملف سماحة بالانتخابات الرئاسية، اشار المصدر الى ان هناك سيناريو يقول بان حزب الله ضغط باتجاه اخلاء سبيل سماحة في هذه المرحلة لاحراج النائب فرنجية المعروف بقربه من النظام السوري، كذلك لاحراج من يدعم ترشيحه، ولاعطاء مزيد من الحظوظ لنجاح عون في الانتخابات.
ورأى المصدر انه اذا كانت هناك جدية وتوافق على ترشيح عون فسيدعو الرئيس بري اليوم قبل الغد الى جلسة انتخاب، اما اذا كانت العملية تحتاج الى وقت فما علينا الا تفعيل العمل الحكومي وعقد جلسات باستمرار.
اللواء : حسابات جديدة «للمستقبل» برّي ينتظر.. حزب الله حذِر وفرنجية من بكركي : ما زلت مرشحاً
اللواء : حسابات جديدة «للمستقبل» برّي ينتظر.. حزب الله حذِر...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
578
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro