فَعَلها رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بعد طول تمهيد، فانسحب من السباق الرئاسي متبنّياً ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في لقاء تاريخي شهدته معراب التي وطأها عون للمرة الأولى وباتت الكرة، في رأي المراقبين، في ملعب ثلاثة: الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، فيما رئيس مجلس النواب نبيه برّي ينتظر ما ستؤول اليه حصيلة المواقف ليبني على الشيء مقتضاه. لاقت خطوة جعجع تفسيرات كثيرة، فالبعض أدرجها في إطار ردّ على الحريري، ومن خلفه الرياض لتبنّيهما ترشيح فرنجية، وبعض آخر تحدّث عن أن خطوة جعجع أحدثت كتلة وازنة من شأنها أن تغيّر في المعادلة الداخلية حتى ولو لم تحصل إنتخابات الرئاسة. ولكن العلامة الفارقة في إعلان جعجع كانت دعوته لقوى 14 آذار الى تأييد عون.

وكذلك تلاقت تفسيرات عدّة على وصف خطوة جعجع بأنها «قرار جريء»، لكنها سألت هل إن هذا القرار نابع من حسابات لديه للمرحلة المقبلة؟ أم أنها ردّة فعل على السعودية والحريري، أم الإثنين معاً؟ لكن البعض الآخر اعتبر أن خطوة جعجع هذه تعيد التركيز على عون كنقطة قوة مسيحية كبيرة. فهي في رأي البعض خطوة تمهيدية لفتح الطريق الى رئاسة الجمهورية، خصوصاً في بُعدها المسيحي.

ويرى المراقبون ان هذا الجو الجديد الذي بدأت تشيعه هذه الخطوة سيُحدث إستقطاباً سياسياً واسعاً وسيفرض على الجميع تقويم المشهد الرئاسي، في وقت لا يزال الطريق الى بعبدا في حاجة الى مزيد من تبلور المعطيات الداخلية والخارجية، مع العلم ان الإعتبارات الخارجية لم تتكامل بعد لكنها حينما تنضج لن تستطيع أن تتجاوز إعلان معراب تبنّي ترشيح عون.

الحريري وفرنجية

وعلمت «الجمهورية» أن الحريري استدعى أركان «المستقبل» الى الرياض حيث عُقد اجتماع مساء أمس تشاور خلاله المجتمعون في آخر التطورات، وما سيكون عليه الموقف من ترشيح جعجع لعون، وذلك عشية الإجتماع الأسبوعي لكتلة «المستقبل» اليوم.

أما فرنجية، فسارع الى زيارة بكركي ليلاً، وأكد بعد لقائه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي استمراره في ترشيحه للرئاسة قائلاً في هذا السياق «أنا ما زلت مرشحاً ومن يريدني يعرف عنوان منزلي».

وعلمت «الجمهورية» أن اللقاء بين فرنجية والراعي عُقد بعيداً من الإعلام، وساده نقاش حول التطورات الرئاسيّة الأخيرة بعد إعلان جعجع ترشيح عون ومحاولة إيجاد مخرج للترشيحَين اللذين أصبحا في مواجة بعضهما، علماً أن فرنجية أعلن استمراره في الترشيح من خارج الصرح البطريركي وليس من بكركي كما ظنّ البعض.

وأكدت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أن «الراعي ينظر بإيجابية الى خطوة جعجع ويباركها، وهي خطوة يُبنى عليها لتحريك عجلة الرئاسة، وهو مع أي تقارب ماروني ومسيحي ووطني»، لافتة الى أن «الراعي سيكمل إتصالاته مع القيادات المارونية والوطنية لتفعيل المبادرات التي تؤدي الى انتخاب رئيس».

وفي هذه الأثناء علمت «الجمهورية» أنّ بعض القوى السياسية بدأت ليل أمس التواصل مع نوابها لتأكيد عدم حضور جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية المقررة في 8 شباط المقبل تفادياً لتأمين النصاب. وفي السياق أعلن جنبلاط أنّ مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي و«اللقاء الديموقراطي» سيجتمعان لاتخاذ القرار المناسب.

إعلان جعجع

وكان جعجع أعلن مساء أمس تبنّي ترشيح عون الى رئاسة الجمهورية على أساس برنامج رئاسي نواته ورقة «إعلان النوايا». وأوضح أنّ «ما عزّز اقتناعنا بهذه الخطوة، هو التطور الإيجابي في العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، لا سيما من خلال ورقة «إعلان النوايا» التي وقِّعت في حزيران 2015 وما تضمّنته مقدمتها من حرص على تنقية الذاكرة والتطلع نحو مستقبل يسوده التعاون السياسي أو التنافس الشريف».

ودعا جعجع «القوى الحليفة في «14 آذار» وثورة الأرز»، إلى «تبنّي ترشيح عون ولا سيما أنّ الإطار المذكور يترجم في نواح عدة عناوين مهمة من مشروع «14 آذار» ويتلاءم معها على خلفية الواقعية السياسية واعتماد أفضل الخيارات المتاحة».

وقال: «أدعو كذلك كلّ الأفرقاء والأحزاب والشخصيات المستقلة إلى الإلتفاف حول ترشيح العماد عون، علّنا نخرج من حال العداء والإحتقان والإنقسام التي نحن فيها الى حال أكثر وفاقاً وتعاوناً عنوانها الوحيد المصلحة اللبنانية العليا ولا شيء سواها، ولا سيما أنّ الإطار السياسي لهذا الترشيح يُشكّل نقطة التقاء بين فريقنا الذي يمثل رأس حربة في «14 آذار»، وبين «التيار الوطني الحر» كفريق متحالف مع «8 آذار» ما يُتيح للأفرقاء الآخرين الإلتقاء على ما التقينا عليه نحن صراحة وعلناً».

من جهته، شدّد عون على أنه «إذا تكلّمنا عن الماضي، فيجب الخروج منه لنستطيع بناء المستقبل، ولكن لا يجب أن ننساه لكي لا نكرّره. الورقة السوداء إنتهى دورها، ويجب حرقها، ولندع كل ذلك في ذاكرتنا فقط لكي لا نعيد تكراره»، متمنياً «أن تتمّ عملية الإنتخاب بخير في المستقبل القريب، وسنكون بالطبع غطاءً لجميع اللبنانيين. فنحن لم نتعامل كيدياً مع أحد. عندما كنا في صلب الخصومة السياسية، لم نكن كيديّين، فكيف بالأحرى ونحن في ممارسة المسؤولية؟!».

وزار عون يرافقه باسيل، جامعة الروح القدس - الكسليك، وعقد اجتماعاً مع رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي طنوس نعمة الذي قال: «نريد أن نشكر الله على حضور عون معنا، وعلى الوحدة التي حصلت بين الموارنة. إنّ هذه الوحدة أثبتت أنّ الطائفة المارونية منظمّة بشكلٍ كبير ولحضورها أهميّة كبيرة، وقد برهنوا في لقاء معراب عن حضارة كبيرة.

انّ العماد عون قيمة ضخمة، ونطلب من الله أن يرافقك وأن يكون معك في ترشيحك للرئاسة، هذا الترشيح الذي يُمثّل خيراً لوحدة ومستقبل لبنان».
أما عون فقال: « لا يمكننا إلّا وزيارة الرهبنة المارونية في ظلّ البهجة التي حصلت بعد لقاء معراب.

لا نريد أن نعود إلى الوراء، فحاضرنا سيء، وأمسنا سيء، يجب أن نخلق النموذج الجيّد لإعادة بناء لبنان. يجب أن نبحث عن حركة تأسيسية جديدة من دون أن ننسى الماضي، ولكن الأشياء تتآكل مع مرور الوقت، ونأمل بناء كلّ الأمور من جديد».

بكركي

الى ذلك، شهِدت بكركي حركة مشاورات كثيفة سبقت إعلان ترشيح جعجع تبنّي ترشيح عون رسمياً إلى رئاسة الجمهورية، بدأت صباحاً مع رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» ملحم رياشي، لتُستكمل مع وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وتُختتم مع عون، الذي زار بكركي قبل التوجّه الى معراب. في وقت خرقت زيارة رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة، المشهد ملمِّحاً الى رفض خطوة جعجع في اعتبار أن الرئاسة «شأن لبناني وليس مسيحياً فقط».

وأعلن عون أنه حمل الى الراعي والى اللبنانيين «حلاًّ لكل العقد التي كانت مستعصية». وقال: «لقد وضعنا بداية الحل الأساسي، فتمنوا لنا الخير، وعسى خيراً».

السنيورة

من جهته، شدّد السنيورة بعد زيارته بكركي على أنّ «انتخاب رئيس للجمهورية ليس شأناً مسيحياً فقط لكن أيضاً هو شأن لبناني بامتياز، فجميع اللبنانيين معنيون بإنتخاب رئيس الجمهورية، ولذلك يجب أن يكون هناك جهد لنصل الى هذا الشخص الذي يستطيع جمع اللبنانيين بكلّ انتماءاتهم السياسية على قاعدة احترام الوطن والدستور وتعزيز العيش المشترك بين اللبنانيين».

وعن موقف «المستقبل» إذا أعلن جعجع ترشيح عون، قال السنيورة: «لا أحب التسرّع في أيّ موقف في هذا الشأن، لنرَ ساعتها ونقيس فعلياً هل لنا مصلحة بذلك. وإن حصل ذلك فماذا يجب ان تكون طريقة التعامل في هذا الشأن».

وعما إذا كان هناك لقاء مرتقب في روما بين الحريري والراعي الذي سيتوجه الى ايطاليا الخميس المقبل، وهل من رسالة معينة حملها من الحريري الى الراعي، كشف السنيورة «أننا تداولنا في هذا الامر ولا مانع من اللقاء بينهما، ولكننا لم نتحدث عن اللقاء».

ولفت الى وجود تواصل بين الحريري وفرنجية، و»هناك حديث في إمكان أن تكون هناك مبادرة، ولكن حتى الآن لم تتشكّل مبادرة في انتظار ما سيكون من ردود أفعال، ونظرياً ما زال هناك حتى الآن مرشحان في المجلس النيابي هما الجنرال عون والدكتور جعجع».

وعلمت «الجمهورية» أن السنيورة نقل الى الراعي رسالة من الحريري مضمونها حصيلة لقاء باريس بينه وفرنجية الذي انتهى الى تجميد عملية ترشيحه انتظاراً للإتصالات الجارية في شأن الترشيح الى ان تفصح التطورات المتسارعة في المنطقة عما يمكن ان يؤدي الى اعادة البحث الجدي في الإستحقاق وموعده المحتمل.

صياح لـ«الجمهورية»

وقال النائب البطريركي العام المطران بولس صياح لـ«الجمهورية» ان «ما حصل في معراب هو ما كنا ننتظره منذ زمن، فالوحدة المسيحية هي مطلب بكركي وبالتأكيد هي مع كل الخطوات التي تؤدي الى التقارب وانتخاب رئيس للجمهورية». واضاف: «علينا بعد هذه الخطوة ان ننتظر كيف سيتعامل الشركاء في الوطن الذين كانوا يقولون ان الكرة في الملعب المسيحي، فالمسيحيون اتفقوا وعندها ستتكشّف نياتهم الحقيقية».

«حزب الله»

وفي معلومات لـ«الجمهورية» ان «حزب الله» كان في جوّ التحضيرات والخطوات التي سجلتها الساعات الاخيرة. وهو يصف خطوة تبنّي جعجع ترشيح عون بالأمر الجيد والخطوة الإيجابية في اتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي من خلال مشروع إجماع مسيحي، حيث أن كل الاطراف السياسية قالت أنه اذا اتفق المسيحيون فإنها توافق على ما يتفقون عليه، كما ان المرشح فرنجية اعلن مراراً ان جعجع اذا رشّح عون فهو سيكون مع عون وكذلك فعل النائب سامي الجميل. فاذا التزم هؤلاء جميعاً بما قالوه وأعلنوه، نستطيع عندئذ القول ان الاستحقاق الرئاسي اصبح على وشك الإنجاز الجدّي.

وإذ يُذكّر «الحزب» الجميع بأنه أول من دعم ترشيح عون للرئاسة وأول من وقف الى جانبه حتى آخر المطاف، يؤكد انه سيبقى مع عون وسينتخبه رئيساً للجمهورية عندما ينزل الجميع الى مجلس النواب. ويشدّد «الحزب» على ان موقفه واضح ويلتزم بما يعلنه، حتى عندما اعلن حليفه الإستراتيجي فرنجية ترشيحه، ظل «الحزب» على التزامه مع عون ولم يخلّ بوعده له.

في المقابل، يحرص «الحزب» على التأكيد ان ما ورد في وثيقة التفاهم بينه وبين «التيار الوطني الحر» ثابت ومؤكد ولن يتغيّر فيه شيء، بل سيكون دعامة أساسية للمرحلة المقبلة.

«المستقبل»

وقالت مصادر بارزة في تيار المستقبل لـ»الجمهورية»: «إن ما حصل هو تطوّر في الملف الرئاسي، لكنه لم يقلب المشهد الذي ما زال مفتوحاً على كل الإحتمالات. وما جرى سيخضع للدرس لدينا ليُبنى على الشيء مقتضاه، ولسنا في موقع ردة الفعل، ولا نعتبر ترشيح الدكتور جعجع للعماد عون موجّهاً ضدّنا».

حوري

وكان عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري استغرب ما أشيع من أن جعجع ينوي الإشتراط على عون أن يكون الحريري رئيساً للحكومة. وأكد حوري» إن قرار عودة الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة ملكه شخصياً ويخضع للقواعد الديموقراطية المنصوص عليها في الدستور، وليس في أي حال من الحالات هدفاً في أي مسعى قام أو يقوم به الرئيس الحريري لملء الفراغ الرئاسي».

ونصح «كل من يعتقد أن الحريري مهتم بمثل هذه الاعتبارات أن يعود إلى المقابلة التلفزيونية التي أجراها النائب سليمان فرنجية مع برنامج «كلام الناس»، عبر محطة «LBC»، والتي يؤكد فيها النائب فرنجية أن الرئيس الحريري لم يطرح في أي وقت من الأوقات خلال مناقشاتها مسألة تولّيه رئاسة الحكومة، بما فيه حينما طرح النائب فرنجية عليه هذا السؤال».

«الكتائب»

وفيما اتصل جعجع برئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل علمت «الجمهورية» ان «الحزب» لن يعلن موقفه من خطوة جعجع قبل 48 ساعة.

سعيد

والى ذلك قال منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ»الجمهورية»: «لقد حاول الدكتور جعجع والعماد عون، بالتكافل والتضامن، القول إن الطائفة المارونية قررت بغالبية أجنحتها السياسية ترشيح العماد ميشال عون. ودخلا من خلال هذه الخطوة، في عملية موازين القوى الطائفية بين المسيحيين من جهة، والسنّة والشيعة من جهة اخرى.

وخطورة الأمر في لعبة موازين القوى تكمن في نقاط عدة ابرزها اثنتان:

أولاً: يبرز «حزب الله» بأنه الرابح الأكبر حتى الآن في رئاسة الجمهورية لأن المفاضلة هي بين «ابنه البكر» او «ابنه الثاني».

ثانيا: اذا تجاوز المسلمون ترشيح العماد عون فهذا تجاوز لارادة سياسية مارونية وليس فقط لعون، واذا لم يتجاوزوا يكون الربح صافياً لمصلحة «حزب الله».

من هنا نجدد تأكيدنا ان مقاربة ملف رئاسة الجمهورية يجب ان تكون مقاربة سياسية وليست مقاربة طائفية، وللأسف لقد حاولنا لبننة حزب الله منذ العام 2005، الّا ان الطوائف انتقلت، من اجل ان تصبح هي ايضا مثل «حزب الله» الى داخل طوائفها». وختم سعيد: «اكرر عدم دعمي ترشيح سليمان فرنجية او ترشيح عون».

ملف سماحة

وعلى صعيد تداعيات افراج المحكمة العسكرية عن الوزير السابق ميشال سماحة، وقع وزير العدل اللواء اشرف ريفي امس مشروع مرسوم إحالة ملف سماحة الى المجلس العدلي، في اعتبار ان «الجرائم التي ارتكبها تشكل اعتداء على أمن الدولة، وأحال المشروع على رئاسة مجلس الوزراء لاقراره والسير به.

كذلك وقع ريفي مشروع قانون يتعلق بإنشاء محاكم ودوائر متخصصة بقضايا الارهاب والجرائم الكبرى واحاله الى مجلس الوزراء.
وتوجه ريفي مساء امس الى الرياض للقاء الحريري والتشاور معه في الإجراءات المتخذة لمواجهة قضية سماحة عقب القرارات الأخيرة الصادرة عن محكمة التمييز العسكرية بعدما احال رئيسها القاضي طاني لطوف على هيئة التفتيش القضائي من دون اي اعلان رسمي واكتفى بالقول تعليقا على الإحالة انها من الإجراءات الإدارية التي لا يعلن عنها عادة في الإعلام.

وكان رئيس الحكومة تمام سلام التقى امس رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد والمدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، وعلمت «الجمهورية»، من مصادر المجتمعين أن اللقاء تناول التداعيات السياسية لقرار محكمة التمييز العسكرية بإخلاء سماحة، كذلك تناول ما يحكى عن تعديلات في صلاحيات المحاكم الإستثنائية.